التدهور الأمني يلف لبنان.. وواشنطن تحذر رعاياها من السفر

مصدر دبلوماسي أميركي ينفي معلومات عن تهديدات جديدة

TT

سجل الوضع الأمني في لبنان أمس أعلى درجات انفلاته منذ استقالة حكومة نجيب ميقاتي، بالإعلان عن محاولة اغتيال أبرز القادة الإسلاميين في طرابلس الشيخ سالم الرافعي، بموازاة انتشار أعمال الخطف على خلفيات ثأرية وشخصية في الشمال والبقاع، وإشكالات عائلية في جبل لبنان، فضلا عن التوتر على الحدود اللبنانية - السورية، ما حدا بوزارة الخارجية الأميركية لإصدار تحذير لرعاياها طالبتهم فيه بتجنب السفر إلى لبنان بسبب «هواجس أمنية حالية». وأشارت الخارجية في بيان إلى أن «على المواطنين الأميركيين القاطنين في لبنان والعاملين فيه أن يتفهموا أنهم ببقائهم فيه يقبلون المخاطر الناتجة عن ذلك، وعليهم أخذها بعين الاعتبار». وتابعت الخارجية: «إن هذا التحذير يأتي بعد ذلك الصادر في 17 سبتمبر (أيلول) 2012 الذي ألقى الضوء على المعلومات بشأن الأمن والخطف وتصاعد العنف في لبنان والمنطقة».

ونفى مصدر دبلوماسي أميركي في بيروت وجود معلومات جديدة عن تهديدات جدية للرعايا الأميركيين في لبنان. وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن التحذير الأميركي «روتيني، يتجدد كل ستة أشهر»، لافتا إلى أنه «بحسب النظام الأميركي، فإن الخارجية تجري مراجعة لكل التحذيرات وتصدر مرتين في العام».

وقال المصدر إن «الجديد الذي طرأ على التحذير السابق الذي صدر في 17 سبتمبر، تمثل في ضم أحداث جرت خلال الأشهر الستة الماضية، وهي اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، والاشتباكات على الحدود اللبنانية السورية، لا سيما في منطقة عرسال، والتوتر الأمني في صيدا»، في إشارة إلى الاشتباكات بين أنصار الشيخ أحمد الأسير وحزب الله في صيدا.

ونفى المصدر أن يكون هناك أي تهديد جديد للرعايا الأميركيين من قبل حزب الله بحكم ذكره في تحذير الخارجية، موضحا أن الفقرة المتعلقة بالحزب الذي تصنفه الحكومة الأميركية ضمن قائمة «المنظمات الإرهابية» هو نفسه منذ عامين.

وكانت الخارجية الأميركي قد لفتت إلى أن «الحكومة اللبنانية غير قادرة على تأمين الحماية للمواطنين وزوار لبنان في ما لو وقعت أعمال عنف مفاجئة»، واعتبرت أن «الوصول إلى الحدود اللبنانية، والمطارات، والطرقات، والمرافئ، يمكن أن يقطع من دون سابق إنذار أو بإنذار ضعيف». وأضافت: «المظاهرات تقع بشكل دائم ومن دون إنذار ويحتمل أن تصبح عنيفة، والإشكالات العائلية بين الجوار والطائفية تتصاعد غالبا بسرعة وتؤدي إلى تبادل إطلاق للنار أيضا من دون إنذار، في وقت أن قدرات رجال الحكومة الأميركية في بلوغ من يتنقل وتأمين الخدمات الطارئة لهم محدودة جدا».

في هذا الوقت، أقر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل بحصول «استرخاء على الأرض» بعد استقالة الحكومة اللبنانية، بينما دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى «نبذ أعمال الخطف التي تنفذها عصابات»، معتبرا أنها «ليست من لياقات اللبنانيين».

