غضب ومواجهات عنيفة داخل السجون وخارجها بعد وفاة أسير مصاب بالسرطان

اللواء أبو حمدية المحكوم عليه بالمؤبد توفي على سريره مكبل اليدين والقدمين تحت حراسة مشددة

TT

تحولت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى مرجل يغلي بعد وفاة أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية كانت السلطة تسعى إلى إطلاق سراحه بسبب مرض السرطان الذي كان قد أصابه قبل شهور. واتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إسرائيل بالتعنت والتسبب في وفاة اللواء ميسرة أبو حمدية الذي اعتقل قبل 11 عاما وحكم عليه بالسجن المؤبد.

وطالب مسؤولون بتوجه السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية وتدافعت الفصائل في قطاع غزة والجماهير نحو انتفاضة ثالثة، بينما تفجرت مواجهات عنيفة داخل السجون، بين الأسرى الذين أعلنوا عصيانا مدنيا داخل السجون وخارجها، بين متظاهرين غاضبين والجيش الإسرائيلي.

وفجع الفلسطينيون أمس، بإعلان وفاة أبو حمدية الذي كان يخضع للعلاج في مستشفى سوروكا في بئر سبع. وقالت مصلحة السجون إن الأسير كان يخضع للمراقبة والعلاج، وبعدما تبين أنه لم يعد هناك أي أمل في شفائه، شرعت في إجراءات للإفراج عنه، ولكنه توفي قبل استكمالها.

وفورا بدأ أسرى بالتكبير والطرق على الأبواب واشتبكوا بالأيدي مع حراس السجن الذين استخدموا القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى إصابة عدد من الأسرى و5 حراس بجراح. وأعلنت الحركة الأسيرة (كل الفصائل) في السجون الإضراب عن الطعام لمدة 3 أيام، بينما قرر المحامون الامتناع عن الحضور أمام المحاكم الإسرائيلية ليومين.

وفي الضفة الغربية، أغلقت المحال التجارية أبوابها وعلق الدوام في الجامعات والمؤسسات والوزارات، وخرج الفلسطينيون غاضبين في مظاهرات ومسيرات في معظم مدنها تحولت إلى مواجهات كان أعنفها في مدينة الخليل، مسقط رأس أبو حمدية التي أعلنت الحداد 3 أيام. وخرجت الفصائل في قطاع غزة في مسيرات ضخمة وطالبت بانتفاضة ثالثة في الضفة وحذرت من انهيار التهدئة في القطاع.

وحملت الرئاسة الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية مسؤولية وفاة أبو حمدية، وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة: «هذا ما حذرنا منه منذ وقت طويل، إذ إن استمرار اعتقال الأسرى والإهمال الطبي يؤديان لتداعيات خطيرة». ودعا إلى إطلاق سراح جميع الأسرى.

وقال أبو مازن، إن الحكومة الإسرائيلية بتعنتها وغطرستها رفضت التجاوب مع الجهود الفلسطينية لإنقاذ حياة الأسير أبو حمدية. وأضاف في مستهل اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح: «فوجئنا اليوم باستشهاد الأسير أبو حمدية في سجون الاحتلال، وهو يعاني من مرض عضال. حاولنا فيما مضى العمل على إطلاق سراحه لتأمين العلاج للشهيد، ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت التجاوب مع جهودنا وإطلاق سراحه، مما أدى إلى استشهاده رحمه الله». وتابع: «قدمنا احتجاجا للحكومة الإسرائيلية ولكل المؤسسات الدولية وللعالم أجمع على هذا العمل الذي قامت به الحكومة الإسرائيلية وأدى إلى استشهاد الأسير أبو حمدية، ولكن نحن سنستمر في نضالنا من أجل تحرير الوطن والأسرى».

ويلحق أبو حمدية بالأسير عرفات جرادات الذي يعتقد أنه قضى نتيجة التعذيب في فبراير (شباط) الماضي، وهو ما تسبب في شبه انتفاضة آنذاك.

وبوفاة أبو حمدية يرتفع عدد الأسرى الذين قضوا في سجون الاحتلال إلى 207.

وقال وزير شؤون الأسرى، عيسى قراقع، في مؤتمر صحافي في رام الله: «إن إسرائيل ترتكب مجزرة ومذبحة جديدة بحق الأسرى عنوانها الإهمال الطبي. هناك 25 حالة مصابة بالسرطان وقد يكون الرقم أكبر من ذلك».

