علي الأديب في حديث لـ «الشرق الأوسط»: هناك ما يقرب من مليوني موظف في الدولة العراقية ينتسبون لـ«البعث»

الشخص الثاني في حزب الدعوة: لسنا الحزب الحاكم وإنما رئيس الوزراء منا

TT

يتمتع علي الأديب، الشخص الثاني في حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي رئيس وزراء العراق، بشخصية هادئة وواثقة، فلم يرفض الإجابة عن أي سؤال وجهته له «الشرق الأوسط» في حوار أجرته معه في بغداد، بما فيها ما يتعلق بنسبه العراقي أو الإيراني. ويعد الأديب الذي يشغل حقيبة التعليم العالي في حكومة المالكي من المنظرين الحداثيين لحزبه، ويدعو لأن ينفتح حزب الدعوة على بقية المذاهب والأديان.. كما اعتبر الأديب في حديثه أن ما يحدث من أزمات في العراق هو من مخلفات حزب البعث المنحل. كما يتهم الأديب إقليم كردستان بأنه يريد أن يتمتع بأكثر من صلاحياته. وفي ما يلي نص الحوار:

* هل أنت الشخص الثاني في حزب الدعوة بعد نوري المالكي؟

- العرف السائد في حزب الدعوة هو أن القيادة جماعية، تتكون من 11 شخصا، والأمين العام للحزب هو أمين عام بلا صلاحيات، وبسبب قانون الأحزاب في العراق، إذ يجب أن يكون لأي حزب أمين عام أو رئيس، لهذا فنحن نسجل الشخص البارز في المشهد السياسي كأمين عام، وبما أن الأخ المالكي هو رئيس الوزراء فقد تم اختياره كأمين عام، وقد جدد له في المؤتمر الأخير للحزب، أما بقية الإخوة القادة فهم منتخبون، بعضهم تم انتخابه سابقا ومنذ وقت طويل، والبعض الآخر تم انتخابه من خلال المؤتمرات التي عقدت مؤخرا.

* إلى كم قسم انشق حزب الدعوة الإسلامية؟

- في الحقيقة، ليست هناك انشقاقات كثيرة في الحزب، ولكن في عام 1980 وعلى أثر سفر الكثير من القيادات والأعضاء إلى الخارج بسبب الاضطهاد الصدامي لهم، واجتمعوا في الدول التي كانت تسمح بوجودهم، بعضهم في الكويت ولبنان والإمارات العربية وبعضهم في جمهورية إيران الإسلامية، وبسبب ملاحقة أجهزة صدام الأمنية التي طالت أغلب الدعاة (يطلق على عضو حزب الدعوة لقب داع وجمعها دعاة)، فقد اجتمع غالبيتهم في إيران، ولو أن البعض كان وجوده غير رسمي، وهناك تم لأول مرة اجتماع لوضع هيكلية لحزب الدعوة الإسلامية، وهذه الهيكلية أوجدت مبدأ الانتخابات، وفي السابق لم تكن هناك انتخابات، بل يتوارث الأعضاء المسؤولية عن الحزب في ما بينهم. وفي عام 1980، حدثت أول عملية انتخابية تمت في إيران، بعد أن تم تجميع الأعضاء الذين كانوا في خارج إيران سواء في لبنان أو العراق أو الكويت، وكل سنتين يعقد المؤتمر العام وتتم الانتخابات.

* هل بسبب وجود حزبكم في إيران يؤخذ عليه ويتهم بأنه مقرب جدا من طهران؟

- لهذا الاتهام أوجه متعددة، لأن الغالبية الساحقة من أعضاء حزب الدعوة من المذهب الجعفري، وربما بسبب التماثل المذهبي بين العراق وإيران، بين المجتمعين العراقي والإيراني، جاء هذا الاتهام. أما تدخل الحكومة الإيرانية في شؤون حزب الدعوة فهذا غير موجود على الإطلاق.

