محاكمة صومالي تجسد سعي واشنطن لملاحقة المشتبه بتورطهم في أنشطة إرهابية

إدانة 67 إرهابيا اعتقلوا خارج الأراضي الأميركية منذ هجمات سبتمبر

TT

كان الصومالي أحمد عبد القادر وارسام يتحدث باستفاضة إلى فريق من المحققين أثناء وجوده على متن السفينة البرمائية «يو إس إس بوكسر»، الموجودة في المحيط الهندي، في حين كان كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي أوباما، في قاعات الاجتماعات المغلقة، في حيرة من أمر تجاه ما يمكن إجراؤه ضده.

ويرى بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية أنه يجب محاكمة وارسام - الذي يعمل منسقا رئيسا بين فروع تنظيم القاعدة – أمام محكمة فيدرالية. وفي الحقيقة، هناك حاجة إلى «فريق نزيه» من العملاء الفيدراليين لتحقيق هذه الرغبة وإبلاغ هذا الصومالي بحقوقه، ولكن قد يؤثر هذا الأمر على رغبته في الاستمرار في الكشف عن الكثير من الأمور. كان هذا مأزقا حادا، نظرا لأن وارسام لديه معلومات استخباراتية حول أنور العولقي، وهو مواطن أميركي وأحد أكبر قادة تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية.

وتحدث مسؤول سابق في الإدارة الأميركية شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلا: «كان هناك حالة من الجدل نظرا لأن بعض مسؤولي الاستخبارات كانوا لا يرغبون في إيقاف الاستجواب، في حين أبدى آخرون انزعاجهم لإدراكهم أنه كلما استمر اعتقال هذا المشتبه به لفترة أطول دون إبلاغه بحقوقه القانونية، ازداد الوضع سوءا» حال أراد المدعون محاكمته أمام محكمة فيدرالية.

وهنا أقدم مستشارو الرئيس للأمن القومي على إجراء مكالمة تليفونية، بعد شهرين من الاستجواب، في أواخر يونيو (حزيران) 2011. وسرعان ما أبلغ فريق العملاء الفيدراليون وارسام بحقوقه القانونية حسبما ينص «قانون ميراندا»، وأنه من حقه التزام الصمت والاستعانة بمحامٍ. وأضاف المسؤول السابق: «كان هناك حالة من التقاط الأنفاس نوعا ما». ولكن وارسام تنازل عن حقوقه القانونية واستمر في حديثه.

قد تحافظ إدارة أوباما في تلك القضية على قدرتها على استخدام المحاكم الفيدرالية لمحاكمة إرهابيين خطيرين تم اعتقالهم خارج البلاد.

وقد اعتقل وارسام في أبريل (نيسان) 2011. وفي نفس الشهر انسحب النائب العام إيريك هولدر من محاكمة جنائية مدنية لخالد شيخ محمد في نيويورك، الذي يزعم أنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وأعاد هولدر القضية برمتها إلى اللجنة العسكرية في خليج غوانتانامو، كما أصر الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس الأميركي على إعادة جميع الإرهابيين الذين تم اعتقالهم في الخارج إلى مركز الاحتجاز العسكري في كوبا.

ويرى مسؤولون قانونيون رفيعو المستوى داخل الإدارة الأميركية أنه يمكن استجواب وارسام للتوصل إلى معلومات استخباراتية عملية في الوقت الذي يتم الإعداد حاليا لمحاكمته أمام محكمة فيدرالية في نيويورك. وهنا يتضح أن الإدارة تهدف من وراء هذا الإجراء إلى عدم إلحاقه بالمعتقلين الآخرين في غوانتانامو. في الواقع، تجسد هذه القضية سعي واشنطن لمحاكمة المشتبه بتورطهم في أنشطة إرهابية أمام محاكم فيدرالية.

في البداية، كان يتم اعتقال الإرهابيين بموجب قوانين الحرب واستجوابهم بواسطة فريق مشترك من المحققين بالوكالات الأمنية المختلفة، بما في ذلك محققون عسكريون واستخباراتون وآخرون مكلفون بإنفاذ القانون، دون إبلاغهم بحقوقهم القانونية، قبل أن يتم وضع حد للاستجواب بهذه الطريقة. بسبب وجود «تحول كلي لكل تلك الأساليب» – حسب تعبير المدعين العامين – من قبل فريق من العملاء الفيدراليين الناشطين المعنيين بإعلام المعتقل بحقه في الاستعانة بمحامٍ. وبعد مضي فترة وجيزة يتم وضع المشتبه به على متن طائرة ونقله جوا إلى المنطقة الفيدرالية، التي غالبا ما تكون نيويورك، لإجراء المحاكمة.

