تمام سلام.. «البيك» الوفاقي في زمن الانقسام

أعاد رئاسة الحكومة إلى بيروت

الرئيس المكلف مع والده الراحل صائب سلام
TT

تستعيد عائلة سلام البيروتية التقليدية بتكليف النائب تمام سلام تشكيل حكومة لبنانية جديدة، بإجماع سياسي قل نظيره خلال السنوات الأخيرة، «الكرسي الثالث» في الدولة اللبنانية، في عز الانقسام السياسي الذي يشهده لبنان والمنطقة. كذلك تستعيد العاصمة بيروت مركز الرئاسة الثالثة، بعدما كان رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص آخر رؤساء الحكومات اللبنانية البيروتيين. في قصر العائلة في محلة المصيطبة، المجاورة للسراي الحكومي بوسط بيروت، أقام الرئيس المكلف طوال السنوات الفائتة، هو المتحدر من عائلة عريقة معروفة بالاعتدال والانفتاح.

والدته تميمة مردم بك، سليلة عائلة دمشقية وجيهة ووالده الزعيم السني صائب سلام، أو صائب بيك كما يعرفه اللبنانيون والبيروتيون تحديدا، رئيس حكومة لبنان ست مرات بين عامي 1952 و1973، وجده لأبيه الوجيه البيروتي الكبير أبو علي سليم سلام عضو البرلمان العثماني. ولقد اشتهر صائب سلام بقرنفلة بيضاء في سترته وسيجار في يده، وبشعاره «لا غالب ولا مغلوب»، الذي يكاد يختصر تاريخ لبنان السياسي في محطات عدة. اليوم، لا يزال شعار صائب بيك هو القاعدة، فتكليف نجله البالغ من العمر 68 سنة، يأتي على القاعدة عينها: «لا غالب ولا مغلوب»، في ظل توازنات لبنانية طائفية وسياسية دقيقة وانقسامات تعصف بالمنطقة. ويعكس الإجماع السياسي على تكليفه تشكيل الحكومة المقبلة التي اخترع لها شعار «حكومة المصلحة الوطنية» إجماعا ضمنيا على الحاجة الماسة إلى خط الاعتدال عشية استحقاقات كبرى، ليس أولها الانتخابات النيابية.

الباحث في سيرة سلام الذاتية لن يعثر إلا على مواقف معتدلة وخطاب متزن وعقلاني وإرث سياسي غني. صحيح أنه فاز على لائحة «14 (آذار) » النيابية عام 2009، لكنه لم ينفعل يوما ولم يصدر عنه أي موقف حاد أو عالي النبرة، لا سيما في ما يتعلق بسلاح حزب الله وأزمة سوريا.

فاز سلام بعضوية المجلس النيابي اللبناني عام 1996 بالتحالف مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، ثم خسر مقعده في انتخابات عام 2000، نتيجة خلاف مع الحريري الأب. ثم عزف عن المشاركة في انتخابات عام 2005 ليعود مجددا إلى المجلس النيابي عام 2009 على لائحة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، قبل أن يعينه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وزيرا للثقافة في حكومته الثانية إثر «تسوية الدوحة» عام 2008.

تلقى تمام سلام دروسه الابتدائية في مدرسة الليسيه الفرنسية وبيت الأطفال - المقاصد قبل أن ينتقل إلى مدرسة برمانا العالية (برمانا هاي سكول)، وأنجز دراساته العليا في الاقتصاد وإدارة الأعمال في بريطانيا عام 1968. في عام 1983، خلف سلام والده في رئاسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية‌ التي تعنى بالتربية والتعليم ورعاية الأيتام والتطبيب، وهو الآن رئيسها الفخري. كما أسس جمعية كشافة المقاصد الإسلامية والدفاع المدني المقاصدي. فور تكليفه، زار سلام، المتزوج من لمى بدر الدين وهو أب لثلاثة أولاد، والدته التسعينية في قصر المصيطبة، وقبل يديها أمام عدسات المصورين قائلا: «عدت إلى داري، إلى منزل أهلي، إلى حيث تربيت وترعرت، إلى حيث نشأت في أجواء وطنية وأول ما أقوم به بعد التكليف هو أخذ بركة أمي».