* ما ردكم على من يقول بأنك إيراني ولست عراقيا؟

- والدي ووالدتي مولودان في العراق عامي 1920 و1924. وجدي أيضا كان في العراق، وقد تكون الأصول الأساسية من إيران مثلما غالبية العراقيين تنحدر أصولهم من السعودية أو تركيا أو من أماكن أخرى. ووالدي كان مدير أول مدرسة في كربلاء، وكان من التربويين المشهورين، وله آثار كتابية كثيرة، وكان يقوم بتدريب المعلمين، وخرج أجيالا من العراقيين من خلال هذه المدرسة، ولكن بسبب الصراعات والثقافات الطائفية الحادة التي صارت في العراق أصبح من ينتسب أصله لإيران كأن ذلك تهمة، ولذلك تلاحظ أن خطابات المتظاهرين في الأنبار والموصل توصم كل الشيعة باعتبارهم إيرانيين وصفويين، وفي زمن صدام كانوا يسمونهم المجوس.

* هل وصل العراق إلى مرحلة الحزب الواحد والحزب الحاكم؟

- حزب الدعوة اليوم ليس هو الحزب الحاكم، وإنما رئيس الوزراء من حزب الدعوة، والحكومة المشكلة قامت على أساس المشاركة مع بقية الفرقاء الممثلين داخل البرلمان العراقي، ولحزبنا وزيران فقط في الحكومة؛ هما: أنا، وزير التعليم العالي، ووزيرة المرأة. هذا تمثيل حزب الدعوة في الحكومة، وزارتان غير سياديتين.

* كيف تنظرون إلى المشهد السياسي العراقي راهنا؟

- المشهد السياسي مأزوم، والأزمة لها علاقة بالنظام السابق، الذي أعتبر رجاله من الموتورين في الوضع الحالي، ومن الذين خسروا امتيازاتهم التي كانوا يتمتعون بها سابقا، وهم من يحركون الساحة في هذا الاتجاه، لأن النظام الجديد لم يكن حاسما في مسألة التعاطي معهم، لذلك بقوا في بعض المواقع. ولكن انحلال بعض الأجهزة، مثل وزارة الدفاع والداخلية والأمن، كان سبب إقصاء الكثير ممن كانوا يشغلون هذه المواقع إلى خارج هذه المؤسسات، ولكن تأسست للمرة الثانية وزارتا الدفاع والداخلية وموجود فيهما من بقايا النظام السابق حتى في مواقع قيادية بهذه المؤسسات الأمنية والعسكرية.

* ألم تنتهوا من قصة حزب البعث والنظام السابق التي ترددونها دائما، رغم مرور 10 سنوات على تغيير النظام، فما زلتم تتحدثون عن حزب البعث رغم أن هذا الحزب انتهى تقريبا عام 1979 عندما أعدم صدام حسين رفاقه؟

- حزب البعث حزب شمولي، وما قام به أنه حاول أن يوحد ثقافة البلد من خلال تبعيث التربية والتعليم، إضافة إلى أن المؤسسات الأمنية والعسكرية كانت مبعّثة، لا علينا من أن صدام كان يعاقب أعضاء حزبه عقوبات قاسية، لكن ثقافة الحزب كانت قسرية، فرضها على كل المؤسسات بما في ذلك السجناء الذين كان يعتقلهم، ولهذا كانت هناك ثقافة أحادية سائدة في العراق. سلوكيات النظام كانت أمنية، وكل مواطن كان يكتب تقاريره على المواطن الآخر، وأشاع ثقافة الحقد والإيقاع بالآخر حتى داخل العائلة الواحدة، ولم تكن هناك ثقافة حب وتسامح وتقبل الآخر، لهذا نشاهد هذا العنف السائد في المشهد الأمني والسياسي، فهو من تأثيرات وبقايا ثقافة النظام السابق، وحتى الآن لم تحدث ثقافة تغيير في البلد، وما زال هؤلاء في مفاصل الدولة المهمة ولم يتم إقصاؤهم، إلا القلة النادرة شملهم قانون اجتثاث «البعث»، وهناك ما يقرب من مليونين من موظفي الدولة منتسبين لحزب البعث، والانتساب إلى حزب البعث ليست مسألة تنظيمية وإنما ثقافية أيضا، أنا وجدت في وزارة التعليم العالي أطروحات ماجستير ودكتوراه تحلل خطابات صدام حسين وتلقي الضوء على ثقافة حزب البعث! والأكثر من ذلك وجدته في القوانين والنظريات العلمية، يحاولون إقحام حزب البعث في النظريات العلمية. إذن، هي ليست مسألة اتهام، وإنما هذا واقع ونحن نقوم بتوصيف الواقع، ومطلبنا الأساسي هو تغيير الثقافة بأخرى متعددة الجوانب، وليست ثقافة اتحادية، ولهذا فالمواطن العراقي مسكون بثقافة الحزب الواحد ويعتقد أن حزب الدعوة ما دام رئيس الوزراء منه فهو مسيطر على جميع الأوضاع في العراق.

