فرنسا تريد «ضمانات مطلقة» غير متوافرة اليوم لتسليح المعارضة السورية

انقسامات المعارضة السياسية وتعثر تنظيم القوى العسكرية يفسران «تريث» باريس

عناصر من الجيش السوري الحر في وضعية تأهب بحي صلاح الدين بحلب أول من أمس (رويترز)
TT

هل تراجعت باريس عن سعيها لتسليح المعارضة السورية ورغبتها في حمل الاتحاد الأوروبي على رفع الحظر المفروض منه على إرسال السلاح إلى المعارضة «في أسرع وقت»، وفق تعبير الرئيس فرنسوا هولاند قبل أسبوعين بمناسبة القمة الأوروبية في بروكسل.

السؤال طرح بقوة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي التلفزيونية ليل الخميس – الجمعة، والتي جزم فيها بشكل قاطع بأنه «لن يكون هناك تسليم أسلحة عقب انتهاء فترة الحظر» الأوروبي نهاية مايو (أيار) المقبل «إذا لم تتوافر قناعة تامة بأن هذه الأسلحة سيستخدمها معارضون شرعيون وليست لهم أية صلة بأي تنظيم إرهابي». وبحسب هولاند فإن هذه القناعة «غير متوفرة الآن»، ولذا فإن باريس لن تقدم على تسليح المعارضة السورية «ما دمنا غير واثقين من أن المعارضة لديها السيطرة التامة على الوضع». وبحسب مصادر فرنسية رسمية فإن «الجملة الأخيرة تعني أن توفر المعارضة السورية المسلحة»، والمقصود بها هنا الجيش السوري الحر ورئيس أركانه اللواء سليم إدريس «الضمانات الكافية بأن السلاح لن يذهب إلى جبهة النصرة وأخواتها».

ويأتي الموقف الفرنسي الجديد على خلفية استمرار المعارضة لخطوة من هذا النوع داخل صفوف الاتحاد الأوروبي رغم الجهود التي تبذلها الدبلوماسية الفرنسية، بدعم بريطاني، كما حصل الأسبوع الماضي خلال اجتماعات اليومين لوزراء الخارجية الأوروبيين في دبلن. وبحسب مصادر دبلوماسية رافقت مناقشات دبلن، فإن المعارضين الأوروبيين لجأوا إلى حجتين رئيسيتين: الأولى هي مصير السلاح الذي قد يعطى إلى المعارضة السورية خصوصا أن ما تطلبه هو صواريخ مضادة للطائرات بالدرجة الأولى والأخرى مضادة للدروع، والثانية هي التخوف من أن تؤدي الخطوة الأوروبية إلى استثارة موسكو وإيران والصين وغيرها ودفعها إلى مد النظام بأسلحة أكثر فتكا وبالتالي القضاء على أي فرصة لحل سياسي.

لكن كل ذلك كان معروفا ولا يفسر الخطوة التراجعية لهولاند الذي دأب، منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في الربيع الماضي، على أن يكون سباقا في دعم الانتفاضة السورية على نظام الرئيس الأسد، إن بالإسراع بالاعتراف بالتحالف الوطني «ممثلا شرعيا وحيدا» للشعب السوري، أو بالدفع نحو تشكيل حكومة سورية، أو بالدعوة لرفع الحظر الأوروبي على السلاح.

واللافت أيضا، بحسب المصادر المشار إليها، أن الخطوة الفرنسية تأتي بعد «تحولين مهمين»، الأول، إفساح القمة العربية رسميا ولمن يرغب من البلدان العربية في توفير السلاح للمعارضة، الأمر الذي يعد غطاء شرعيا لاحقا لما كانت قد بدأته عدة أطراف عربية من التسليح عبر البوابتين الأردنية والتركية. والثاني، إعلان وزير الخارجية الأميركية جون كيري مؤخرا أن بلاده «لم تعد تعارض» تسليح هذه المعارضة. ويوم الأربعاء، عرج كيري على باريس في رحلة العودة من الشرق الأوسط إلى بلاده واجتمع مع نظيره لوران فابيوس، وكان هذا الموضوع على رأس ما تناولاه من ملفات. وقد سبق للوزير فابيوس، في محاضرة ألقاها في جامعة السوربون، أن تحدث عن «ضمانات مطلقة» من المعارضة لجهة أن السلاح لن يستخدم يوما ما ضد الأطراف التي قدمته لها.

