رئيس الأركان الإسرائيلي أراد ضربة استباقية.. فمنعه ديان

بروتوكولات جديدة لحرب أكتوبر 1973 تكشف: العزار «صدق هذه المرة ما نقله مروان»

TT

سمحت قيادة الجيش الإسرائيلي بنشر بروتوكولات سرية جديدة لحرب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، مما يدل على أن رئيس الأركان في حينه، ديفيد العزار، كان قد اقتنع بالمعلومات التي زعم أن أشرف مروان مستشار الرئيس المصري الراحل أنور السادات، زود إسرائيل بها، وفيها يؤكد أن هجوما مشتركا من سوريا ومصر سينفذ في المساء. فطلب العزار دعوة كل جيش الاحتياط الإسرائيلي وتوجيه ضربة استباقية إلى مصر. لكن وزير الدفاع يومها، موشيه ديان، رفض الاقتراح، وقال إن الولايات المتحدة لن توافق على حرب كهذه. ولذلك جرت دعوة تجنيد جزئي للاحتياط، وتمكنت مصر وسوريا من توجيه الضربة الأولى المفاجئة، التي غيرت وجه الشرق الأوسط في ذلك الوقت.

والبروتوكولات الجديدة تتناول ما جرى صبيحة يوم السبت السادس من شهر أكتوبر 1973، أي يوم نشوب الحرب نفسه. فقد كانت إسرائيل تلقت معلومة من أشرف مروان تقول إن سوريا ومصر تخططان لحرب مشتركة لتحرير الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وحدد موعدا لها الساعة السادسة مساء من ذلك اليوم، وهو الذي يعرف بـ«يوم الغفران»، الذي يصوم فيه اليهود ولا يقدمون على أية حركة. واعتبر اختيار هذا اليوم بالذات، خطوة حكيمة؛ إذ إن العرب يستغلون فيه شلل الحياة في إسرائيل ويداهمونها بهجوم سيربكها.

وأشرف مروان شخصية مصرية معروفة؛ إذ كان زوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومستشار الرئيس الراحل السادات. وتزعم إسرائيل أنه عرض خدماته على الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي)، وفقا للمصادر الإسرائيلية. واختلف الإسرائيليون في تقييمه طويلا؛ قسم رأى فيه كنزا؛ حيث إنه كان يحظى بمكانة عالية لدى القيادة المصرية. وقسم رأى فيه عميلا مزدوجا زرعه السادات في إسرائيل ليضللها. وأقيمت عدة لجان تحقيق في إسرائيل لاستبيان هذا الأمر، فخرجت جميعها بالاستنتاج أنه كان «عميلا مخلصا لإسرائيل». بيد أن رئيس الموساد، إيلي زعيرا، ظل حتى آخر لحظة يعتقد بأنه مخلص لمصر وليس لإسرائيل. وقال إن السادات نجح في تنفيذ أكبر عملية تضليل في التاريخ المعاصر بواسطة زرعه. وقال إن البلاغ المهم الذي أوصله إلى إسرائيل بأن الحرب ستنشب في السادسة مساء، مع أنها بدأت حقيقة في الساعة الثانية بعد الظهر، هو أيضا بلاغ تضليلي كان هدفه توجيه ضربة للقوات الإسرائيلية وهي في مرحلة تجميع القوى غير جاهزة للحرب.

لكن البروتوكولات التي تكشف هذه الأيام توضح أن جميع القادة الإسرائيليين تعاملوا مع بلاغ أشرف مروان على أنه صادق. وتركوا عطلتهم حال وصول البلاغ مساء يوم الجمعة 5 أكتوبر وباشروا البحث في ما يمكن عمله. ودعا وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، إلى جلسة عاجلة لقادة الأجهزة الأمنية كلها في الساعة السادسة من صبيحة السبت، 6 أكتوبر. وحضر هو، وفقا لما جاء في هذه البروتوكولات، في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة. وانضم العزار رئيس الأركان في السادسة تماما. وخلال الاجتماع، طلب العزار دعوة كل قوات الاحتياط الإسرائيلية (أربعة ألوية برية وسلاحا الجو والبحرية) وتوجيه ضربة استباقية للقوات المصرية المرابطة على طول قناة السويس وإلى القوات السرية المرابطة في الجولان، بالطريقة نفسها التي استخدمتها إسرائيل في حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) 1967.

لكن ديان رفض الفكرة، قائلا إن توجيه ضربة استباقية لسوريا ومصر أمر مستحيل؛ لأن أميركا لن توافق عليه. ووافق على تجنيد لواءين من جيش الاحتياط، واحد في الجولان والآخر في سيناء، وتجنيد كل وحدات سلاح الجو. وقال إن هذا التجنيد يعني وضع 50 ألف عنصر من جيش الاحتياط في الميدان، وهذا يكفي لصد أي هجمات عربية. وقال إنه مستعد للتوجه إلى رئيسة الحكومة آنذاك، غولدا مائير، لتحسم الأمر.

يذكر أن مائير حسمت الأمر باتجاه الحل الوسط، وأضافت لواء ثالثا من جيش الاحتياط في منطقة الوسط، تجاوبا مع العزار ورفضت شن حرب استباقية، تجاوبا مع ديان.

وكما هو معروف، فإن مصر وسريا هاجمتا إسرائيل على الجبهتين، في الساعة الثانية بعد الظهر. وتمكنت سوريا من تحرير الجولان بكامله، ولكنها تراجعت فيما بعد. وتمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس، وتحرير مقطع ضخم من سيناء، ثم وافقت على وقف إطلاق النار. وأحدثت تلك الحرب انعطافا في توازن القوى بالمنطقة لصالح العرب.