الأزمة السورية تهيمن على الجلسة الافتتاحية لمنتدى «أنا ليند» في مرسيليا

أزولاي: «المتوسط» لا يمكن أن يكون من دون فلسطين ونريد أن نصنع «متوسطا جديدا» غير الذي عرفناه

أندريه ازولاي يتحدث في مستهل الجلسة الافتتاحية لمنتدى مارسيليا الليلة قبل الماضية (الشرق الاوسط)
TT

قال أندريه أزولاي رئيس مؤسسة «أنا ليند» للحوار الأورو - متوسطي ومستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن «المتوسط لا يمكن أن يكون دون فلسطين، ولن يكون»، مشيرا إلى أن خطابه ليس خطابا سياسيا بقدر ما ينم عن رأي شخص يؤمن بتعايش الدولتين (دولة إسرائيل ودولة فلسطين) جنبا إلى جنب، في إطار منظومة الحرية والسيادة والمشروعية نفسها.

ورأى أزولاي الذي كان يتحدث، الليلة الماضية، في الجلسة الافتتاحية لمنتدى مؤسسة «أنا ليند»، حول المجتمع المدني في منطقة المتوسط، الذي يعقد في مرسيليا تحت شعار «مواطنون من أجل المتوسط»، بمشاركة أكثر من 1300 منظمة مجتمع مدني من 44 دولة أنه «لا يمكن إطلاقا أن تكون هناك حرية يتمتع بها الإسرائيلي دون الفلسطيني، لأن الحرية واحدة، وكلمة الحرية لا يمكن أن تندرج إلا في إطار الكونية، لأنه لا يمكن أن ندعي أننا نريد الحرية لنا ونرفضها للآخر».

ودعا أزولاي أولئك الذين يتفاوضون أو سيوقعون على أي اتفاق أن يعرفوا أن المجتمع المدني في المتوسط هو مجتمع نشط وحيوي، وقال: «يجب أن نوجه لهم رسالة لحثهم على دراسة التقارير والأبحاث التي تنجزها مؤسسة (أنا ليند) في هذا الصدد».

وزاد قائلا: «إننا، في المؤسسة، وضعنا خارطة طريق دعونا من خلالها إلى مقاومة التقهقر والتراجع والتشنجات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط. كنا في الماضي متواطئين مع الخوف دون أن ندري أو نكون راغبين في صراع الحضارات».

وأضاف أزولاي: «نحن جميعنا أبناء إبراهيم، وبدل التعاون تواطئنا مع كل من يريد زرع الشقاق»، في إشارة ضمنية إلى المتطرفين من هذا الجانب أو ذاك.

وعبر أزولاي عن إيمانه بالشق التربوي للسياسة. وقال إن السياسة ليست ضوضاء، وهناك مسار تقليدي يقتضي الحوار. وذكر أن التغيير الذي يشهده المتوسط تاريخي، وليس وليد يوم أو سنة. وقال: «علينا أن نترك المجال ليكتسب هذا التغيير العمق التاريخي المطلوب، وعلينا ألا نتوقف عند مآسي الماضي». وعبر أزولاي عن أمله في أن يعرف أولاده وأحفاده «متوسطا آخر غير الذي عرفناه، أي متوسط العدالة والحرية والكرامة». وشدد على القول: «نريد أن نصنع متوسطا غير الذي عرفناه، أي دون أن يكون رهينة للصراع وللأزمة».

وقال أزولاي أيضا: «نحن هنا مسؤولون عن مستقبل منطقتنا.. ونصبو إلى التعاون والتوافق بين كل هؤلاء المشاركين في المنتدى حتى ينبثق ذلك المتوسط الذي لم يتمكن الساسة من تحقيقه».

وذكر أزولاي، في مؤتمر صحافي سابق للجلسة الافتتاحية للمنتدى، أنه عندما تأسست مؤسسة «أنا ليند» عام 2008: «عشنا في ذلك الوقت كل ما شهده الفضاء المتوسطي من تراجع وتقوقع على النفس، وهو ما كان غاب ثم عاد بقوة، لذلك كان لا بد من إنشاء هذا الفضاء المتوسطي بمساعدة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة».

