مضايقات تطال الطائفة المسلمة في سريلانكا

بوذيون متشددون يستهدفون المحجبات ومحال المنتجات «الحلال»

نظرات غير لائقة تطال سيدتين محجبتين في شارع بكولومبو (أ.ف.ب)
TT

في الخامس عشر من مارس (آذار)، كانت أربع طالبات يدرسن كلهن القانون، يسرن في أحد شوارع العاصمة السريلانكية، كولومبو، في فترة ما بعد الظهيرة، فأوقفهن عدد من الرجال وطلبوا منهن خلع العباءات اللاتي كن يرتدينها مستخدمين ألفاظا نابية مبتذلة، وبمغادرة البلاد إلى أي بلد عربي، إلى أن تدخل مارة وطاردوا الرجال الذين تمكنوا من الهرب في النهاية. وفي واقعة أخرى، صعدت امرأة مسلمة منتقبة حافلة، فتدخلت راكبة سنهالية لدى السائق وقالت له إنها لن تكون في حافلة واحدة مع امرأة مسلمة لأن ابنها يخاف من «الغولة»، وعندها رفض سائق الحافلة قطع تذكرة للمرأة المسلمة ما لم تخلع نقابها، وعندما رفضت طلب منها النزول وانتظار حافلة أخرى. وتزايدات المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في سريلانكا، ذات الغالبية البوذية، منذ نحو شهرين، بعد تصريحات وتعليقات لرهبان بوذيين تحرض على الكراهية وتطالب بمقاطعة المتاجر التي يملكها مسلمون. وتوجه أصابع الاتهام إلى مؤسسة «بودو بالا سينا» التابعة لرهبان بوذيين متشددين، باستهداف المظاهر الإسلامية ومنها ارتداء النساء للحجاب.

ويعد مسلمو سريلانكا الذين يعرفون باسم «المور»، ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد، إذ يمثلون نسبة 9.7 في المائة من السكان بعد السنهاليين (70 في المائة) والتاميل (12.5 في المائة).

وشهدت سريلانكا توترا كبيرا بعد سلسلة من الحوادث الخطيرة منها أعمال استفزازية للبوذيين المتطرفين تستهدف مسلمين. وقالت امرأة مسلمة تعمل مدرسة: «إن استهداف المرأة التي ترتدي عباءة إسلامية أو حجابا أمر مثير للقلق ونخشى أن نسير وحدنا في الطرقات». وتتفق معها نساء مسلمات كثيرات يشعرن بالقلق من الحملة العنيفة لحظر ارتداء العباءات. وقالت عاملة بريد تدعى رابية صديقي (اسم مستعار): «في الوقت الذي لا نعرف فيه مدى فاعلية هذه المحاولات بشكل شامل، أدت تلك الأفعال إلى شعورنا بعدم الارتياح». ومع ذلك تقول الشابة، التي تبلغ من العمر 29 عاما، إن المشاعر المعادية للمسلمين تقتصر على عدد محدود ولا تعني أن الغالبية يتبنون هذا النهج العدائي.

يجلس رضوان محمد، وهو أب ثلاثة أبناء، في ركن من أركان محل البقالة في وسط العاصمة كولومبو، ويقول: «المبيعات في تراجع كبير منذ شهر يناير (كانون الأول) لأن مؤسسة (بودو بالا سينا) وزعت ملصقات في مختلف أنحاء البلاد تدعو الناس إلى مقاطعة المتاجر التي يملكها مسلمون. وهددوا بارتكاب أعمال عنيفة ضد من يفعل ذلك».

بعد ثلاثين عاما من الحرب الأهلية بين الحكومة وجبهة نمور التاميل، تطل التوترات العنصرية برأسها مجددا في هذا البلد الجميل الواقع في شبه القارة الهندية. وفي حادث عنف جديد ضد المسلمين، قاد رهبان بوذيون هجوما ضد مخزن ملابس يملكه مسلمون، ورشقوا المخزن، الذي به ملابس سلسلة «فاشون باغ» التي تحظى بشعبية، مكيلين الإهانات لأصحاب المتجر المسلمين وهاجموا الصحافيين الذين يريدون تغطية الأحداث.