وخلال استقباله وفدا من وجهاء عشائر بعلبك - الهرمل الذين طالبوا بإطلاق سراح المخطوف من آل جعفر، لفت سليمان إلى أن «المعنيين يعملون بقوة من أجل إطلاق الشاب المخطوف»، مؤكدا أن «القانون يجب أن يسود والعيش الواحد بين الجميع الذي هو مبرر وجود لبنان». كما أدان احتجاز مواطنين في الشمال، وأهاب بالجميع وبالقوى الأمنية التحرك والعمل للإفراج عنهم.

وتنقلت أعمال الخطف أمس من الشمال إلى البقاع، كان أخطرها الخطف على خلفيات ثأرية ذات وجه طائفي في الشمال، حيث أقدم أشخاص من آل الأحمد في وادي خالد لديهم مفقود في سوريا منذ أكثر من عام على اختطاف ثمانية سوريين من الطائفة العلوية عند معبر جسر قمار في منطقة البقيعة - وادي خالد، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام. واعتبر رئيس بلدية الهيشة دحام النايف أن السوريين الموجودين لدى عائلة الأحمد في البلدة «هم ضيوف وليسوا مخطوفين». وقال إن «مسببات ما حصل تعود لاعتقاد عائلة حسين فهد الأحمد أن من بين السوريين الموجودين لديهم تورط أحد أقربائه في اختطاف ابنهم محمد حسين منذ ما يزيد على العام وتسليمه للسلطات السورية».

وأكد النايف أن «المعالجات قائمة، وهناك دور يقع على عاتق الدولة اللبنانية للسعي لدى السلطات السورية للإفراج عن ابن بلدة الهيشة محمد الأحمد، كي يتم إطلاق جميع السوريين المستضافين الآن لدى عائلة الأحمد، وهم بمعظمهم من حي النزهة في مدينة حمص». وسير الجيش دوريات وأقام حواجز ثابتة ومتنقلة، منذ حصول الحادثة في بلدة الهيشة، وفي الكثير من القرى والبلدات المتصلة بها في وادي خالد. وداهم الجيش منزل حسين الأحمد المتهم بخطف السوريين، ومنزل أخيه، واعتقل ابن أخيه.

إلى ذلك، أطلق مجهول رصاصة باتجاه الشيخ الدكتور سالم الرافعي، أحد أبرز القادة الإسلاميين في طرابلس، أثناء خروجه من مسجد «التقوى» في المدينة، لكنه لم يصب بأذى واستقرت الرصاصة في باب المسجد. وبينما ربط الحادث بالاشتباكات التي كانت دائرة بين جبل محسن وباب التبانة الأسبوع الماضي، رفض الرافعي تحميل المسؤولية لجبل محسن الذي تسكنه أغلبية علوية مؤيدة للنظام السوري. وقال: «لا نتهم أحدا بما جرى، ونحن لا نحمل المسؤولية لأحد، خصوصا أهالي جبل محسن».

ورأى الرافعي في مؤتمر صحافي أن «ما جرى يندرج في إطار رسالة موجهة إلى مسجد التقوى بسبب موقفه الداعم للثورة السورية»، مشددا على أنه «إذا كان المقصود من خلال هذه الحادثة حملنا على التراجع عن دعم الثورة السورية فهذا لن يحصل، بل الحادثة زادتنا تصميما». وشدد: «إننا مستعدون لفداء ثورة الشعب السوري بأموالنا ودمائنا وأرواحنا»، مؤكدا أنه «لا يمكن أن نتخلى عن ثورة مظلوم ومضطهد».

وفي وقت لا يزال فيه التوتر مسيطرا على محور عرسال - عشيرة آل جعفر، بعد خطف خمسة من أهالي عرسال الأسبوع الماضي، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بإقدام هادي. ف. من بلدة العقبة قضاء راشيا الوادي على خطف جواد فارس نصر الدين، 17 عاما، من بلدة راشيا، مطالبا بمبلغ من المال كان قد استدانه والد الأخير منه، مؤكدا أنه إذا لم يدفع له المبلغ فسيقدم على عمل «لا تحمد عقباه». وتمكن المخطوف من الفرار من خاطفه، بينما عملت الأجهزة الأمنية على ملاحقة الخاطف.