حريق يلتهم أوراق التحقيقات في قضايا مهمة بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية

مصدر قضائي: كل السيناريوهات مطروحة.. من عقب السيجارة إلى المولوتوف

TT

شب حريق ضخم، أمس، بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية في منطقة «باب الخلق» بوسط القاهرة، التهم أوراق وملفات عدد من القضايا المهمة، التي ما زالت قيد التحقيق، وعلى رأسها قضايا اتهام روابط المشجعين (الألتراس) في حريق اتحاد الكرة ونادي الشرطة بالجزيرة، وقضية أحمد قذاف الدم، المنسق السابق للعلاقات المصرية - الليبية، المتهم بمقاومة قوات الأمن وحيازة أسلحة وذخيرة، وقضايا قتل المتظاهرين وموقعة الجمل ومجمل أحداث ميدان التحرير.

واحتشد أعضاء النيابة العامة أمام المحكمة المحترقة، حيث لم يتمكنوا من الدخول إلى مكاتبهم بسبب الحريق، بينما انتقل فريق من نيابة الدرب الأحمر، بإشراف المستشار طارق أبو زيد المحامي العام الأول لنيابات جنوب القاهرة، لمعاينة الحريق. وقال اللواء عبد العزيز توفيق، مدير الإدارة العامة للحماية المدنية: «إن رجال الحماية المدنية واجهوا صعوبة في إخماد الحريق على مدى أكثر من ساعتين، نظرا لضيق الشارع المجاور لمقر المحكمة من جانب واحتواء الطابق الثالث الذي شب به الحريق على كمية كبيرة من المكاتب الخشبية سريعة الاشتعال من جانب آخر».

وأشار إلى أن الحريق لم يسفر عن أي إصابات أو خسائر في الأرواح، موضحا أن رجال الإطفاء يقومون حاليا بجمع المستندات وملفات القضايا التي نجت من الحريق داخل غرفة مؤمنة بعيدا عن آثار الحريق.

من جانبه، تفقد اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، موقع الحريق خلال عمليات الإطفاء، وأثنى على جهود رجال الحماية المدنية في محاصرة النيران وإخمادها قبل امتدادها إلى بقية طوابق المحكمة. وتقع محكمة جنوب القاهرة الابتدائية في شارع بورسعيد، وهي ملاصقة لمديرية أمن القاهرة وفي مواجهة مباشرة لمقر متحف الفن الإسلامي والمقر الرئيس لدار الكتب المصرية التي تحوي مخطوطات نادرة، ويقع خلفها مباشرة سجن الاستئناف، الذي يحتجز فيه المحكوم عليهم بالإعدام، وتجاورها منطقة الأزهر التجارية التي تقع بها محلات أقمشة ومواد طلاء وكلها قابلة للاشتعال.

من جانبه، قال المستشار هاني عباس، رئيس محكمة جنوب القاهرة الكلية، إن الحريق أتى على الطابق الثالث بالمحكمة الذي يضم مقر نيابة وسط القاهرة، وقلم الحفظ، وسكرتارية الجلسات، إضافة إلى نيابتي بولاق أبو العلا، وباب الشعرية، مؤكدا أنه لا يستبعد الشبهة الجنائية في الحريق.

وأضاف: «كل السيناريوهات مطروحة من (عقب السيجارة) إلى (المولوتوف)، حسبي الله ونعم الوكيل.. ما التهمته النيران مجهود سنوات لا يعوض».

وأضاف المستشار عباس: «سيتم تشكيل لجان لحصر ما يمكن من القضايا التي تم استعادتها، وما تم إنقاذه، وما تم إتلافه. والمشكلة أن القضايا تحرق والأوراق تجدد، ولكن الأدلة لا يمكن تجديدها، حيث إن قانون الإجراءات الجنائية حدد كيفية إعادة التحقيق في القضايا التي تتلف، ولكن الأدلة لا تجدد ولا تعوض، ومن دونها تبطل تلك القضايا».

