حكومة العريض تسعى لاستعادة الأمن على الحدود التونسية

وزير الفلاحة لـ «الشرق الأوسط» : التهريب أخل بمعادلة العرض والطلب والأمن الاقتصادي له أهميته

علي العريض
TT

طرحت حكومة علي العريض ضمن برنامج عملها خلال المدة التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تحدي إعادة الأمن والاستقرار على الحدود التونسية الجزائرية والحدود التونسية الليبية. وتعمل على مواجهة مجموعات تهريب الأسلحة والبضائع على الحدود التونسية التي تربطها بدولتي الجزائر وليبيا. ويتداخل في تونس الملف الأمني مع الملف الاجتماعي والاقتصادي، فمحاربة تهريب البضائع تمس عائلات بأكملها تعيش على عمليات محدودة لجلب البضائع والحصول على أرباحها بعيدا عن مراقبة السلطات، وسيحيل غلق أبواب تلك التجارة غير القانونية الكثير من العائلات على البطالة والخصاصة. وتختلط عمليات تهريب البضائع والمتاجرة فيها مع تجارة الأسلحة بعد انهيار سلطة الدولة في ليبيا وتونس على وجه الخصوص.

وبشأن الارتباط بين الأمن السياسي والأمن الاجتماعي والاقتصادي، صرح محمد بن سالم وزير الفلاحة والقيادي في حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» بأن الحكومة قد وضعت ضمن أولوياتها مقاومة غلاء الأسعار وارتفاع تكلفة معيشة التونسيين. واعتبر أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه دون الحد من ظاهرة تهريب البضائع المختلفة. وأكد بن سالم أن التهريب هدد بصورة مباشرة معادلة العرض والطلب التي تحكم السوق وضرب على ذلك مثالا قطاع الحليب في تونس وصرح أن الإنتاج قد تطور مقارنة مع السنة الماضية بنحو 41 مليون لتر وكانت وزارة الفلاحة تعتزم تصدير 12 مليون لتر ولكن عمليات التهريب أخلت بالعرض والطلب واضطرت الحكومة لاستيراد 5 ملايين لتر من الحليب.

وصرح بن سالم لـ«الشرق الأوسط» بأن الحكومة ستعتمد استراتيجية متكاملة للحد من عمليات التهريب وقد تمت تجربة ذلك قبل حلول شهر رمضان السنة الماضية وكانت نتائجها جيدة على حياة التونسيين. وأرجع بن سالم جزءا من ارتفاع أسعار المنتوجات الغذائية بالأساس إلى مسالك توزيع تلك المنتوجات وقال إن المنتجين الزراعيين يشتكون من تشعب المسالك التي ترفع الأسعار مرات متتالية.

وأعطى بن سالم مثالا على ذلك بأن «الكيلوغرام من المشمش الذي يبيعه الفلاح بسعر لا يزيد عن 800 مليم تونسي (نحو نصف دولار أميركي)، أسعاره تتضاعف أربع مرات ليباع للتونسيين بسعر لا يقل عن 3200 مليم (أكثر من دولارين أميركيين)»، وقال «إن هذه الآفة لا يمكن القضاء عليها إلا باستتباب الأمن وضمان الاستقرار داخل تونس حتى تتم عملية نقل المنتوجات في ظروف جيدة وآمنة».

ويبقى التحدي الأمني بدوره مطروحا بقوة بعد اتهام تونس بالتحول إلى ممر لتهريب الأسلحة المختلفة. وتغذت هذه الفكرة بعد اكتشاف مخابئ لأسلحة متطورة للغاية في مدن كثيرة سواء بالجنوب التونسي المحاذي للحدود التونسية الليبية أو كذلك في بعض الأحياء المتاخمة للعاصمة التونسية. وصرح علي العريض رئيس الحكومة التي قامت على أنقاض حكومة حمادي الجبالي المستقيلة بأن حكومته ستعمل على استرجاع هيبة الدولة والسيطرة على حدودها مع الجارتين الشرقية والغربية بالتوازي مع فتح ملفات التنمية في الجهات الفقيرة وتشغيل مئات الآلاف من العاطلين. وصرح أعضاء من حكومة العريض بأن الأمن والاستقرار لا يشمل البعد الأمني فحسب بل من الضروري تناول مسألة الأمن الشامل بما في ذلك الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي.

وتتعقب قوات الأمن على الحدود التونسية مع الجزائر وليبيا، عصابات التهريب سواء للأسلحة أو البضائع وتراقب عودة «المجاهدين» من أفغانستان عبر مالي وتشاد. وهي تفتح حاليا جبهة عسكرية طويلة على حدودها الغربية في مناطق القصرين والكاف وقفصة إلى جانب سيدي بوزيد وسليانة وصولا إلى تونس العاصمة، وتسعى لتصفية بقايا معسكرات جهادية رافقت الفترة الأولى من الثورة. وتشير تقارير أمنية محلية إلى أن «الوجوه الجهادية» كان بالإمكان عودتها إلى تونس عبر النقاط الحدودية القانونية، إلا أنها خيرت العودة مختفية عبر الجبال والتضاريس الطبيعية الصعبة لأنها على حد تقدير بعض الخبراء «قد رجعت مدججة بالأسلحة المختلفة».

وفي هذا الإطار قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي، إن ضبط الأمن على الحدود يتطلب إمكانات مادية وعسكرية مرتفعة خاصة في المناطق ذات التضاريس الطبيعية الصعبة. واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ضمان الأمن والاستقرار مسألة متناهية الأهمية باعتبار انعكاسها على مختلف قطاعات الإنتاج سواء الصناعي أو الفلاحي وكذلك الموسم السياحي. وقال إن الإعلان المتكرر عن مخابئ للأسلحة في ضواحي العاصمة التونسية يؤكد صعوبة التحكم في تدفق مختلف البضائع على الحدود بما في ذلك المتاجرة في الأسلحة. وكانت الحكومة التونسية قد استغلت إطلاق عملية ملاحقة كمال القضقاضي المتهم باغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري التونسي، لتضيق الخناق على كل الأطراف الخارجة عن القانون. وأكدت تقارير أمنية أن القضقاضي انطلق من منطقة غار الدماء الحدودية في اتجاه الجبال الفاصلة بين تونس والجزائر، وهذا الأمر مكن السلطات التونسية من توجيه جهودها نحو استكشاف كافة المناطق الحدودية وتطهيرها من بقايا المجموعات الجهادية وعصابات التهريب.