كوريا الجنوبية تعد لتدريبات مع واشنطن لمواجهة «استفزازات» جارتها الشمالية

بيونغ يانغ تجدد تمسكها بالأسلحة النووية

جنود يحرسون حدود كوريا الجنوبية في قرية بانمونجوم أمس (أ.ب)
TT

أعلنت البحرية الكورية الجنوبية أمس أنها ستجري تدريبات مشتركة متعددة مع قوات البحرية الأميركية هذا الشهر، بالإضافة إلى التنسيق مع مشاة البحرية الأميركية لمواجهة «استفزازات» جارتها الشمالية. وقالت البحرية الكورية الجنوبية إنها تعتزم إجراء أربعة تدريبات مع القوات الأميركية في أبريل (نيسان) الحالي لتحسين قدرات قواتها في تنفيذ عمليات الإنزال والعمليات التكتيكية والمناورة للوحدات الميكانيكية، وذلك في ظل توتر الأوضاع مع جارتها الشمالية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية «يونهاب».

وقال مسؤولون كوريون جنوبيون أيضا، إن مشاة البحرية الأميركية المتدربين في البلاد سوف يتم استدعاؤهم للمشاركة في المناقشات التكتيكية في خط المواجهة للوحدات الكورية الجنوبية للتحضير لـ«استفزازات كورية شمالية محتملة».

وكانت كوريا الشمالية أعلنت أول من أمس أنها في حالة حرب مع كوريا الجنوبية، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية.

وقالت بيونغ يانغ إنه ستتم معالجة جميع القضايا بين الكوريتين بطريقة الحرب. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن الجيش ينتظر المزيد من الأوامر من الزعيم كيم جونغ أون.

وكان كيم قد أصدر يوم الجمعة الماضي أوامره لإعداد الصواريخ الاستراتيجية للهجوم على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

ورأى محللون تحدثوا لوكالة الصحافة الفرنسية أن التهديدات القوية التي أطلقتها كوريا الشمالية أدت إلى ردود فعل قولا وفعلا قاسية من قبل الولايات المتحدة في مزايدة يمكن أن تحول التوتر في شبه الجزيرة إلى لعبة خطيرة.

فعبر إعلانها الطلعات التدريبية لقاذفاتها من طراز «بي 52» في الأجواء الكورية الجنوبية، يبدو أن واشنطن تمكنت من استفزاز كوريا الشمالية التي سبق أن تبنت خطابا عدائيا متوعدا.

وقال بول كارول من مركز «بلافشيرز فاند الأميركي للدراسات والأبحاث»: «يبدو أن الرد الأميركي ينطوي هذه المرة على عبارة: (فلنظهر أننا نستعد للمعركة)».

ومنذ عقود، تشهد شبه الجزيرة الكورية توترا متصاعدا يدور دائما في الفلك نفسه: تهديدات ترتفع وتيرتها من جانب بيونغ يانغ، ثم احتواء وعودة إلى الهدوء. ولكن في الأزمة الراهنة التي ردت فيها بيونغ يانغ بقوة على رزمة عقوبات جديدة فرضتها الأمم المتحدة وعلى مناورات سنوية مشتركة أميركية - كورية جنوبية، فإن السياق يختلف وكذلك اللاعبون.

فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، نجحت بيونغ يانغ في إطلاق صاروخ في الفضاء اعتبرته واشنطن وحلفاؤها بمثابة صاروخ باليستي، فضلا عن قيامها باختبار نووي ثالث. هذان الإنجازان دفعا الشمال إلى ممارسة لعبة حافة الهاوية مجددا، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة بدورها إلى عدم السكوت. وعلق بول كارول بأن «إطلاق النار الكلامي شيء وإطلاق صواريخ والقيام بتجارب نووية شيء آخر».

فضلا عن ذلك، فإن القيادة في كل من الكوريتين يتولاها رئيسان جديدان يفتقران إلى الخبرة: كيم جونغ أون في الشمال خلفا لوالده، وبارك غون هيه في سيول.

واعتبر بروس كلينغنر من مؤسسة «هيريتج» في واشنطن أن خطر القيام «بحسابات خاطئة» يزداد لدى الزعيم الشاب كيم جونغ أون الذي لم يكمل الثلاثين من عمره. وأضاف أن نجاح إطلاق الصاروخ والتجربة النووية لم يكن العامل الوحيد الذي شجع كيم، بل «كون سيول وواشنطن لم تردا بحزم على الهجمات الدامية السابقة». لكن سيول أكدت هذه المرة أنها سترد. وأظهر تحليق الطائرات الأميركية في أجوائها لجارتها الشمالية أنها يمكن أن تعول على دعم واشنطن.

ورأى بيتر هايز من معهد «نوتيلوس» للدراسات المتخصص في آسيا أن قاذفات «بي 52» يمكنها أن تذكر الشمال بماض أليم.

ففي عام 1976، وبعد مقتل جنديين أميركيين في مناوشات على الحدود بين الكوريتين، أرسلت الولايات المتحدة قاذفات «بي 52» فوق شبه الجزيرة وسرعان ما عادت أدراجها قبل أن تدخل المجال الجوي الكوري الشمالي. وأعلن وزير الخارجية الأميركي يومها هنري كيسنجر أنه «لم يسبق أن شاهد الكوريين الشماليين خائفين إلى هذا الحد».

ولاحظ الخبير أن تكرار هذا العمل لن يكون حكيما لأنه سيوقظ الخوف المتجذر في نفوس الكوريين الشماليين من ضربة نووية أميركية.

وأضاف أن نشر «بي 52» القادرة على حمل قنابل نووية «يظهر أيضا أن (الشمال) بلغ الخط الأحمر بصفتها دولة تملك السلاح النووي، مما قد يتسبب في رد (أميركي) يستند إلى القوة النووية».

ولا تزال سيناريوهات عدة ممكنة حتى الآن، غير أن الخبراء يستبعدون تهدئة مفاجئة للتوتر أو حربا برية تقليدية سيهزم فيها الشمال حتما.

ولكن بعد توعده سيول والولايات المتحدة بـ«حرب نووية حرارية»، يبدو أن كيم جونغ أون بات في مأزق وعليه أن يتحرك قبل أن يخسر كل صدقيته وفق الخبراء. ومن الاحتمالات الواردة إطلاق صاروخ قبالة اليابان في إطار سيناريو استفزازي.

وفي اجتماع رفيع المستوى، جددت قيادة كوريا الشمالية التزامها بأسلحتها النووية. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» بيانا من «اللجنة المركزية لحزب العمال» الحاكم جاء فيه أن الأسلحة النووية هي «حياة الوطن»، وأن بيونغ يانغ لن تتخلى عنها حتى مقابل «مليارات الدولارات». وبحضور رئيس كوريا الشمالية الشاب، أكدت اللجنة أن الأسلحة النووية ليست «من أجل الحصول على دولارات أميركية»، بل هي جزء مهم من حياة الوطن. وجاء هذا البيان ليؤكد مجددا على التزام كوريا الشمالية بالأسلحة النووية رغم العقوبات الخانقة ضدها.