* هل تعتقدون أن هذه الثقافة صارت مجتمعية، يعني إذا جاء غدا رئيس وزراء كردي أو شيوعي هل يصف العراقيون حزبه بالحزب الحاكم؟

- بالتأكيد. وبالفعل هذا موجود، لهذا تجد أن الأطراف الأخرى التي لا تشترك في صناعة القرار تتحدث عن الحزب الواحد، لأنها تعتقد أنها هي من يجب أن يقرر، واحتكار القرار لجهة معينة أبقى هذه الثقافة لدى كل الكتل السياسية، ولأن رئيس الوزراء ينتمي إلى حزب الدعوة فهم يتصورون أنه يستقي أفكاره وقراراته من الاجتماعات الحزبية، وهذا غير كائن أساسا.

* أنت أقرب الأشخاص للسيد نوري المالكي، هل تعتقدون أنه يسعى لأن يكون الشخص الحاكم أو الحاكم الأوحد؟

- هذا السؤال يجب أن يوجه له، ولكنه لا يتخذ أي قرار في مجلس الوزراء إلا بعد التداول والنقاش مع الآخرين، مع الوزراء، بما في ذلك القرار الأخير المتعلق بتأجيل انتخابات مجالس المحافظات في محافظتي الأنبار ونينوى، حيث كان يقرأ التقارير الأمنية الصادرة عن الحكومات المحلية والجهات الأمنية، وبعد قراءته لهذه التقارير اتضح له أنه لا يمكن عقد الانتخابات مع مقتل 5 من المرشحين في محافظة نينوى وتهديد الآخرين واستقالة أكثر من ألف موظف من موظفي المفوضية العليا للانتخابات في هذه المناطق، ولذلك صار رأي مجلس الوزراء، بالإجماع، تأجيل الانتخابات في الأنبار ونينوى، وهناك نص في الدستور العراقي يقول إنه إذا كانت هناك ظروف قاهرة لا يمكن فيها إجراء الانتخابات، فعلى القائد العام للقوات المسلحة أن يؤجل الانتخابات... وتم تأجيلها لستة أشهر ولم يتم إلغاؤها حتى يتم الكشف عن الأوضاع مرة أخرى، فمحافظة نينوى واقعة تحت سيطرة المجاميع المسلحة، لهذا فإن ظاهرة الخوف والوجل سائدة بين المواطنين، وبدأ الكثير من رؤساء العشائر والسياسيين يلتقون رئيس الوزراء ويوضحون له الموقف.

* البعض يعتبر قرار تأجيل انتخابات مجالس المحافظات في الأنبار ونينوى سياسيا وليس دستوريا.

- بالطبع، كل واحد يفسره بالاتجاه الذي يريده، لأن السجال القائم والتوتر السياسي بين الأطراف، دائما يدفع البعض لتفسير الأمور بطريقة نسبية ومن وجهة نظر جهة معينة من الجهات، وأي شيء يفعله اليوم رئيس الوزراء مع هذه الأزمة يفسر ضده ولا يفسر لصالحه، رغم أن القرار ليس قراره، بل قرار مجلس الوزراء، لكنه يصدر عنه كونه رئيس المجلس.

* يعني ذلك أن الوزراء موافقون على القرار؟

- بالتأكيد. لأنهم من كتل مختلفة، ووافقوا وتواقيعهم موجودة في مجلس الوزراء.

* لكن كتلهم في البرلمان اعترضت على القرار؟

- كتلهم ضد الوزراء، وزعاماتهم تشتغل ضد الوزراء، والوزراء لا يعرفون ماذا يفعلون في الحقيقة، يعني الوزير صار مجرد موظف لدى كتلته، لكنه منسجم مع مجلس الوزراء، ونحن نلاحظ حالة انسجام الوزراء المشاركين في السلطة.