وقررت السلطة تشريح جثة أبو حمدية في معهد الطب الشرعي في أبو ديس، وذلك بطلب من عائلته. وقال قراقع: «قررنا عدم إجراء تشريح إسرائيلي، نحن لا نثق بهم، وقررنا إجراء تشريح فلسطيني، وبدأنا باتصالات لإحضار أطباء دوليين. نأمل أن ننجح في ذلك».

وكشف قدورة فارس، رئيس نادي الأسير، لحظات أبو حمدية الأخيرة وقال إنه «قضى في الساعة الثامنة صباحا في قسم العناية المكثفة في مستشفى سوروكا الإسرائيلي وهو مكبل اليدين والقدمين، في ظروف في غاية من الهمجية وبوجود سجانين قساة».

ويتحدر أبو حمدية من مدينة الخليل وهو من مواليد عام 1948، وكان قد انخرط في صفوف الثورة عام 1968، واعتقل بتهمة الانتماء لاتحاد طلبة فلسطين عام 1969، وتكرر اعتقاله ما بين 1969 و1975، وتنقل في السنوات 1970 و1975 ما بين الكويت وسوريا ولبنان والأردن، حيث كان يعتقل إداريا كلما كان يعود للضفة، والتحق بمعسكرات فتح التي انتمى إليها أثناء دراسته بالقاهرة عام 1970، في لبنان وسوريا.

خدم في لبنان مقاتلا في كتيبة الجرمق (الكتيبة الطلابية)، وجرى اعتقاله عام 1976، إداريا حتى عام 1978، حيث تم إبعاده من السجن إلى الأردن.

بدأ العمل مع مكتب خليل الوزير (أبو جهاد) في الأردن عام 1979 ومن ثم في مكتب الانتفاضة ابتداء من 1988 وحتى عام 1998، وترفع لرتبة مقدم.

رفضت إسرائيل عودته بعد اتفاق أوسلو في 1993، لكنه عاد في 1998، بعد تدخل من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعمل في التوجيه السياسي برتبة عقيد لفترة قصيرة ثم انتقل للعمل في الأمن الوقائي، وهو ضابط متقاعد برتبة لواء.

اعتقل عام 2002، ووجهت ضده لائحة اتهام، يعود بعضها لعام 1991، وفي 2005 حكم عليه بالسجن 25 عاما، وفي 2007 لم يكتف الادعاء العسكري الإسرائيلي بالحكم فاستأنف ضده ليحكم بالمؤبد 99 عاما.

وفي إسرائيل سارع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى نشر بيان يتنصل فيه من المسؤولية عن وفاة الأسير أبو حمدية، جاء فيه: «توفي هذا الصباح في مستشفى سوروكا في مدينة بئر سبع السجين الأمني الفلسطيني ميسرة أبو حمدية متأثرا بمرض السرطان. وكان يخضع لعلاج طبي على أيدي متخصصين. وقبل أسبوع وبعدما جرى التأكد من أن حالته ميؤوسة توجهت إدارة السجون إلى لجنة الإفراجات بطلب الإفراج المبكر عنه، ولكن هذه العملية لم تكتمل».

وجاء البيان عقب تمرد الأسرى. وحسب مصادر في جمعيات إسرائيلية تتابع قضايا الأسرى، فإن خبر الوفاة عم السجون في ساعة مبكرة، فسادت حالة من الغضب الشديد أوساط الأسرى، فأعلنوا فورا التمرد على تعليمات إدارة السجون، وقرروا الإضراب الشامل اليوم والحداد.

وأفادت المصادر بأن إدارة السجون طالبت الأسرى بوقف الاحتجاج، فلما رفضوا أحضرت قوات القمع الخاصة لديها وأدخلتهم إلى عدد من الأقسام والزنازين.

وعلى سبيل المثال، اقتحمت هذه القوات قبل ظهر أمس، قسمي 10 و11 في سجن «إيشل» في بئر سبع الذي كان الأسير أبو حمدية يمضي فترة أسره فيه قبل نقله إلى العلاج، ونفذت عمليات قمعا بحق الأسرى واعتدت على بعضهم بالهراوات والغاز. وأصيب ثلاثة سجانين وثلاثة أسرى خلال الاشتباكات.