حكومة أردنية «رشيقة» من التكنوقراط قصيرة العمر كسابقاتها

شكلت بعد مشاورات طويلة في ظل استحقاقات سياسية واقتصادية كبيرة

TT

بعد مشاورات طويلة للرئيس المكلف بتشكيلها، مع الكتل النيابية، خرجت حكومة الدكتور عبد الله النسور، الأردنية الجديدة، بتشكيلة وصفت بـ«الرشيقة»، كونها تضم 18 وزيرا فقط، وهذا ما لم يعهده الأردنيون في حكوماتهم السابقة منذ عام 1976، وقت حكومة مضر بدران، في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن هذه الحكومة كسابقاتها لن تعمر طويلا، في ظل الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، كما هو حال مجلس النواب أيضا. فكلاهما لم يلامس تطلعات المواطن. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء وعن سبق تفكير وتخطيط ترك بعض الوزارات شاغرة كطعم، في محاولة ذكية منه للحصول على ثقة النواب الذين يطمعون في التوزير، فإن هذا لن يغير من الواقع في شيء. فقريبا سيطرح الرئيس برنامج وزارته، وستكون كسابقاتها، مبنية على خطاب العرش.

وقال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، حمزة منصور، إن «الحزب يرى أن تشكيل حكومة النسور الثانية جاء كما كان متوقعا، تقليدية تماما، على الرغم من الاجتماعات المتواصلة التي استغرقت قرابة الشهرين، التي أجراها رئيس الديوان الملكي والرئيس المكلف، ورغم الضجيج الإعلامي حول الحكومة البرلمانية التي لم نلمس لها أثرا».

وأضاف منصور في تصريح صحافي أمس: «إن كان ثمة شيء يسجل لهذا التشكيل فهو تقليص عدد الوزراء، مما يمكنه من أن تسهم في تخفيض النفقات، مع الشك في إمكانية قيام الوزراء الذين حملوا حقيبتين أو أكثر بواجباتهم، وعدم إغفال الرسائل التي بعث بها الرئيس المكلف، بإمكانية إجراء تعديل وزاري يفتح الباب أمام توزير بعض النواب، في محاولة منه لاسترضاء بعض الكتل طمعا في نيل ثقتها».

وأكد منصور على أن أي حكومة يتم تشكيلها في غياب المعايير الديمقراطية، التي تقضي بتكليف كتلة الأغلبية النيابية التي خاضت الانتخابات على برنامج وطني شامل، ونالت الثقة على أساسه، تظل تفتقر إلى الشرعية الشعبية وإلى القدرة على الإنجاز، الأمر الذي يفرض على صاحب القرار الاستجابة للمطالب الشعبية بتحقيق إصلاح حقيقي، يرد فيه السلطة للشعب، من خلال تعديلات دستورية وقانونية مقنعة.

من جانبه، استهجن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، زكي بني رشيد، الطريقة التي تعامل بها الرئيس النسور مع النواب، وإعطاءهم وعودا مستقبلية بالتوزير، على طريق تشكيل الحكومة البرلمانية الحقيقية.

وقال بني رشيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه يوجد في مجلس النواب 150 نائبا، «ألا يوجد نائب كفؤ يستحق أن يكون وزيرا؟»، معتبرا أن ما جرى يعد إهانة لمجلس النواب، قائلا: «ليس لديه الكفاءة والخبرة.. سننتظر مجلس النواب كيف سيرد على هذه الإهانة»، فإما أنهم لا يملكون الخبرة فعلا، ولا يصلحون لتمثيل الشارع الأردني، وإما أن يكون لديهم كفاءات ويأخذوا بكرامتهم ويحجبوا الثقة عن الحكومة.

وأضاف بني رشيد: «في الحالتين ستكون هناك ضربة لأحد طرفي السلطتين، الحكومة إذا كان رئيسها (متعاليا متغطرسا) والنواب الذين بحاجة إلى رد اعتبار لأنفسهم ومؤسستهم من خلال حجب الثقة، أو إن كلام النسور صحيحا وليس لديهم كفاءات أو خبرة، وبالتالي يجب حل مجلس النواب أو حل الحكومة».

