لبنان يتجاوز عقدة التكليف.. ويأمل بحلحلة عقد التأليف

مصادر «14 آذار»: عون تلقى صفعة من حزب الله.. وقرار إيراني بالتهدئة ينعكس لبنانيا

تمام سلام المرجح تكليفه برئاسة الحكومة اللبنانية (إ.ب.أ)
TT

فك لبنان أمس عقدة تكليف الشخصية التي ستشكل الحكومة اللبنانية الجديدة، إذ نصب النائب تمام سلام في هذا الموقع قبل انتهاء الاستشارات النيابية الملزمة التي بدأت أمس وتنتهي مساء اليوم، بحيث حسمت نتيجتها قبل إجراء هذه الاستشارات التي ينص الدستور على ضرورة قيام رئيس الجمهورية بها والتزامه بنتائجها لجهة تسمية الشخصية التي ستشكل الحكومة. وحظي النائب سلام بأصوات 87 نائبا في اليوم الأول للاستشارات النيابية، مما يخوله الحصول على تفويض قياسي يشبه الإجماع في البرلمان المكون من 128 نائبا، بحيث إنه قد ينال تفويضا يفوق الـ120 نائبا.

وبينما تستمر الاستشارات اليوم على شكليتها، قفز السياسيون اللبنانيون نحو تركيبة الحكومة التي ينتظر أن يشكلها النائب سلام، وسط مخاوف من أن تتحول الأزمة من «أزمة تكليف» إلى «أزمة تأليف»، بعدما أعلن النائب وليد جنبلاط رفضه منح الثقة لأي حكومة من لون واحد، مشددا على ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، في حين تصر قوى «14 آذار» وعلى رأسها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري على «حكومة حيادية» تشرف على الانتخابات النيابية التي لا يزال مصيرها مجهولا رغم اقتراب موعد نهاية ولاية البرلمان الحالي في يونيو (حزيران) المقبل.

مصادر قيادية في «14 آذار» قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الكلام عن شكل الحكومة سابق لأوانه الآن، لكنها رأت أن الحديث مجددا عن الثلث المعطل وتسمية وزراء حزبيين ومحاولة تمرير معادلة «شعب وجيش ومقاومة» هي «وصفة فاشلة»، مشيرة إلى أن وجود وزراء حياديين يتأثرون بمواقف هذه القوى أو تلك قد يكون هو الحل. ورأت المصادر أن الكرة الآن في ملعب حزب الله الذي خسر الحكومة التي كان يسيطر من خلالها على السلطة التنفيذية باستقالة الحكومة، ثم خسر أكثريته البرلمانية بانتقال النائب جنبلاط إلى مكان آخر وتسمية النائب سلام بالتوافق مع الحريري. وأشارت المصادر إلى أن ما حصل من تراجع للحزب يقف خلفه «قرار إقليمي» كبير أصدرته طهران التي تفاوض الأميركيين الآن، وتتحادث مع الأوروبيين، وتريد تقديم عروض حسن نوايا من خلال إراحة الساحة اللبنانية، مشيرة إلى أن هذه الراحة لن تتم إلا بانسحاب الحزب من التدخل في سوريا كخطوة ثانية لا بد منها.

وأوضحت المصادر أن الحزب برهن على قدرة عالية على الالتزام من خلال إجباره حليفه النائب ميشال عون على المضي في ترشيح سلام رغم حديثه الأول عن رفض هذا الترشيح وسيره بمرشح آخر هو وزير المال محمد الصفدي. وأشارت إلى أن عون «تلقى صفعة مدوية» من الحزب، معتبرة أن الحزب الذي كان يعطي الكثير لعون وقف فجأة ليفرض عليه مساره، الأمر الذي يوحي بالقرار الذي اتخذ على أعلى المراجع في إيران، مشيرة إلى أن الأمر يرتبط بشكل وثيق بالتطورات السورية وباحتمال وجود معلومات لدى هذا الطرف ومعطيات تدفعه إلى التهدئة الداخلية.

وقال القيادي الذي طلب إغفال اسمه إن منطق قوى «14 آذار» كان يتحدث دائما عن أن حزب الله سيقوم بأحد أمرين عند سقوط النظام السوري أو شعوره باقتراب السقوط من خلال قيامه بالسيطرة على البلد ميدانيا، أو فتح الجسور في اتجاه القوى اللبنانية الأخرى ومحاولة إيجاد تسوية داخلية، ويبدو أن طهران قررت السير في المسار الثاني، مشيرا في المقابل إلى أن خطورة هذا الأمر هي أن هذا الانفتاح مرتبط بأمر ترجوه طهران وهو قابل للتغيير، فإذا حصل هذا التغيير عادت الأمور إلى خانة الصفر.

من جهة ثانية، أشارت مصادر أخرى إلى أن موضوع تشكيل الحكومة قد يأخذ بعض الوقت، لكنها لمحت إلى خيارات أخرى أمام الرئيس المكلف الذي تصبح حكومته نافذة بمجرد إعلانها حتى لو لم يجر التصويت على الثقة، متوقعة أن يطول أمد التكليف من دون أن يعني ذلك وجود فراغ حكومي.

وكان عون قد نفذ أمس تهديده بعدم التصويت لسلام رغم أن نواب كتلته صوتوا له، فقد حضر وفد من الكتلة غير مزود بتفويض خطي من الأخير، ولم يحتسب صوته من ضمن الأصوات المؤيدة لترشيح سلام. وبعد ضبابية كبيرة سادت موقف عون، أعلن الأخير أمس أنه «تم التوافق على النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة، لأن خيارنا الوحدة الوطنية والاستقرار، وما زلنا نعمل لهذا الخيار، واليوم أتت فرصة حكومة الوحدة بين جميع مكونات الوطن»، لافتا إلى أن «هناك تسوية قد تظهر بعملية تأليف الحكومة على غرار التوافق الذي حصل على النائب تمام سلام». وفي تصريح له بعد اجتماع التكتل، ذكّر عون بـ«شعار لا غالب ولا مغلوب»، متمنيا أن «يسير لبنان تحت هذه الشعارات». وردا على سؤال حول عدم صعوده إلى الاستشارات النيابية، قال عون «هذا ليس موقفا من أحد.. هيك طلع على بالي».

ومثل عون قاطع حليفه المسيحي النائب سليمان فرنجية، المعروف بعلاقته الوثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد، الاستشارات، تاركا لأعضاء كتلته تسمية من يشاءون. أما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقال إنه «في إطار الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الحكومة الجديدة سميت النائب تمام سلام، ونحن في انتظار صدمة إيجابية نحن نراها بكل أوجهها». وتمنى لرئيس الحكومة المعين «الخير، وهمنا الوطن»، مضيفا «البعض يقول إنني الضحية، وطوال مسيرتي كنت أقدم واجبي، ولم أنتظر مقابلا من أحد، ولست نادما على الاستقالة، بل مسرور بتجسيد الحياة الديمقراطية».

أما نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري فقال إنه أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بأنه يرشح النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة. وتمنى مكاري أن يشكل سلام حكومة تكون مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات النيابية والاهتمام بشؤون البلد لتغطي جزءا من النقص الذي حصل في الفترة الماضية، آملا أن «تكون لدينا دولة واحدة». وتابع: «تمام سلام هو من أهل 14 آذار».