الرئيس مرسي في السودان.. وحصة مصر في مياه النيل على رأس أولوياته

مفاوضات حول «سد النهضة» في إثيوبيا.. وحركة 6 أبريل تبدأ حشدها لـ«يوم غضب» ضد النظام في الذكرى السادسة لتأسيسها

الرئيسان المصري والسوداني لدى استعراضهما حرس الشرف في مطار الخرطوم أمس (أ.ب)
TT

وسط مظاهر احتفائية لافتة استقبل الرئيس السوداني عمر البشير نظيره المصري محمد مرسي الذي وصل إلى الخرطوم في زيارة رسمية تستغرق 24 ساعة.

والتقى الرئيسان، وكلاهما ينتمي إلى التيار الإسلامي، مساء أمس، وألقيا كلمتين خلال اجتماع لرجال أعمال من البلدين. وذكرت مصادر في الخرطوم أن مرسي سيلتقي كذلك قادة الأحزاب السياسية السودانية وأعضاء من الجالية المصرية، ثم يؤدي صلاة الجمعة بالخرطوم ليغادر إلى بلاده عصر اليوم (الجمعة).

تتناول الزيارة سبل تعزيز علاقات التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والتجارية، وكذلك مفاوضات مصر والسودان مع دول حوض النيل حول حصتيهما، وتأثيرات سد «النهضة» الإثيوبي على نصيب مصر من النهر، حيث طالب حزب النور الرئاسة بالكشف عن تأثيرات السد وموقف مصر منه. وذكر بيان للرئاسة المصرية أن الزيارة تكتسي «أهمية خاصة» لكونها تهدف إلى «التأكيد على العلاقات الاستراتيجية القوية والخاصة بين مصر والسودان». وأضاف أن مصر ترغب في إقامة «شراكة اقتصادية حقيقية مع السودان بهدف تحقيق تطلعات وأهداف التنمية والازدهار للشعبين». وقال عماد سيد أحمد المتحدث باسم الرئيس السوداني إنها «زيارة تاريخية على ضوء العلاقات الاستراتيجية العميقة بين شعبي البلدين».

وأجرى الرئيسان محادثات في القاهرة في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال أول زيارة قام بها البشير إلى مصر منذ انتخاب مرسي في يونيو (حزيران) بعد أكثر من عام على سقوط نظام حسني مبارك. ورافق الرئيس مرسي وفد كبير من رجال الأعمال المصريين مما يشير إلى أن للزيارة أبعادا اقتصادية تتعلق بالاستثمارات المصرية في السودان ومشروعات الأمن الغذائي بين البلدين. وكان متوقعا أن تشهد العلاقات بين البلدين تطورا كبيرا بعد وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في مصر، على اعتبار أن الحاكمين في البلدين ينتميان لـ«الإخوان»، خاصة بعد فترة الجمود والقطيعة التي شهدتها علاقات البلدين عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، واتهام السودان بالضلوع فيها.

ويرجع محللون «ضعف الاهتمام المصري بإخوان السودان» إلى الظروف المحيطة بتجربة الإسلاميين السودانيين في الحكم، والعقوبات المفروضة عليها والعزلة الدولية التي تعيشها واتهامها برعاية الإرهاب ودعمه، وأن الحكومة المصرية تحاول أن «تنأى» بنفسها عن الشأن السوداني ومساندة «الإخوان السودانيين»، وخشية التأثير السالب الذي قد يترتب على علاقة مع التجربة السودانية، وهو ما أدى لتأخر زيارة الرئيس محمد مرسي للسودان رغم قربه الجغرافي منه والمصالح المشتركة التي تجمع البلدين.

ووجه سودانيون في وقت سابق «لوما» لحكومة الثورة المصرية بأنها لا تضع السودان ضمن أولوياتها، مستدلين بتأخر زيارة الرئيس المصري للسودان، وأنه زار أكثر من عشر دول ليس من بينها السودان، الذي كان يتوقع أن يحظى بأولوية أكبر لطبيعة العلاقات المتشابكة بين البلدين. وتتهم مصر عادة من قبل سودانيين بـ«التقصير» تجاه علاقتها بالسودان، في عهد مبارك ويحملها مراقبون بعض المسؤولية عن انفصال جنوب السودان بسبب «صمتها» وعدم وضع ثقلها إلى جانب وحدة السودان، والتخلي عن الملف السوداني لـ«الإيقاد» وشركاء «الإيقاد» مما قاد للانفصال.

وتعتبر زيارة المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع للسودان ومشاركته في مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية الموالية للرئيس البشير في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي مؤشرا على حسم «الصراع على الإخوان المصريين» لصالح المجموعة الحاكمة. وحسمت زيارة رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني للسودان وتوقيعه مذكرة تفاهم مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، وإعلانه خلال الزيارة عن زيارة الرئيس مرسي للسودان، الأمر وأن إخوان مصر سيقفون مع إخوان السودان الحاكمين ولا عزاء للمنشقين عنهم من جماعة الترابي.