بدأت حملات الكراهية بعد مطالبة المؤسسة في فبراير (شباط) الماضي وضع حد لمنتجات غذائية تحمل علامة «حلال» (معدة وفق الشريعة) زاعمين أنه يتم إجبار غير المسلمين على تناول تلك المنتجات. وتم نشر رسائل وصور مناهضة للمسلمين والمنتجات «الحلال» على مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما ردت «جمعية علماء سريلانكا»، التي تشرف على توصيف المنتجات المعدة وفق الشريعة، بحذف علامة «حلال» من كافة المنتجات المحلية. ومع ذلك لا تزال المنتجات المستوردة تحمل هذه العلامة. وقال رئيس الجمعية الشيخ رضوي مفتي: «نحن نضحي لأننا نقدر أهمية السلام بين طوائف الشعب». وقد أدى التوقف عن القيام بذلك إلى مواجهة المسلمين في البلاد صعوبات، فهم على وشك فقدان الثقة في مدى مطابقة المنتجات الغذائية لقواعد الشريعة.

يذكر أن حوادث العنف والكراهية ضد المسلمين زادت خلال الأشهر القليلة الماضية رغم أنه خلال شهر إبريل (نيسان)، احتج ألفا بوذي، منهم رهبان، وهاجموا مسجدا في مدينة دامبولا في وسط سريلانكا بزعم أنه تم تشييده في موقع بوذي مقدس. وسرعان ما أعقب ذلك سلسلة من الحوادث التي استهدفت مسلمين، وأصدرت الحكومة، التي يهيمن عليها البوذيون، أمرا بنقل المسجد مما أدى إلى إغلاق بضعة مساجد في مختلف أنحاء البلاد.

ويروي المحامي الطموح عقيل الدين واحدة من أغرب الوقائع طلب فيها طالب بوذي في مدرسة إعدادية مرموقة في كولومبو ماء من زميل له مسلم فأعطاه زجاجة المياه الخاصة به. وبينما كان الطالب يهم بالشرب، قال زميل آخر: «لا تشرب. إنه ماء حلال». وكان عمر الثلاثة بين ثمانية وتسعة أعوام. كما حدثت وقائع عنف وتوتر أخرى في مدارس بالريف أو مناطق شبه حضرية بين طلبة سنهاليين يمثلون الأغلبية ومسلمين يمثلون الأقلية.

وكانت مؤسسة «بودو بالا سينا» تؤكد من آن إلى آخر أن سريلانكا ليست بلدا متعدد الأعراق أو الأديان، بل بوذي سنهالي. وأطلق الأمين العام للمؤسسة، جلال بوذا غناناسارا، دعوة لمقاطعة كل الأعمال والكيانات التي يملكها مسلمون بما فيها المتاجر والمطاعم بزعم أنهم يساهمون في «زيادة التطرف الإسلامي».

وهددت مجموعات مستقلة صغيرة، يقال إنها على صلة بالمؤسسة البوذية المتطرفة، بقذف النساء البوذيات، اللاتي يخالفن التعليمات ويتعاملن مع مراكز تسوق يملكها مسلمون، بالبيض الفاسد. وأكد جلال بوذا أنه لا توجد مشكلات بين المؤسسة وبين المسلمين والسكان التاميل ككل، مشيرا إلى ضرورة عدم السماح للمسلمات بارتداء النقاب في سريلانكا.

وعلى الجانب الآخر، لم تعلن حكومة سريلانكا إدانة استهداف المسلمين، وحتى الوزراء المسلمون في الحكومة التزموا الصمت. وأوضح «مجلس المسلمين» في خطاب أنه يتم استهداف المسلمين من قبل جماعات بوذية متطرفة مؤخرا على أساس معتقداتهم وممارساتهم الدينية وبسبب خوف لا أساس له من تزايد عددهم.