وحول مشاورات النسور للنواب، أجاب بني رشيد: «ربما أعضاء مجلس النواب الآن يتحدثون أن الرئيس (شاورهم وخالفهم)». وقال: «لا ندري هل سيكون النواب بحجم التحدي ويسقطون هذه الحكومة»، مع أنه رجح نيل الرئيس الثقة، معتبرا مشاورات النسور رفع عتب وليست التزاما. وختم قائلا: «المجلس الحالي لا يستطيع أن يشكل حكومة أغلبية برلمانية، لأنه أتى بقانون الصوت الواحد، ولا يوجد به أحزاب ذات برامج، بالتالي المشهد السياسي الأردني ليس مرشحا لحدوث انفراجة، خصوصا بعد تشكيل الحكومة.

من جانبها قالت الناطقة باسم كتلة وطن النيابية، النائبة خلود الخطاطبة: «إننا في الكتلة ضد توزير النواب، ونحن بانتظار برنامج عمل الحكومة التي ستقدمه لمجلس النواب، خلال الأسبوع المقبل، وفي ضوئه يكون لنا موقف من الحكومة، إما بإعطاء الثقة وإما حجبها».

وقال الكاتب السياسي، فهد الخيطان، إن «أسابيع من المشاورات النيابية على تشكيلة الحكومة العتيدة انتهت إلى لا شيء.. بحكومة تقليدية». وأضاف الخيطان، يبدو أن الدولة أدركت بعد كل هذا الوقت أن البرلمان الجديد غير مؤهل لإفراز حكومة برلمانية تتصدر برنامج الإصلاحات السياسي. فعاد الرئيس النسور إلى الآلية القديمة في تشكيل الحكومات، ورمى خلف ظهره ترشيحات الكتل النيابية، واعتكف يومين لتشكيل حكومة مصغرة، وزعت فيهما الحقائب الوزارية بالجملة. وتساءل: «ماذا تغير؟ وأين هي الحكومة البرلمانية المستقرة لأربع سنوات؟ ولماذا أهدرنا كل هذا الوقت إذا كانت الحكومة ستشكل بنفس الطريقة السابقة؟»، ورأى الخيطان: «إننا فشلنا في إخراج حكومة برلمانية، ولمداراة الفشل لجأ الرئيس المكلف إلى حيلة الحكومة المصغرة، وهي في الواقع حكومة انتقالية خامسة لن تعمر أكثر من شهور معدودة، أي أننا سنبقى في حال من التخبط لأشهر إضافية.

وقال خيطان: «لا شك في أن نجاح النسور في اجتذاب عناصر تكنوقراط نظيفة ومسيسة إلى حكومته يبعث برسالة تطمين للحراك السياسي في البلاد، إلا أن الحقيقة المرة في أن مسار الإصلاح الذي بدأ قبل عامين يجاهد للبقاء على قيد الحياة، لدرجة اضطر معها أصحاب القرار إلى العودة إلى الحالة الانتقالية من جديد، مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة».

من جانبه قال المحلل الاقتصادي، خالد الزبيدي، إن مرحلة جديدة من الإصلاح ومواجهة استحقاقات قد بدأت، في ظل ظروف شديدة الصعوبة ماليا واقتصاديا وسياسيا.

وأضاف الزبيدي لـ«الشرق الأوسط»، أن الملف الاقتصادي سيقفز إلى الواجهة، بدءا بمواجهة العجز المالي والديون المرتفعة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتلبية متطلبات النمو المستهدف، بعد أن تراجعت مؤشرات الاقتصاد الكلي خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في ضوء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وانعكاسات الربيع العربي الذي ترك تأثيرات قاسية على اقتصادات دول المنطقة، والاقتصاد الأردني الذي يعاني اختلالات وعجزا مزمنا منذ عقود وسنوات.

يمكن القول إن الحكومة مزجت بين الخبراء وجيل الشباب في عدد من الحقائب الرئيسة، وتضم نخبة من التكنوقراط، ويتمتع الفريق الاقتصادي بمكامن قوة يمكن أن تساهم في تجاوز عثرات وتباطؤ يعاني منه الاقتصاد الأردني، وحل عدد من المعضلات التي أثرت سلبيا على بيئة الاستثمار، التي حدت من قدرة البلاد على استقطاب المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية. وأشار إلى أن وزراء المالية والتخطيط والسياحة والمياه والصناعة والتجارة، لديهم خبرات جيدة وانسجام يمكن الحكومة من العمل بفريق واحد لمعالجة الاختلالات، بما يحرك المياه الاقتصادية الراكدة، وسيكون هذا هو الاختبار الأول أمام حكومة النسور الجديدة.