«النظامي» يقحم سلاح الـ«توشكا» في مواجهة سلاح «الحر» الجديد الـ«إيه إس 50»

أقدم عاصمة في التاريخ مهددة بالدمار

رجل يبكي على حطام منزله الكائن بحي الصاخور في مدينة حلب أمس (أ. ف. ب.)
TT

تتزايد مخاوف سكان أقدم عاصمة في التاريخ، دمشق، من تدمير مدينتهم بشكل كامل، وذلك بحكم وقوعها في قلب الصراع الدامي بين القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد وكتائب الجيش السوري الحر الساعية لإسقاطه.

ويرى العديد من سكان دمشق هذه الأيام، ومع دخول الثورة عامها الثالث، أن مناطق حيوية وشديدة التحصين يقول نظام الأسد إنه يحكم سيطرته عليها، لن تكون بمعزل عن الاشتباكات ودوامة العنف. ويتخذ كثير من الأهالي احتياطات غذائية وطبية ولوجيستية، ويخفون تحركاتهم قدر المستطاع، ويأوون إلى منازلهم باكرا قبل حلول الظلام، رغم عدم وجود الكهرباء في منازلهم أحيانا، إلا أنها قد تكون أمانا أكثر عندما يجتمعون معا مع الأهل والعائلة كنوع من المؤانسة.

ويبدو قلق الدمشقيين مبررا خصوصا في ظل دخول أسلحة جديدة لمعركة السيطرة على دمشق من ناحية، واستهداف مناطق آمنة مثل أحياء البرامكة والمزرعة وأبو رمانة من ناحية أخرى. ففي تطور هو الثاني من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، قال ناشطون سوريون إن قوات النظام قصفت أمس حي برزة في دمشق بأكثر من 15 صاروخا باليستيا من طراز توشكا.

وتوشكا هي «أنظمة صواريخ باليستية تكتيكية قصيرة المدى»، تحمل على متن منصات إطلاق متنقلة، وقد صممها الروس في نهاية حقبة ستينات القرن المنصرم لتكون جنبا إلى جنب مع الوحدات القتالية البرية في ميادين المعارك. ووفقا للجان التنسيق المحلية، سقط 18 صاروخ توشكا على حي برزة، مما أسفر عن تهدم أربعة مجمعات سكنية، مما أسفر عن سقوط قتلى وعشرات الجرحى بينهم نساء وأطفال إلى جانب إحراق عدد من المباني السكنية.

وهذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها نظام الأسد صواريخ باليستية في قصفه للعاصمة منذ اندلاع الثورة، حيث سبق أن أطلق صاروخا على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في مطلع أبريل (نيسان) الحالي. ويتميز صاروخ «توشكا» بدقته في ضرب الأهداف التكتيكية مثل مواقع السيطرة والجسور ومرافق التخزين وتجمعات القوات والمطارات وقدرته التدميرية العالية، إذ ينفجر قبل سقوطه على الأرض بنحو 16 مترا، الأمر الذي يزيد من مساحة الدمار الذي يحدثه. ويتميز أيضا بقدرته على حمل رؤوس نووية أو بيولوجية أو كيمائية قد يصل وزنها لـ500 كيلو غرام.

وإلى الجنوب من دمشق، شهدت مدينة داريا اشتباكات عنيفة أمس في محاولة جديدة للقوات النظامية لاستعادة السيطرة على المدينة الملاصقة لمطار المزة ومقر الفرقة الرابعة.

وتحاول القوات النظامية دفع كتائب الجيش الحر باتجاه أطراف العاصمة وتحييد قلب دمشق عن المعارك باعتباره نقطة ارتكاز له، مما اضطر «الحر» لاستخدام صواريخ محلية الصنع موجهة عن بعد عبر تقنية «تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية» الـ«جي بي إس».