واليوم، يضيف أزولاي، يمكن القول إن المؤسسة قاومت ذلك التقهقر والتراجع الذي شهده المتوسط، وبقيت صامدة على الرغم من الأعاصير التي كنا نواجهها، وأصبح عدد المنظمات المنضوية تحت لوائها 3000 مؤسسة مختلفة، وعقدنا العزم على اللقاء كل عامين لكي يجتمع خلال أيام معدودة عدد كبير من المؤسسات التي تتشكل من جميع مكونات المتوسط؛ مسلمين ومسيحيين ويهودا.

ويعتبر منتدى مرسيليا الثاني من نوعه بعد منتدى برشلونة الذي التأم قبل سنتين، وأول تجمع إقليمي يلتئم منذ اندلاع الصحوة العربية وتداعيات أزمة اليورو في أوروبا.

وقال رئيس مؤسسة «أنا ليند» إن «رفع منتدى مرسيليا شعار (مواطنون من أجل المتوسط) حتى ولو كان مثاليا، فإننا لم نخطئ العنوان، فالوقت ملائم اليوم لطرحه، وأقول: هذا ليس من باب السذاجة والطوباوية».

وأضاف أزولاي: «إننا اليوم نعد العدة والأرضية من أجل نشوء مواطنة متوسطية، وإنه لا بد أن يفهم شمال المتوسط بأن ما ينعم به من حرية وعدالة وديمقراطية يجب أن ينسحب على جنوب المتوسط أيضا». وأضاف: «يمثل هذا التجمع شيئا جديدا. فنحن نشهد بزوغ مواطنة المتوسط، مع تطلعات مشتركة من مواطنين أوروبا ومنطقة البحر المتوسط للكرامة والديمقراطية ونوعية حياة أفضل. الآلاف من المجتمعين هنا الآن في مرسيليا يشهدون على هذه الفرصة التاريخية، وسيكونون حجر الأساس لحركة تسعى تجاه هذه الرؤية؛ مواطنون من أجل المتوسط».

ومن جهته، قال ميشال فوزيل رئيس مجلس منطقة بروفانس - ألب - كوت دازور الفرنسية والنائب في البرلمان الفرنسي ووزير العدل في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران «إن مرسيليا تجمع كل ما في (المتوسط)؛ سواء في جنوبه وشرقه وغربه، ونحن اليوم نبحث عن مكان ونقطة لقاء قائمة على المبادئ المشتركة التي تلتئم حولها هويات مختلفة، لنتمكن من صهر ذلك في بوتقة واحدة، هي بوتقة (المتوسط)». وتحدث فوزيل عن الربيع العربي، وقال: «نحن في أوروبا في حاجة إلى ربيع يخرجنا مما نتخبط فيه بسبب انجرارنا وراء سيد واحد، هو المال»، مشيرا إلى أن بناء المتوسط هو الذي سيحقق ما نسعى إليه.

وكان فوزيل قال في المؤتمر الصحافي إن أوروبا الشمال لا تملك الحقيقة، و«علينا أن نتجاوز أنها هي التي تنقل قيمها إلى بلدان الجنوب، وكلّ يدافع عن هويته، أي الهوية المشتركة بين الجميع؛ مسلمين ومسيحيين ويهودا».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» قال فوزيل: «(الربيع العربي) لم ينتهِ ولم يتحول إلى خريف»، مشيرا إلى أن الشباب ما زالوا موجودين في تونس ومصر. وقال: «نؤكد لهم أننا معهم في إطار الاحترام وإيجاد الحلول المشتركة للمتوسط، وبالتالي يجب الإنصات لهم بعناية».

وتطرق إلى شمال المتوسط، وقال: «هناك غضبة اقتصادية أدت إلى خروج المحتجين في إسبانيا. ونحن في أوروبا في حاجة إلى ربيع مثل الربيع العربي، لأنه لا بد أن نعيد السلطة للشباب والشعوب، لكي يعبروا عن احتياجاتهم وتطلعاتهم حتى لا يكون هناك خلط بين قيم الديمقراطية وما قد ينتج عن الانتخابات، بعد أن تخلصت الشعوب من الطغيان».

وخلص فوزيل إلى القول إن منطقة بروفانس - ألب، كوت دازور، تضم مجموعة من الثقافات المتوسطية المختلفة، بحيث نجد أسماء من أصول إيطالية وتركية ولبنانية ومغربية «وهذا ما يجعلني أشعر بأنني منتخب من طرف شعب متوسطي».

