نائب كردي بارز في البرلمان العراقي: أميركا أول من عارضت حقنا في تقرير المصير

محمود عثمان: المحيط الإقليمي لا يدعم تشكيل الدولة الكردية

TT

في خضم تصاعد الأزمة السياسية بين بغداد وإقليم كردستان، وردت إشارات من الزعيم الكردي مسعود بارزاني مغلفة بعبارات مبهمة حول إعلان تشكيل الدولة الكردية. وهذه إشارات تعود إلى ما قبل عيد نوروز من العام الماضي عندما بدأت الأزمة تشتد، وبدأ بارزاني يتحدث عن خيارات أخرى لحسم النزاع بين الإقليم وبغداد، ولكن وتيرة التصريحات تصاعدت مؤخرا مع إعلان قيادة الإقليم لموقفها بسحب الوزراء والنواب الكرد من بغداد، ما عده المراقبون خطوة تسبق إعلان الدولة المزعومة، حتى أن نوابا أكرادا تحدثوا بصراحة عن هذا الخيار، ونقل عنهم أن هذا الموضوع تم بحثه كأحد الخيارات خلال اجتماع بارزاني الأخير مع الكتلتين الوزارية والبرلمانية الكردية، لكن القيادي الكردي البارز محمود عثمان الذي شارك في تلك الاجتماعات أكد أن الحديث عن خيار الدولة لم يجر مطلقا داخل تلك الاجتماعات، بل على العكس أكد بارزاني على مبدأ الحوار والتفاوض لحل الخلافات مع بغداد.

وأعرب عثمان الذي يمارس السياسة منذ أكثر من نصف قرن بكردستان في حوار مع «الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن القيادة الكردية لن تلجأ إلى بديل للانسحاب من العملية السياسية في العراق، بمعنى (تشكيل الدولة الكردية) إلا بعد تلقي ضمانات دولية وإقليمية بدعم هذا التوجه، لأنها لا تريد أن تكرر أخطاء الماضي، وأنا أعتقد أن الظروف الدولية والإقليمية غير مهيأة حاليا لهذا الأمر رغم أن تشكيل الدولة الكردية حق من حقوقنا المشروعة مثل سائر الشعوب الأخرى، ولكن الحلم شيء، وتحقيقه شيء آخر.

واستذكر القيادي الكردي موقف الأميركيين عندما كتب الدستور العراقي من مطلب إدراج حق تقرير المصير، وقال: «عندما كنا في بغداد إثر سقوط النظام السابق ونسعى لبناء الدولة، شاركنا في كتابة الدستور الحالي، وحاولنا أن ندرج حق تقرير المصير كنص بالدستور، ولكن أول من عارضوا هذا التوجه هم الأميركيون الذين كان لهم دور أيضا في صياغة هذا الدستور، ولذلك حاولنا أن نبقى في إطار العملية السياسية، وأن نسعى لتثبيت مطالبنا القومية في هذا الدستور، فالأميركيون يؤكدون دائما علينا أن نبقى في إطار العراق ويؤكدون على وحدته، ولذلك ليس هناك أي خيار مطروح حاليا للانسحاب من العملية السياسية بالعراق، بل سنسعى لحل مشكلاتنا وفقا للدستور والاتفاقات السابقة».

وحول ما إذا كانت الزيارة الأخيرة لوفد التحالف الوطني الشيعي قد أحدث انفراجا في الأزمة، قال عثمان: «كانت الزيارة إيجابية وتشكل خطوة إلى الأمام، وسألوا عن محتوى الرسالة المرتقبة من قيادة الإقليم، واقترحوا أن نجري حوارا مباشرا بدل تبادل الرسائل، وسينقلون وجهات نظرنا إلى قياداتهم في بغداد، وننتظر الخطوة اللاحقة منهم».

وبسؤاله عما إذا كانت تلك الخطوة تعني لقاء قمة بين المالكي وبارزاني، قال: «يجب أولا أن ننتظر نتائج الحوارات، وأقترح أن تكون بين هيئات مختصة بالحوار، ثم يجب أن نلمس تغييرا في سياسات المالكي الذي عليه أن يراجع حساباته، لأن سياساته في الفترة الأخيرة كانت غير ناجحة، وفشل في معالجة مشكلاته مع السنة ومع الكرد أيضا، بل هناك مشكلات داخل تحالفه الوطني فشل في احتوائها، وهذا لا يعني بأننا لم نرتكب أخطاء أيضا، بل نحن نتحمل جزءا من المشكلة وكذلك الكتل الأخرى، عليه يجب على الجميع أن يراجع سياساته ومواقفه، والالتزام بالدستور هو الطريق الأمثل للتوصل إلى تفاهمات لحل مشكلات البلد».

وعن التغيير الذي حصل في موقف المالكي تجاه إقليم كردستان قال عثمان: «أعتقد أن الأزمة السياسية تعقدت بما فيه الكفاية، وهي ناجمة عن تراكمات سابقة، خصوصا وأن الحكومة الحالية التي يرأسها المالكي تحولت منذ بداية تشكيلها عام 2010 إلى حكومة أزمات، وكنت أنا في البداية مع تشكيل حكومة الأغلبية، خصوصا وأن الكتل السياسية كانت منذ البداية لم تكن على توافق، وتنبأت بأن مصير هذه الحكومة سيؤول إلى الفشل، ومع ذلك فقد رضخنا للأمر الواقع بسبب إصرار إيران وأميركا على المالكي، فالإيرانيون رأوا في المالكي خير من يحافظ على مصالحهم ونفوذهم في العراق، والأميركيون دعموا المالكي لأنهم خافوا أن يرشح التحالف الوطني شخصا آخر يكون أكثر ولاء من المالكي لإيران، وعلى كل حال لم تبق إلا فترة قليلة وسندخل انتخابات جديدة التي قد تغير المعادلة القائمة حاليا، والمشكلة أن هناك من حاول ويحاول ممارسة سياسة كسر الإرادات ولي الأذرع، وهذه سياسة لن تنجح، وخصوصا بالنسبة لنا كشعب كردي، لأن النظام السابق اقترف أبشع جرائم الإبادة الشاملة ضدنا، ولكنه فشل في كسر إرادتنا الشعبية، وأعود لأؤكد أن الحوار هو الطريق الأمثل لحل مشكلات البلد، وعلى المالكي أن لا ينخدع بدعم إيران وأميركا له، لأنه بالمحصلة سيحتاج إلى العراقيين لينتخبوه رئيسا عليهم».

وبسؤاله عما إذا كان الوضع السياسي الحالي يساعد المالكي على الترشح لولاية ثالثة، قال عثمان: «لحد الآن نجح المالكي بكسب المؤيدين له لأنه يملك المال السلطة، ونجح أيضا في شق صفوف القائمة العراقية وهي تمثل مكونا مهما في العراق، ومع ذلك أعتقد أنه من دون إقناع الآخرين من المكونات العراقية سيكون من الصعب عليه إدارة البلاد بولاية ثالثة، وعلى العموم الانتخابات الحالية لمجالس المحافظات ستظهر لنا نتائجها مدى قوة المالكي، وستكون اختبارا له لخوض الانتخابات القادمة من أجل ولاية ثالثة».