وتفيد وزارة العدل الأميركية أن المدعين الفيدراليين أكدوا إدانة 67 إرهابيا تم اعتقالهم خارج البلاد منذ هجمات 11 سبتمبر. يعد هذا الرقم مهما كونه يمد السلطات المعنية بكثير من المعلومات، ولكن في نفس الفترة لم يكن هناك سوى سبع إدانات صادرة من اللجان العسكرية في خليج غوانتانامو مع العلم أنه تم إلغاء إدانتين منهم أثناء الاستئناف.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللجان العسكرية، على عكس المحاكم الفيدرالية، لديها شكوك جدية حول جدوى اثنتين من التهم الأكثر شيوعا والتي توجه دائما ضد الإرهابيين - الضلوع في الدعم المادي والتآمر – بينما لا يمكن وصف التهم المتعلقة بالحالات المشتبه بها حسبما ينص قانون الحرب على أنها عمل من أعمال العنف.

وكشف المدعون الفيدراليون النقاب خلال هذا الشهر عن وثائق قانونية تبين أن وارسام، الذي اعترف بأنه مذنب لارتكابه تسع تهم متعلقة بالإرهاب خلال ديسمبر (كانون الأول) 2011، لا يزال يتعاون مع السلطات الأميركية. وبالتالي هناك توقع يشير إلى أنه من المؤكد أن تقدم الحكومة التماسا إلى القاضي لمعاقبته بحكم أخف من السجن مدى الحياة. ومن الممكن أن يحدث هذا الأمر قبل إصدار أي أحكام، وقد يستخدمه الادعاء العام كشاهد في محاكمات أخرى.

وقالت بريا تشودري، وهي محامية وارسام، إنها لا تستطيع التعليق على مسألة تعاونه، مؤكدة أنها «تعمل بجد لضمان سلامة أسرته»، وأن الحكومة الأميركية تقدم المساعدة في هذا الصدد.

وفي أعقاب اعتقال وارسام تم اتباع نفس النهج مع قضايا بارزة أخرى، بما في ذلك صهر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، سليمان أبو غيث، الذي اعتقل في الأردن الشهر الماضي، وتحدث طويلا مع محققين أميركيين. وقام حلفاء أوروبيون أيضا بتسليم مشتبه بهم إلى الولايات المتحدة شريطة أن يتم محاكمتهم أمام محاكم فيدرالية، بما في ذلك أبو حمزة المصري الذي قامت بريطانيا بتسليمه للولايات المتحدة عام 2012، وعضو تنظيم القاعدة إبراهيم سليمان عدنان آدم هارون، الذي تم اعتقاله سرا في نيويورك لعدة أشهر، والذي يبدي قدرا كبيرا من التعاون مع المحققين الأميركيين حتى قبل تسليمه من إيطاليا في أكتوبر (تشرين الأول).

وقالت كارين غرينبرغ، وهي مديرة مركز الأمن القومي بكلية الحقوق في فوردهام: «بدلا من الحديث كثيرا عن ذلك، قامت الإدارة بتحويل هذه القضايا إلى النظام القانوني المدني، مع التركيز على الحصول على المعلومات بالطرق القانونية».

ويواصل الجمهوريون في الكونغرس اعتراضهم على مثل هذه المحاكمات الجنائية، حيث أصدر كل من السناتور الجمهوري جون ماكين (عن ولاية أريزونا) والسيناتور ليندسي غراهام (عن ولاية ساوث كارولينا) والسيناتور كيلي أيوت (عن ولاية نيو هامشير) بيانا مشتركا عقب ظهور أبو غيث في المحكمة يقولون فيه: «تخاطر الإدارة بعدم استغلال فرص هامة لجمع معلومات استخباراتية من شأنها أن تمنع وقوع هجمات في المستقبل وتنقذ أرواحا من الموت. لا ينبغي أبدا أن يتم التعامل مع عضو أجنبي في تنظيم القاعدة مثله مثل أي مجرم عادي، ولا ينبغي أبدا أن يسمع عبارة (لديك الحق في التزام الصمت)».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»