جنبلاط يرجح كفة «14 آذار» لتشكيل حكومة حيادية برئاسة سلام

ترجيحات بموافقة بري على الاسم.. وامتناع حزب الله تضامنا مع عون

رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة يتحدث خلال اجتماع لـ«14 آذار» أمس والى يساره الوزير السابق تمام سلام (رويترز)
TT

وافق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على تسمية النائب تمام سلام رئيسا للحكومة اللبنانية المقبلة التي ستشرف على الانتخابات اللبنانية، ما يعني أن الزعيم الدرزي قد قلب المعادلة السياسية في لبنان مجددا بترجيحه لحلفاء الأمس، قوى «14 آذار»، على حلفائه الحاليين، قوى «8 آذار».

ووفقا لهذه المعادلة الجديدة، تعود المعارضة إلى الحكم بعد غياب دام نحو سنتين، تسلم خلالها مقاليد الوزارة نجيب ميقاتي، المحسوب «سابقا» على قوى «8 آذار» المتحالفة مع سوريا وإيران، والذي استقال إيمانا منه بـ«ضرورة كسر الجمود في الحركة السياسية» وفقا لبيان صادر عنه بالأمس.

ووفقا لما أدلت به مصادر مقربة من جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» فإن الأخير يسير في تسمية سلام باعتباره مرشحا غير استفزازي لأي طرف، مكررا تمسكه بالسلم الأهلي والتفاهم مع كافة المكونات اللبنانية بما فيها حزب الله.

وبانسحاب ميقاتي، وذلك في بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام أمس، وابتعاد جنبلاط عنها، تفقد قوى «8 آذار» من أكثريتها البرلمانية، الأمر الذي سيجعلها أمام خيارين؛ إما المضي في التوافق على سلام أو الانتقال إلى المعارضة.

وفيما رجحت مصادر بارزة في الأكثرية الجديدة أن يسمي رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلته البرلمانية سلام في الاستشارات النيابية التي يبدأها اليوم رئيس الجمهورية، أشارت المصادر نفسها إلى أن 3 خيارات توجد أمام حزب الله الآن: الأول الدخول في عملية التفاهم على سلام، والثاني التصويت مع حليفه النائب ميشال عون لمرشح الأخير وزير المال محمد الصفدي، أما الثالث فهو الاتفاق مع عون على الامتناع عن التسمية وترك الأمور تسير في هذا الاتجاه.

وقالت مصادر برلمانية أخرى إن عملية التكليف قد لا تكون نهاية المطاف، مشيرة إلى أن سلام قد يعجز عن تأليف حكومته إذا ما تعقدت الأمور وتعذر التفاهم على حكومة حيادية.

يشار إلى أن سلام التقى برئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السعودية وتوافقا على المبادئ العامة التي سيسمى على أساسها سلام لتشكيل حكومة حيادية لا يوجد فيها مرشحون للانتخابات النيابية، ليعود بعدها إلى بيروت ويشارك مباشرة في اجتماع لقوى «14 آذار» في منزل الحريري، الكائن في وسط بيروت.

من جانبها، أكدت مصادر «التيار الوطني الحر» أن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لن يسمي النائب تمام سلام أو أي مرشح من تيار «المستقبل» لرئاسة الحكومة العتيدة. فيما قال رئيس حزب الكتائب أمين الجميل إن «الكتائب تعتبر أن حقها قد وصلها إذا ما تم تكليف سلام لرئاسة الحكومة، لأنه ابن بيت عريق ولديه خبرة في الممارسة النيابية لفترة طويلة، كما أنه يتميز بكل الصفات لتحمل هذه المسؤولية. وإذا تمكن سلام من استقطاب الأكثرية في المجلس النيابي، فطبعا سنكون إلى جانبه».

وعن موقف حزب الله الداعي لتبني أي حكومة جديدة تحت شعار «الجيش والشعب والمقاومة» الأمر الذي يرفضه حزب «الكتائب» ويدعو إلى تبني «إعلان بعبدا»، رد الجميل بأنه «من السابق لأوانه أن نصدر الأحكام ولكن لا شك بأن حزب الله، وفق معلوماتنا، غير راض على مسار الأمور، ولن يعطي إطلاقا البركة لتكليف سلام». وأضاف: «يبقى على الأكثرية النيابية أن تقر ما هو لمصلحة البلد. وعلى أثر ذلك، من الضروري أن يتم التواصل مع كل القوى السياسية بما فيها حزب الله للتوافق على مصلحة البلاد قبل أي شيء آخر».

وكان لافتا أمس الزيارتان اللتان قام بهما السفير السعودي في بيروت علي عوض عسيري للبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي وضعهما السفير عسيري في اتصال مع «الشرق الأوسط» في إطار «حرص المملكة وخادم الحرمين على أمن واستقرار لبنان وتفاهم أبنائه».

وقال عسيري بعد لقائه الراعي أمس إن «اهتمام خادم الحرمين الشريفين يصب في خانة استقرار لبنان، والمملكة تقف دائما بجنب لبنان، وفي كل الأزمات. ونحن نسعد في المملكة عندما نرى أن هناك رؤية لبناء حوار بناء يقود إلى مصلحة لبنان واللبنانيين جميعا» متمنيا أن تقف كل القوى السياسية خلف رئيس الجمهورية للجهود التي يسعى من أجلها، في تبني هذا الحوار البناء للوصول إلى حكومة تعبر عن طموحات كل اللبنانيين.