* العرب السنة يشكون من التهميش خاصة قياداتهم؛ طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية محكوم عليه بالإعدام، ورافع العيساوي تمت مداهمة مقره عندما كان وزيرا للمالية من قبل القوى الأمنية لتهم إرهابية لموظفيه، وصالح المطلك تم تهميشه لفترة ومنع من الوصول إلى مكتبه وهو نائب رئيس الوزراء، وهذه كلها قيادات سنية.

- نحن إما أن نتهم الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية بأنها تتهم الأشخاص جزافا فهذا موضوع مختلف، وإما أن نبحث في المعلومات فهذا شيء آخر. أنا أعتقد لو تقرأ ملفاتهم الأمنية والقضائية وتراقب تصريحاته، فسوف تجد أن هناك من هو في الحكومة وفي نفس الوقت له هو معاد لها وضد الوضع وهو مساهم في أعمال هي ضد الوضع الأمني والاستقرار فهؤلاء هم سبب التوتر. وأضيف أن هذه القيادات من مناطق كان يستند إليها النظام السابق، وبالتالي هؤلاء يعتبرون متضررين، لأن الجيش تم حله وكذلك الأجهزة الأمنية والمخابرات، وهذه الأجهزة كانت تضم أعدادا كبيرة لا يحتاجها العراق اليوم، وبعضهم من ساهم في قمع وتأديب الشعب العراقي بقسوة متناهية خلال انتفاضة شعبان (مارس «آذار» 1991) وخلفوا المقابر الجماعية، الآن يعتبرون أنفسهم بلا عمل، ولارتباطهم العشائري وحتى هناك نواب في البرلمان لهم ارتباطات مع هؤلاء ويصبح لهم طموح للعودة مرة أخرى للجهاز الأمني والعسكري بحجة التوازن الوطني. والحديث اليوم يدور حول أن أغلب القيادات العسكرية من طائفة واحدة، وأن الاجتثاث لم يشمل كل البعثيين وإنما شمل البعثيين من العرب السنة.. وصراحة، نظام صدام هو من كان يعتمد على الطائفية والمناطقية والعشائرية، وبالتالي المسألة في الحقيقة كرست من النظام السابق، وعندما تتم معاقبة من هم من النظام السابق لتوطيد الأمن والاستقرار السياسي كمطلب أساسي للحكومة واستقرار البلد - يعتقد الطرف الآخر أنه مهمش أو أن طبقة جديدة جاءت للحكم تمارس ممارسات طائفية أو عشائرية أو مناطقية وهم الآن تم نسيانهم، هذا ما يحدث الآن. إذا استطاعت الحكومة اليوم أن تفرز من هو متورط في العمل ضد العملية السياسية والأمنية بأي شكل من الأشكال عن الآخرين - فسيكون بالإمكان التفريق بين المتهم الحقيقي والبريء، وبالتالي يتم التعامل مع كل المواطنين على أساس المواطنة، وكل مواطن مستعد لخدمة الوطن وأن يبرهن إخلاصه للعراق - فسيكون له الحق في المساهمة في إدارة أي مؤسسة من المؤسسات.

* يبدو أن تهمة الطائفية مطاطة.. نستطيع أن نقول إن حزب الدعوة طائفي، كونه يضم لونا مذهبيا واحدا ويتصرف انطلاقا من مصالح وأفكار هذا اللون المذهبي.

- قد يكون هناك شيء من هذا القبيل، ولكن لا ينكر أن ما حدث عام 1991 في انتفاضة الجنوب، وكانت المحافظات التي شاركت في التمرد على صدام وحاولت إسقاط نظامه هي محافظات شيعية، وصارت انتفاضة كردية شاركت فيها المحافظات الكردية، عام 1991 أيضا، ولكن أي المحافظات التي لم تشارك أو تنتفض ضد صدام؟ هي المحافظات التي كان يسميها النظام الصدامي بالمحافظات البيضاء، وكانت وقتذاك تدير السلطة، إذن النظام السابق كان يعتمد على محافظات معينة لإدارة سلطته أمنيا وسياسيا وتجاريا، والآن يشعرون بأن هناك آخرين جاءوا أخذوا منهم الامتيازات ويريدون مشاركتهم وهم غير راضين بالمشاركة، هؤلاء أدمنوا عملية الغلبة والسيطرة واستنفاد كافة الحقوق، ولكن على حساب الآخرين. لاحظ الشعارات التي رفعت على دبابات نظام صدام خلال قمع الانتفاضة، كانت تقول: «لا شيعة بعد اليوم»، ونشر 32 مقالة في جريدة «الثورة»، كانت بإشراف عدي ووالده صدام، كلها تطعن في الشيعة، هذه كلها من آثار التعامل، وآليات السلوكيات السابقة، وبقايا أفراد ذلك النظام حتى الآن في مؤسسات الدولة والمجتمع العراقي.