وقال إن «القضايا التي صدرت فيها أحكام نهائية، والموجودة بقلم الحفظ يوجد صورة (ميكروفيلم) منها، بينما القضايا التي تتداول أمام المحاكم لم يتم الحصول على صورة منها، بالإضافة إلى التحقيقات التي تباشرها النيابة العامة في بعض القضايا المهمة». وكان العقيد عمر عفيفي، وهو ضابط شرطة سابق يقيم حاليا بأميركا، قد حذر عبر صفحته على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي يوم 30 مارس (آذار) الماضي من «نية جماعة الإخوان المسلمين حرق أرشيف القضايا ومخازن المضبوطات بالقضاء الأعلى ونيابات أمن الدولة وبعض المحاكم والنيابات».

وقال عفيفي: «الجماعة بالاشتراك مع بعض (قضاة من أجل مصر) يخططون لحرق أرشيف القضايا ومخازن المضبوطات بالقضاء العالي ونيابات أمن الدولة وبعض المحاكم والنيابات، لذلك نحمل الفريق (أول عبد الفتاح) السيسي (القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي) شخصيا تأمين الأرشيفات وأوراق القضايا ومخازن المضبوطات قبل حرقها من تلك الجماعة لطمس الأدلة والأوراق».

وذكر عفيفي أن «سكرتير نيابة عرضوا عليه حرق الأرشيف مقابل مائة ألف جنيه وتصوير الحادثة على أنها ماس كهربي قبل رحيل طلعت عبد الله (النائب العام الحالي)، وكذلك نحذر السادة رؤساء المحاكم ورؤساء النيابات من المؤامرة الحقيرة».

وتأسست محكمة جنوب القاهرة الابتدائية عام 1884 مع ظهور المحاكم الأهلية في مصر، وكان أول رئيس لها القاضي إبراهيم فؤاد باشا، فقد كانت محكمة جنوب وقتها تحمل اسم «محكمة مصر الأهلية» ثم أصبح اسمها «سراي القضاء العالي»، بعد أن ضمت بين جدرانها محكمة استئناف مصر ومحكمة النقض والإبرام، ومقر النائب العمومي. وكانت المحكمة قبلة ومقصدا لكبار القضاة ورجال القانون ومصدرا للكثير من الأحكام التاريخية التي أعطتها مكانة راسخة في تاريخ القضاء المصري، ولهذه المكانة اختارها الملك فؤاد ليحتفل فيها مع القضاة ووزارة الحقانية عام 1933 بالعيد الذهبي لمرور 50 عاما على إنشاء المحاكم الأهلية في مصر وألقى خلالها كلمة العرش، التي أكد فيها حرص حكومته على رعاية القضاء.

وشهدت المحكمة عدة محاكمات تاريخية، أبرزها محاكمة الرئيس المصري الراحل أنور السادات في قضية اغتيال وزير المالية الأسبق أمين عثمان عام 1948 التي برأه القضاء فيها، وبعدها بثلاثة وثلاثين عاما شهدت القاعة نفسها محاكمة قتلة السادات، الذين حكم على أربعة منهم بالإعدام.

كما شهدت المحكمة الحكم في قضية 18 و19 يناير (كانون الثاني) 1977 المعروفة بانتفاضة الخبز، وقضية الجاسوسين عزام عزام، وشريف الفيلالي، وقضية نواب القروض، وعددا كبيرا من قضايا رجال الأعمال آخرها حسام أبو الفتوح، وقضية الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق ضد «جريدة الشعب»، وقضية مركز ابن خلدون. كما شهدت قضايا رئيس قطاع الأخبار الأسبق محمد الوكيل، والشواذ، والآثار الكبرى، ورئيس حزب «غد الثورة» أيمن نور، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري الخاصة بمقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، وربما يرجع استئثارها بأغلب قضايا الرأي العام والمشاهير إلى قربها من مديرية أمن القاهرة وإمكانية تأمينها جيدا وبعدها إلى حد ما عن وسط القاهرة.