أما النائب الاشتراكي الأوروبي، جان رواتا، الذي شغل لسنوات رئاسة جمعية الصداقة البرلمانية الفرنسية - المغربية، فقال: «يجب ألا نخطئ اليوم الاتجاه. فنحن بمثابة مهنيين احترافيين يريدون صوغ هذا الفضاء المتوسطي».

وزاد قائلا: «نحن عازمون على أن نتطلع نحو المتوسط بالتعاون مع مجلس منطقة بروفانس، فهناك مشاريع كثيرة، مثل الطرق البحرية السريعة، والتخلص من التلوث في المتوسط، إلى جانب مشاريع استثمارية كثيرة ضمنها مشروع التأهيل المهني». قبل أن يضيف: «لقد تأخرنا كثيرا، لكن يجب علينا أن نسرع الخطى لتدارك هذا التأخير».

وبدوره، قال ليليان تورام لاعب كرة القدم الفرنسي الشهير السابق والناشط المعادي للعنصرية إن لقاء مرسيليا اليوم هو حدث تاريخي بكل ما للكلمة من معنى، مشيرا إلى أنه عندما نرى هذا اللقاء بين بلدان الشمال والجنوب «يتبين لنا أنه كان هناك استعلاء من قبل أوروبا الشمالية باتجاه هذه البلدان»، بيد أنه أوضح أن الوضع الآن تغير.

وتحدث ترام عن مسار حياته، مشيرا إلى أن والده ولد في فترة كانت فيها العبودية ما زالت قائمة، بينما هو ولد في وقت كان التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ما زال قائما، وقال إنه عندما حل بفرنسا قادما من جزر الأنتيل وعمره 9 سنوات، اكتشف أن لونه أسود، لكن تورام قال إن العنصرية تراجعت وخفّت حدتها عما كانت عليه في السابق. وهيمن الوضع في سوريا على بداية الجلسة الافتتاحية للمنتدى، حيث تناولت الكلمة الصحافية السورية الشابة ريما مروش، التي فازت قبل سنتين بجائزة «أنا ليند» للصحافة، وتحدثت فيها عن تجربتها المهنية في ميدان المعارك. وكيف أن الأمور أصبحت صعبة ومعقدة بالنسبة للصحافيين هناك، بل إن عددا منهم لقوا حتفهم خلال الأحداث، وعلى الرغم من ذلك لا بد من المضي قدما في تغطيتها، حسب قولها.

وأضافت مروش قائلة: «ليس هناك كثير من الآمال لدى المواطنين السوريين الذين أصبحوا يرددون عبارة (انتهى الكلام) لكن ذلك لا يعني، في نظرها، أن أحداث سوريا هي أروع ما عرفته الإنسانية مقارنة مع ما وقع في البوسنة والهرسك وغيرها. ولكن في الواقع فإن العالم لم يأخذ العبرة من الدروس الماضية»، مشيرة إلى أن الأسرة الدولية تركت الشعب السوري وحده، ولم تأبه لآلامه.

وذكرت مروش أن المشكلة في سوريا تكمن في الفوضى التي تعمّ الأرض جراء وجود كثير من الفصائل المقاتلة، وزادت على ذلك أن «الوضع مختلف في الميدان، وأن المسألة ليست بيضاء أو سوداء، بل رمادية، بمعنى أنها تتضمن كثيرا من المفارقات التي تم إدراكها».

وتحدث أزولاي بدوره عن الوضع في سوريا، وقال: «لا يمكن لأي منا تجاهل ما يحصل في سوريا وضد الشعب السوري، أنا أخجل حتى من الحديث عن الموضوع، لأنني أفتقر إلى الحل. أنا عاجز، لكننا في المؤسسة منذ اندلاع هذه المأساة تحملنا مسؤولياتنا التي يمليها علينا ضمير المجتمع المدني من أجل مساعدة السوريين».

واستمرت الأعمال التحضيرية للمنتدى طيلة العام الماضي من خلال عدد من الاجتماعات والفعاليات التي أقيمت في الجزائر والرباط وبرشلونة وإسطنبول، وتناولت مواضيع تتعلق بالشباب والمرأة والهجرة والإعلام. ويتصدر أجندة المنتدى، الذي تنتهي أعماله يوم غد الأحد، موضوع دور المجتمع المدني في مواجهة التأثيرات الاجتماعية للأزمة الأوروبية وللتغيير السياسي في المنطقة العربية.