واللافت للنظر أن مصدرا فرنسيا كان قد أكد في لقاء صحافي ضيق الأسبوع الماضي، أن باريس «لديها الضمانات الصلبة والكافية» التي تطمئنها إلى أن السلاح الذي ستعطيه للمعارضة «لن يصل إلى الأيدي الخطأ». وتحدث عسكريون عن إمكانية تعطيل الصواريخ التي قد تصل خطأ إلى أيدي المنظمات الجهادية إلكترونيا.

الواقع أن الرئيس هولاند أماط بنفسه اللثام عن الدوافع التي تبرر التردد الفرنسي حين تحدث عن انقسامات المعارضة «في الأيام الأخيرة». وبدورها، قالت الخارجية أمس، في إطار مؤتمرها الصحافي الإلكتروني، ردا على وكالة الصحافة الفرنسية و«الشرق الأوسط»، إن «الحصول على هذه الضمانات أمر بالغ التعقيد بالنظر للتطورات (العسكرية) الميدانية والصعوبات التي تواجه المعارضة السورية لتوحيد (صفوفها)». وكانت باريس تشير بذلك إلى الخلافات التي رافقت انتخاب غسان هيتو رئيسا للحكومة المؤقتة، ولانسحاب بعض الشخصيات المستقلة، ثم إلى استقالة رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب قبل أن يعود إلى تأكيد استمراره في مهمته حتى نهاية انتدابه في مايو (أيار) المقبل، وأخيرا إلى سحب الجيش السوري الحر اعترافه برئيس الحكومة المؤقتة بعد أن كان قد أعلن قبوله به.

والحال أن باريس ما فتئت تدفع إلى توحيد المعارضة وتعمل على تدعيم الجيش السوري الحر ممثلا برئيس أركانه. وشرحت مصادر فرنسية تصورها «النظري» لذلك بحيث تكون هناك سلطة سياسية تتعاون مع جهاز عسكري هرمي البنية يكون مسؤولا عن التخطيط وعما تقوم به كتائبه ميدانيا، خصوصا الجهة التي تسلم إليها السلاح المتطور الذي سيعهد به إلى العناصر التي اختيرت من بين صفوفه لتشكل والتي تلقت تدريبا تقنيا على استخدام الأسلحة العتيدة. لكن الخصومات والانقسامات داخل المعارضة بشقيها السياسي والعسكري «نسفت» التصورات الفرنسية ودفعت باريس إلى الموقف «المتريث» الذي عبر عنه الرئيس هولاند.

ولذا، فإن موقف باريس اليوم يقوم، وفق أقوال هولاند وفابيوس وتصريحات الخارجية أمس، على احترام الحظر الأوروبي حتى نهايته، مما يعني أن شهري أبريل (نيسان) ومايو لن يشهدا رسميا تدفق أي سلاح أوروبي على المعارضة. وما سيصلها هو ما سمح به قرار 28 فبراير (شباط) الماضي القاضي بتسليمها معدات «غير قاتلة» من جهة ومساعدة «تقنية» لتسهيل استخدامها من جهة أخرى. وتعمل باريس، بحسب مصدر رسمي، وفق «تفسير موسع» لمعنى المساعدة التقنية.

وسيعود الملف مجددا إلى طاولة البحث لدى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم 22 أبريل، فيما يعمد ممثلون عن الدول الـ27 حاليا إلى دراسة «الجوانب الفنية» للمسألة، وسيرفعون خلاصات أعمالهم للوزراء. أما القرار النهائي فلن يحل قبل 28 مايو، حيث سيكون على الأوروبيين أن يصلوا إلى قرار يتبنى أحد المخارج الثلاثة التالية: إما الإبقاء على الحظر كما قرر في اجتماع نهاية فبراير، أو رفعه، أو تعديله عن طريق زيادة فقرة تتيح تزويد المعارضة بـ«الوسائل التي تمكنها من الدفاع عن نفسها»، مما يعني فتح الباب أمام تسليحها.

وكان هولاند قد هدد «مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون» بـ«إجراءات أحادية» إذا عجز الأوروبيون عن الاتفاق على رفع الحظر. وبأي حال، ما زالت باريس تؤكد أنها تريد حلا سياسيا، وأن هذا الحل لن يكون ممكنا طالما بقي السلاح يتدفق على النظام فيما المعارضة محرومة منه، مما يعني استمرار اختلال التوازن الميداني وحرمان المعارضة من حماية مناطقها.