ويعتقد السودانيون أن مصر تنظر إلى علاقاتها بالسودان باعتبارها ملفا أمنيا لدى جهاز المخابرات المصرية، رغم كلاسيكيات السياسة بين البلدين التي تتحدث عن «أزلية وتاريخية» العلاقة بين بلدي وادي النيل. ولا يتوقع أن تحسم الزيارة الحالية والمباحثات بين الرئيسين القضايا بين الدولتين كافة.. «ملف مياه النيل واتفاقية عنتيبي، والقضايا الاقتصادية، والنزاع الحدودي، واتفاقية الحريات الأربع لمواطني البلدين». ولا ينتظر بشكل خاص فتح ملف الخلاف على مثلث «حلايب وشلاتين». كما لا يتوقع فتح ملف «المعارضة السودانية المسلحة» الموجودة في القاهرة الذي تنظر إليه الخرطوم «شذرا». وذكرت السلطات السودانية على ألسنة مسؤولين كثر على رأسهم نائب الرئيس البشير في الحزب نافع علي نافع، عدة مرات أنها لن «تشغل» مصر بهذه القضايا في الوقت الحالي. ويتوقع أن تؤدي الانشغالات الداخلية والتوتر والأزمات التي تعيشها الحكومتان، كل على حدة، إلى تأجيل مناقشة الملفات الخلافية ذات الطبيعة الساخنة بين البلدين في هذه الزيارة.

من جهته، طالب يونس مخيون، رئيس حزب النور (السلفي)، صاحب الأغلبية الثانية في مجلس الشورى (البرلمان)، الرئاسة والحكومة بإصدار بيان فوري وتوضيح حول التصريح الذي أدلى به وزير الري الأسبق المهندس محمد نصر الدين علام، حول سد «النهضة»، والذي يؤدي إلى تقليل حصة مصر من المياه إلى 18 في المائة، بما يؤدي لبوار مليوني فدان وعجز في توليد الكهرباء، على حد قوله. وأشار مخيون في بيان له أمس إلى تحذير وزير الري الأسبق من أن الهدف من وراء ذلك تضييق الخناق على مصر والتحكم في صنع القرار المصري لمصلحة إسرائيل، مضيفا أنه من حق الشعب المصري على الرئاسة أن توضح له ماذا فعلت وماذا سوف تفعل تجاه هذه القضية الخطيرة.

ويعد سد «النهضة» الإثيوبي، الذي بدأ العمل فيه عام 2011، واحدا من بين أكبر عشرة سدود في العالم، حيث يتوقع أن يولد 5250 ميجاوات من الكهرباء. وتسعى إثيوبيا لإنتاج 15 ألف ميجاوات من الكهرباء في غضون عشر سنوات في إطار خطة لتحسين قدرة البلاد على توليد الكهرباء. وترى مصر ومعها السودان أن هذا السد سوف يؤثر على حصتيهما من النهر. وتجري دول حوض النيل التسع محادثات منذ ما يزيد على عشر سنوات بهدف إعادة التفاوض على معاهدات موقعة منذ حقبة الاستعمار تعطي مصر والسودان النصيب الأكبر من مياه النهر. ووقعت ست دول من التسع، هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي، اتفاقية جديدة تحرم مصر من حق الاعتراض وتوافق على إعادة التفاوض بشأن كمية المياه التي يحق لكل دولة الحصول عليها.

تصريحات مخيون تأتي في وقت لا يزال الاضطراب يهيمن فيه على المشهد السياسي في البلاد. وتعتزم حركة شباب 6 أبريل تدشين «يوم الغضب» في مصر غدا (السبت)، بمناسبة ذكرى تأسيسها السادسة، عبر تنظيم فعاليات مفاجئة وسرية، احتجاجا على نظام الإخوان، ودعت الحركة الشعب المصري للنزول للمطالبة بـ«إسقاط النظام»، مؤكدين أنه لم يعد هناك شرعية لنظام استباح دماء المصريين.

من ناحيته، اعتبر الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور والمنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني (المعارضة)، أن بقاء الحكومة والنائب العام يؤدي إلى «تأكل» إمكانية التوافق الوطني، وتصاعد التخبط السياسي والاقتصادي. وقال البرادعي، في تدوينة على حسابه في موقع «تويتر» أمس، إن «بقاء الحكومة والنائب العام: إمكانية التوافق الوطني تتأكل.. والتخبط السياسي والاستقطاب المجتمعي والتدهور الاقتصادي في تصاعد.. التغيير حتمي». وأعلن البرادعي مجددا رفضه أي حوار أو انتخابات على هذا النحو، قائلا: «هل يتصور النظام أن القوى الوطنية ستشارك في أي حوار أو انتخابات هدفهما إعطاء شرعية لديمقراطية زائفة وسياسات إقصائية؟».