هولاند اليوم في الدار البيضاء وغدا يلقي خطابا أمام المجلسين التشريعيين

باريس: حريصون على علاقات «متوازنة» مع المغرب والجزائر.. ولسنا مع طرف ضد آخر

TT

بينما يصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الدار البيضاء اليوم في زيارة دولة للمغرب تدوم يومين، وهي الأولى من نوعها لإحدى الدول العربية، التأم في باريس أمس مؤتمر اقتصادي فرنسي جزائري بحضور وزير الصناعة والترويج الاستثماري الجزائري شريف رحماني، ووزيرة التجارة الخارجية الفرنسية نيكول بريك، وجان بيار رافاران رئيس الوزراء السابق والمبعوث الخاص للرئيس هولاند للشؤون الاقتصادية الفرنسية الجزائرية، وعشرات من أرباب العمل والمستثمرين من الجانبين، تحت عنوان: «تطوير الشراكات».

ويعكس هذا التزامن، وفق ما تقوله مصادر فرنسية، «إشكالية العلاقة» بين باريس من جهة وكل من الرباط والجزائر من جهة ثانية، حيث إن العلاقات الثنائية هي في الواقع «ثلاثية». وتشير هذه المصادر إلى أن الزيارة الرسمية التي قام بها هولاند إلى الجزائر في 19 و20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي سبقتها زيارة لرئيس الحكومة الفرنسي جان مارك أيرو في الـ14 من الشهر نفسه من أجل «طمأنة» المغاربة بعد سيل من الأخبار والتحليلات التي ذهبت إليها باتجاه تأكيد رغبة باريس في «إعادة التوازن» إلى علاقاتها المغاربية، وخصوصا مع شريكيها الرئيسين، ما فهم على أنه «تقارب مع الجزائر على حساب المغرب». وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس «تستطيع وتريد أن تكون صديقة للطرفين وليس لطرف على حساب آخر». وتضيف هذه المصادر أن فرنسا «لا تجد حرجا في أن لا تكون مقاربة بعض الملفات متطابقة»، في إشارة واضحة إلى تمايز موقفي باريس والجزائر من موضوع الصحراء الغربية واصطفاف فرنسا إلى جانب الطرح المغربي في مجلس الأمن والمحافل الدولية واعتبار «الإدارة الذاتية الموسعة» التي يقترحها المغرب «مقاربة جدية» يمكن أن تشكل حلا للمسألة التي تسمم العلاقات المغاربية منذ سنوات.

وتذهب المصادر الفرنسية إلى القول إن العلاقات مع الجزائر توثقت منذ الحرب في مالي أواسط يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث فتحت الجزائر أجواءها أمام الطائرات الفرنسية الحربية وأغلقت حدودها الجنوبية منعا لهروب مقاتلي الشمال من الكماشة الفرنسية الأفريقية. وجاءت عملية احتجاز الرهائن الأجانب في مصنع عين أميناس لتقرب ين الجانبين وتبين أن كليهما يحارب المنظمات «الإرهابية» نفسها. وكان لافتا أن باريس لم تنتقد مطلقا الطريقة التي تعاطت بها الجزائر مع عملية الاحتجاز، بعكس دول أوروبية وغير أوروبية.

وإذا كانت علاقات باريس مع الجزائر «صعبة ومعقدة أحيانا» بسبب الإرث الاستعماري و«الحساسية المفرطة» للموضوع داخليا وعلى جانبي المتوسط، فإن العلاقات مع الرباط «متميزة واستراتيجية». وذهبت المصادر الفرنسية الرئاسية، في معرض تقديمها للزيارة، إلى وصف المغرب بأنه «الشريك الأقرب» لفرنسا وأن التحدي المطروح على الطرفين هو «المحافظة على هذه العلاقة بالمستوى الذي وصلت إليه».

وتنظر باريس إلى المغرب على أنه «قطب استقرار» على ضفة المتوسط الجنوبية وأنه اختار الطريقة الإصلاحية «الناعمة» التي تمثلت بالإصلاحات الدستورية والتداول الديمقراطي على السلطة بعيدا عما حصل في تونس ومصر وليبيا وما يحصل منذ عامين في سوريا. وأكدت المصادر الرئاسية أن هولاند سيستفيد من مناسبة ألقاء خطاب أمام المجلسين البرلمانيين في الرباط يوم الخميس لعرض تصور وموقف فرنسا مما هو جارٍ في سياق الربيع العربي وأزماته وتتماته وفي موضوع السلام في الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب والمشروع المتوسطي ومالي وبلدان «الساحل»... والأهم أن هولاند سيعيد تأكيد «الثوابت» الفرنسية في التعاطي مع الأنظمة والحركات، ومنها ذات التوجهات الإسلامية التي أفرزها الربيع العربي، لجهة استعداد باريس للتعاون شرط احترام لعبة التداول الديمقراطي والابتعاد عن العنف واحترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات.

ويلتقي هولاند، الذي يرافقه وفد وزاري كبير (تسعة وزراء) وآخر من رجال الإعلام فضلا عن عدد كبير من الصحافيين، العاهل المغربي بعد ظهر اليوم في الدار البيضاء ويدشنان معا معملا لمعالجة المياه الآسنة يقع في مدينة المديونة القريبة من الدار البيضاء، ويقام على شرفه ليلا عشاء رسمي. وغدا يلتقي هولاند رئيس الوزراء عبد الإله بن كيران ورئيسي مجلس النواب كريم غلاب والمستشارين محمد الشيخ بيد الله في الرباط، يعقبه خطابه المنتظر أمام المجلسين. كما يلتقي هولاند رجال الأعمال من البلدين وطلابا من الجامعة الدولية في الرباط فضلا عن ممثلين لمنظمات المجتمع المدني.

وتتمتع باريس بموقع استثنائي في المغرب، حيث إنها شريكه الاقتصادي الأول رغم تفوق إسبانيا عليها العام الماضي لجهة المبيعات، إذ حلت مدريد في الموقع الأول، تليها باريس. وتوجد في المغرب 36 من أصل أكبر 40 شركة فرنسية في بورصة باريس. وبشكل عام، فإن عدد الشركات الفرنسية العاملة في المغرب يصل إلى 750 شركة تشغل ما بين 80 و100 ألف مغربي. والأهم من ذلك أن التشابك الإنساني كثيف جدا بين الطرفين، حيث يعيش ما لا يقل عن 850 ألف مغربي في فرنسا، بينما المغرب هو الوجهة السياحية المفضلة للفرنسيين الذين يحضرون بقوة في المدن المغربية المتميزة مثل مراكش وفاس وغيرهما.