لكن تقارير إعلامية تحدثت بالأمس عن امتلاك «الحر» لـ«صواريخ «مصرية الصنع» استخدمها في معاركه مع النظام على الحدود اللبنانية السورية، حصل عليها من جماعة الإخوان المسلمين المصرية. فيما تحدثت تقارير أخرى عن امتلاك «كتيبة أحفاد الرسول» التابعة لـ«الجيش الحر»، بندقية «AS-50» البريطانية الصنع.

وتتميز الـ«إيه إس 50»، التي يصل ثمنها لأكثر من 10 آلاف دولار، بوزنها الخفيف وسرعة تفكيكها، الذي لا يستغرق أكثر من 3 دقائق، ويعتمد هذا النوع من أسلحة القنص على ذخيرة متفجرة أو حارقة وغاز يعمل بشكل شبه آلي لمنع الارتداد، وقد صنعت خصيصا للقوات البريطانية والبحرية الأميركية في عام 2007.

لكن النقيب عبد السلام عبد الرزاق، المنشق عن إدارة الأسلحة، نفى لـ«الشرق الأوسط»، أن «يكون إخوان مصر قد أرسلوا الأسلحة إلى كتائب (الجيش الحر) من الصواريخ أو سواها».

وعن امتلاك كتيبة «أحفاد الرسول» لبندقية «إيه إس 50» قال عبد الرزاق «إن الجيش الحر لا يمتلك قناصات سوى تلك التي غنمها من الجيش النظامي»، مشيرا إلى أن «معظم هذه القناصات قديمة جدا لكن الأمر يخضع لمهارة القناصة وليس لتطور بندقيته». وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية أن «الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس يدرب مقاتلي الجيش السوري الحر»، في مناطق يلدا وجرمانا وببيلا بريف دمشق.

ويأتي هذا التقرير بعد يوم واحد من تجديد رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل معارضته للنهج الذي يتبعه الأسد في التعامل مع الثورة في بلاده، بالقول «نحن لا ننسى من دعمنا، ولا ننكر معروف أحد، لكن مهما أسدي إلينا لا يمكن أن نتعامل معه لينسينا القيم والمبادئ والأخلاق، ونحن مع مطالب الشعوب، وتعز علينا دماءها».

وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من لندن، نفى المحلل السياسي حمزة أبو شنب أن تكون حماس تدرب مقاتلي الجيش الحر، بالقول «هذه المعلومات غير صحيحة جملة وتفصيلا. كل ما يجري هو أن بعض العناصر التي كانت محسوبة على حماس، وخرجت من عباءة حماس، ذهبت للقتال في سوريا، وهي أقرب إلى العناصر السلفية الجهادية منها لحركة المقاومة الإسلامية».

ووضع أبو شنب، وهو ابن القيادي في حماس إسماعيل أبو شنب، التقرير البريطاني «ضمن محاولات شيطنة حماس والتي ابتدأت بمصر»، مؤكدا أن حماس خرجت من سوريا لعدم رغبتها في التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد.

كما صدر في وقت متأخر، مساء أمس، بيان عن المكتب الإعلامي لحركة حماس جاء فيه: «ان ما ورد في التقرير البريطاني لا أساس له من الصحة والواقع، ونؤكد أن موقف الحركة هو عدم التدخل في الصراع الدائر في سوريا، وأن وقوفها مع الشعب السوري وتعاطفها معه وتأييدها لمطالبه العادلة والمشروعة لا يعني المشاركة في الصراع الدائر في سوريا».

وبالعودة إلى دمشق، فإن النظام السوري لا يبدو مستعدا للتخلي عنها، لا سيما أنه وضع منذ أيام عددا من راجمات الصواريخ عند قمة جبل قاسيون، الكاشف لكل أحياء العاصمة. وأعقب نصب الراجمات تحذير لمصدر عسكري مسؤول نقلت عنه صحيفة «الوطن»، المملوكة لابن خالة بشار الأسد، قوله إن «الجيش على أهبة الاستعداد للدفاع عن دمشق التي لن يدنس أرضها الإرهابيون مهما كلف الأمر»، مما يعني أن دمشق ستلاقي مصير حمص، عندما اعتبر الثوار الأخيرة عاصمة لهم.