* تحدثتم عن المشاركة، وعدم قبول من سميتهم الآخرين بهذه المشاركة، فهل تقبلون أنتم المشاركة؟

- نحن قبلنا بالمشاركة، ليس هناك برلمان في العالم يشارك كله في الحكومة، كل الكتل البرلمانية اليوم لها حصة، من أكبر إلى أصغر كتلة، هناك قلة من الأنظمة السياسية في العالم التي ترضى بالديمقراطية التوافقية، عادة تنقسم عناصر البرلمان إلى معارضة وإلى حكام، والمعارضة مهمتها أن توجه سهامها إلى الحكام وترصد نقاط ضعف الحكومة وتنتقدها، وتهيئ نفسها حتى تأتي في الدورة القادمة إلى الحكم، أو في الأقل تدفع الحكومة لأن تصحح أخطاءها، وهذا ما جرت عليه العادة لفهم الديمقراطية، لكن يبدو أن الديمقراطية الموجودة في العراق من النوع الشاذ!

* لكنكم لم تستطيعوا إشراك ائتلاف العراقية أو أنه لم تتوافر آلية صحيحة لهذه المشاركة؟

- «العراقية» جاءت ولها الكثير من الوزارات؛ واحدة منها سيادية وهي وزارة المالية، وباقي وزاراتهم ليس أقل أهمية من الوزارات السيادية، ومع ذلك عندهم توجه سياسي بأنهم يجب أن يسقطوا الحكومة في أكثر من مفصل، حاولوا استجواب رئيس الوزراء وإسقاطه وتشكيل حكومة جديد، بالإضافة إلى أنهم الآن يحاولون إسقاط الحكومة وإلغاء الدستور وحذف بعض القوانين التي وافق عليها البرلمان في دورات سابقة مثل «قانون المساءلة والعدالة»، أو «قانون 4 إرهاب»، وهذا يعني أنهم يسيرون في الاتجاه الآخر أو ضد استتباب الأمن واستقرار الوضع السياسي.

* إذا كنتم تعتبرون «العراقية» هكذا، فماذا عن الأكراد و«التحالف الكردستاني»؟

- الأكراد أيضا يجب أن تكون عملية الاحتكام لديهم إلى مواد الدستور التي كان لهم يد كبيرة في عملية تثبيتها، وأستطيع أن أقول إن فيه الكثير من البصمات ذات الانحياز للوضع الكردي، بما فيها فكرة الفيدراليات التي لم تكن رائجة لدى العراقيين، الذين من الصعوبة أن يتقبلوا فكرة الفيدرالية بما في ذلك أبناء الجنوب، إلا أنها وضعت بالدستور لمصلحة الأكراد. وموضوع الموارد العامة، يعني الثروات في البلد بما فيها النفط، هي في الحقيقة ملك كل العراقيين، وعندنا نظام لعمليات استكشافه أو الاستفادة من الموارد الأخرى. المشكلة أن إقليم كردستان يريد أن يتمتع بصلاحيات أكثر مما هو موجود في الدستور، مثلا المادة 140 التي كتبت في عهد بريمر (بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق سابقا) وثبتت في قانون إدارة الدولة ثم نقلت إلى الدستور - هي موضع خلاف، لأن مدتها انتهت وهذه المادة تعتبر ملغية، في حين أن الكرد يعتبرونها مستمرة، وأن الحكومة يجب أن تجند كل قواها وتترك كل شيء وتنصرف فقط لتنفيذ المادة 140 من أجل أن تنقل كركوك إداريا لإقليم كردستان وتمهد لعملية الاستقلال الاقتصادي.