وعما إذا كان هناك أي دور محتمل للمملكة في عملية تشكيل الحكومة، أكد العسيري أنه لم ولن «يكون للمملكة أي تدخل في الشأن الداخلي اللبناني، ومن ثوابت المملكة العربية السعودية عدم التدخل في سياسة أي بلد».

وعن قيام المملكة بأي مبادرة سياسية لإخراج لبنان من الأزمة الحالية، قال: «نحن نعتمد ونثق برؤية اللبنانيين وما نتمناه هو أن يصلوا هم بأنفسهم إلى ما يفيد لبنان، وأن يكون هناك حوار بناء يفيد لبنان. ونحن في مرحلة حساسة ونتواصل مع كافة القوى السياسية من دون استثناء، ونشجعهم على إيجاد حلول تريح لبنان واللبنانيين». وعن إمكانية إبرام اتفاق مماثل لاتفاق الطائف، قال: «الوضع في لبنان لا يحتاج إلى اتفاق مماثل، بل أعتقد أن المطلوب هو تطبيق الطائف، وليس إيجاد حل بديل، واللحمة اللبنانية - اللبنانية تخدم لبنان واللبنانيين».

وأشار عسيري إلى أن «التطورات التي تشهدها المنطقة ومناخات التوتر التي تلفح في كل الاتجاهات تتطلب من الأشقاء اللبنانيين مزيدا من الوعي لدرء الأخطار عن بلدهم وتدعوهم إلى تقديم نموذج يحتذى في الدول الأخرى عن الحوار والتفاهم والوحدة والتماسك وصيانة الحاضر وبناء المستقبل المشرق». وناشد «اللبنانيين جميعا، مسؤولين وسياسيين وحزبيين ومواطنين، وهم أبناء وطن التعايش المتميز والفريد، أن يغلبوا المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح ويبادروا إلى حوار وطني معمق وبناء يعزز تعاضدهم ووحدة صفوفهم». وأضاف: «لقد وقفت المملكة العربية السعودية دائما إلى جانب لبنان واستقراره وساندته في كافة المواقف واحتضنت أبناءه ولا مصلحة لها سوى أن يتبوأ هذا البلد الشقيق مكانته بين أشقائه العرب وفي المجتمع الدولي. ولعل العمل على تشكيل حكومة جديدة يشكل فرصة ومدخلا لتحقيق هذا الهدف عبر التفاف كافة المسؤولين حول رئاسة الجمهورية ومؤسسات الدولة ونبذ أسباب الخلاف وتشكيل لحمة وطنية وسياسية تدعم الجهود التي يقوم بها فخامة الرئيس وكافة دعاة الحوار لأن لبنان بلد يستحق التضحية من أجله والتنازل في سبيل رفعته».

وعن الخشية من حادث أمني، لفت الجميل إلى أن «البلد يمر بمرحلة خطيرة جدا من جراء تداعيات الثورة في سوريا وتأثيرها اقتصاديا وسياسيا على لبنان، بالإضافة إلى المعطيات الداخلية التي لا تبشر بالاطمئنان، لذلك يطالب حزب الكتائب ويصر على أن تتشكل حكومة إنقاذية تواجه هذه المعطيات وتحصن البلد لا سيما في ظل هذه الظروف المضطربة محليا وإقليميا».

وفي سياق متصل، أعلن رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، بعد زيارة قام بها لبري: «إننا بصدد التشاور مع حلفائنا لبلورة صورة جامعة على شخصية وفاقية تخلص البلد من شر الانقسام العامودي الحاصل». وتمنى «على كل اللبنانيين بغض النظر عن تعسكرهم السياسي أن يفوضوا بري لإيجاد شخصية توافقية لأن بري مؤهل بين كل القوى السياسية لتدوير الزوايا وتأمين وفاق قدر الإمكان لأن البلد بحاجة إلى انطلاقة جديدة بعمل المؤسسات الدستورية». وعن ترشيح النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة، قال أرسلان «إننا ما زلنا بقيد التشاور مع حلفائنا».

وأكد عضو كتلة بري، النائب قاسم هاشم، أن الاستشارات النيابية بين قوى الأكثرية جارية على قدم وساق لبلورة اسم رئيس الحكومة الجديد. ولم يستبعد التوصل إلى اتفاق بين الموالاة والمعارضة حول تسمية سلام، خصوصا إذا ما حظي وفق اللعبة الديمقراطية بأعلى نسبة من الأصوات. أما عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب سليم سلهب، فأوضح أن «موقف قوى الأكثرية من مرشح رئيس الحكومة الجديد سيعلن غدا (اليوم) في الاستشارات النيابية، لا سيما أن هذه القوى التي ستجتمع اليوم (أمس) متفقة على الخروج باسم موحد غير صدامي»، داعيا إلى التريث في معرفة اسم المرشح العتيد. في وقت تعزو المصادر المطلعة أسباب «عزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن الترشح واعتذاره عن قبول أي تكليف»، إلى الرفض القاطع للنائب وليد جنبلاط تسميته في الاستشارات.