* لكن، عندهم نفط في إقليم كردستان، وهم ليسوا بحاجة إلى نفط كركوك، وموضوع كركوك بالنسبة للأكراد لا يتعلق بالنفط.

- لا.. النفط في الإقليم لا يكفي، فهم ينتجون 250 ألف برميل، في حين أن كركوك وحدها تنتج ما بين 400 إلى 500 ألف برميل يوميا، ونفط كردستان من النوع الثقيل ولا يسوق بسهولة، ويجب أن يخلط مع النفط الخفيف حتى يتم تسويقه.

* القيادات في إقليم كردستان تقول: نحن لا يهمنا، وإنما المسألة تاريخية وكركوك كانت جزءا من أراضي كردستان، والمسألة رمزية للظلم الذي تعرض له الأكراد.

- من الذي لم يتعرض للظلم في العراق؟ بما في ذلك حزب البعث نفسه، وقياداته نفسها تعرضت للإعدام، نظام صدام كان يساوي في عمليات الظلم والاجتثاث والتأديب، أما أن أقول إن الأكراد وحدهم تعرضوا للظلم فلا، شيعة الجنوب تعرضوا للظلم أكثر من الأكراد، على الأقل عندهم جبال كانوا يلجأون إليها، ونحن في الجنوب لم يكن لدينا أي مكان نلجأ إليه.

* الأكراد كانوا دائما يدعمونكم، ولديهم علاقات تاريخية مع شيعة العراق، ومبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني هي من نصبت المالكي رئيسا للوزراء، فلماذا هذا التأزم معهم؟

- بصراحة، نحن لا نزال متحالفين ومنذ أيام المعارضة، لأن المكونين الشيعة والأكراد كانوا متضررين أساسيين، وبشكل واضح، من نظام صدام، وكان هناك تعاون، سواء على الصعيد السياسي أو الجهادي، لإسقاط النظام السابق وساهموا في عملية إسقاط نظام صدام، وعلى ذلك فإن هذا التعاون، والتحالف، لا يزال قائما، هذا تحالف المظلومين والمضطهدين.

* هذا يعني أن السنة العرب لم يكونوا مظلومين، بل ظالمين؟

- لا.. أنا أقول إن النظام السابق كان يعتمد على مناطق السنة في تثبيت نظامه، وإن القادة العسكريين والأمنيين كانوا من مكون واحد. أنا لم أقل إن السنة كانوا يظلمون الشيعة، وإنما هذا توصيف للحالة.

* هل هناك أمل في أن يتحول حزبكم «الدعوة» إلى حزب وطني ينفتح على بقية المكونات ولا ينغلق على الشيعة فقط، أنا أسألكم باعتباركم الشخص الثاني في الحزب؟

- هذا ما تمت مناقشته في مؤتمرنا العام الذي انعقد قبل أيام، نحن عندنا نمطية من التفكير، هناك كادر في حزب الدعوة إسلامي يفكر في التنظير الإسلامي، وهناك واقع عراقي يفرض على حزب الدعوة أن يتحول إلى كتلة سياسية ممثلة في البرلمان، تؤمن بالوطنية وانسجام المواطنين، أما توزيعهم إلى فئات متكتلة؛ هذا سني وهذا شيعي وذاك كردي، فهذا خطأ كبير، لذلك لا يمكن إيجاد حكومة أغلبية سياسية إذا انغلقت هذه الأحزاب على مكوناتها، ويصبح هذا شعارا نظريا لا يمكن تحقيقه أبدا، وهذا ما حاصل الآن، نرى الآن «التحالف الوطني» سمته شيعية، و«العراقية» سمته سنية، و«التحالف الكردستاني» سمته كردية، إذا بقيت هذه السمات فالعراق سيكون موزعا ومنقسما، رغم أن العراقيين كلهم يستنكرون التقسيم، لكن هذا التقسيم قائم سياسيا واجتماعيا ونفسيا وهذا هو الخطأ الكبير، متى سنصل لعملية تطبيق المساحة المشتركة بين جميع العراقيين، ليشعر كل عراقي بأنه مواطن في دولة واحدة ولا يوجد فرق بين منطقة كردستان والبصرة، وليس هناك من يعيش على حساب الثاني أو تزيد ميزانيته على حساب الآخر، والدستور يؤكد ذلك.