الأمين العام لـ«الاتحاد من أجل المتوسط»: يجب الكف عن القول إن «المتوسط» سراب وغير موجود

مسؤول أوروبي يقترح إنشاء منظمة إقليمية تروم إطلاق حوار بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في المنطقة المتوسطية

نجاة بلقاسم فالو، وزيرة المرأة والناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، تلقي كلمة في الجلسة الختامية لمنتدى «أنا ليند» في مارسيليا أمس («الشرق الأوسط»)
TT

طغت كلمات من قبيل «الكرامة» و«العدالة» و«الديمقراطية» و«الحرية» على خطاب الشباب والنشطاء والمسؤولين المشاركين في «منتدى أنا ليند» حول المجتمع المدني في البحر الأبيض المتوسط، الذي أنهى أشغاله أمس في مدينة مارسيليا الفرنسية أمس.

وتحول قصر فارو المطل على ميناء مارسيليا القديم خلال الأيام الثلاثة الماضية إلى خلية نحل تعج بالحركة من أجل بحث قضايا المجتمع المدني في المنطقة، بما فيها قضايا المرأة والإعلام والديمقراطية والتربية والثقافة والمرأة والشباب والتعددية. وقال ستيفان فولي، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع وسياسة الجوار، إنه منذ عام 2011 «سمعنا مناداة متواصلة بالكرامة والحرية في كل الدول العربية، وشهدنا تحولا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، مشيرا إلى أن التغييرات في العالم العربي «تقدم فرصا تاريخية لشركائنا في الاتحاد الأوروبي للانتقال إلى سياسة جوار واستقرار وسلام». وقال المسؤول الأوروبي إن التغييرات التي عرفها العالم العربي هي درس تاريخي يجب أن نتعلم ونستخلص منه العبر. وزاد قائلا «إن الانتفاضات بينت أن بلدان ضفتي المتوسط توجد في منعطف، وبالتالي لا بد من إعادة التفكير في العلاقات بين الضفتين، وتقييمها، واعتماد الشراكات السليمة من أجل المنطقة، ومن أجل النهوض بمجتمعاتنا».

وأشار فولي إلى أنه من الممكن «الخروج من الظلام نحو فجر جديد، وأن نكون شهودا على الجهود الشجاعة الهادفة إلى تغيير مجتمعاتنا». وقال إن التحديات الإقليمية تستدعي حلولا إقليمية. وأوضح فولي أن الحوار يحتاج إلى مزيد من الإرادة السياسية والاجتماعية التي ينبغي أن تقوم «على قابلية الاستماع إلى الآخر، والقضاء على سوء الفهم والأفكار المسبقة، والاعتراف المتبادل بين بعضنا البعض». وقال فولي إن الحوار بين الثقافات ينبغي أن يستمر حتى ينهض بالتنوع الثقافي، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي هو المثل الحي للطموح القاضي بجمع الشعوب في إطار مصير مشترك، مع تجاوز كل الفروقات.

وذكر فولي أن الرسالة «التي وجهتها إلينا الشعوب كانت واضحة، وأن الاتحاد الأوروبي أصبح يركز على الجمعيات المدنية التي أصبح صوتها مسموعا، وأقام اتصالات معها». واعتبر فولي أن دور المجتمع المدني يكمن في توليد الأفكار، وإرساء الجسور بين المجتمع والسلطة، مشيرا إلى أن منظمات المجتمع المدني بإمكانها العمل بشكل مستقل، وتكون هي العيون والآذان الخارجية التي تراقب ما يجري، وتسهم في دعم القيم الأساسية التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي. وشدد فولي على ضرورة تعزيز الحوار المهيكل والنشط بين المجتمع المدني والحكومات من أجل التوصل إلى حكامة أفضل، وعملية سياسية أكثر شفافية، وقال «نحن نشجع البلدان على إقامة حوار منظم مع المجتمع المدني لمناقشة الإصلاحات». وفي هذا السياق، اقترح فولي إنشاء منظمة إقليمية تروم إطلاق حوار إقليمي بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وتساعد على النهوض بحوار سياسي بين مكونات المنطقة.

أما فتح الله السيجلماسي، الأمين العام لـ«الاتحاد من أجل المتوسط»، فقال «يجب أن نعي تماما ونفهم ونتفهم ما حصل في المنطقة، نظرا لأن ذلك يعتبر مصدر إلهام ومنبع تفاؤل بدربنا المشترك في المستقبل». وأشار إلى أنه يجب الكف عن القول إن المتوسط غير موجود. وقال إن منتدى مارسيليا شاركت فيه مكونات «المتوسط» بكل أشكالها. وتطرق السيجلماسي إلى ما قاله فولي من أن التحديات الإقليمية تستدعي حلولا إقليمية، وقال «أنا مغربي، وأمي فلسطينية، وبالتالي أنا ابن المتوسط، ودرست في فرنسا، وأقيم في إسبانيا». وزاد قائلا «إنني أتأكد كل يوم، وكلما تصاعدت وتعقدت التحديات، وكلما كانت هناك انزلاقات تهدف إلى التقوقع على النفس، أن الحلول الإقليمية تفرض نفسها أكثر فأكثر». وقال السيجلماسي إن هذا الإطار المتوسطي رغم كل ثغراته ومهما شكا من نواقص، فانه يبقى موجودا، ودعا مجددا إلى الكف عن القول إن «المتوسط» سراب، وإنه غير موجود.

أما نجاة بلقاسم فالو، وزيرة المرأة والناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، فألقت مرافعة بشأن ما تقوم به الحكومة الفرنسية إزاء المرأة وحريتها، مشيرة إلى أن الحرية مسألة بديهية ويجب الحفاظ عليها. وقالت الوزيرة فالو «إن نضالنا من أجل وضع حد للتفاوت بين المرأة والرجل هو نضال كوني».

تجدر الإشارة إلى أن منتدى مارسيليا شاركت فيه 500 امرأة من 50 بلدا.

وبدوره، قال أندريه أزولاي، رئيس مؤسسة أنا ليند، في كلمة ختامية مخاطبا الحضور «أهنئكم، لقد أسهمتم هنا في مارسيليا في كتابة التاريخ، نظرا لأنه لأول مرة كان المجتمع المدني هو المحرك». وأضاف «لقد اجتمع المجتمع المدني لأول مرة مع المنتخبين والمسؤولين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما اجتمع مع أهم قادة المناطق الكبرى المتوسطية».

وذكر أزولاي أنه حضر قمة رؤساء البرلمانات في الدول المتوسطية التي انطلت الليلة قبل الماضية، ولمس أنه بفضل المجتمع المدني ومؤسسة أنا ليند تم التمكن من اجتياز المرحلة الواعدة للمتوسط. وزاد قائلا «لقد سمع صوتكم لدى رؤساء البرلمانات المتوسطية، وأخذ بعين الاعتبار. توصياتنا اليوم يستمع إليها».

وفي سياق ذلك، قال أزولاي «إنني لا أقول إننا في المغرب العربي مرشحون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكننا في مارسيليا انخرطنا في دينامكية وأفق أمل يسمح لي بأن أقول لأولادي وأحفادي إننا سنخلق مجالا ما. وهذا ما سيفرض نفسه علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى». وأوضح أزولاي أنه ينبغي لـ«المتوسط» أن يكون يوما ما مجالا من أجل الرجال والنساء وليس فقط مجالا للتبادل الحر. وأضاف أن التاريخ «يطرق بابنا، والتغيير ممكن، والبناء ممكن أيضا أكثر من أي وقت مضى». وخلص إلى القول «اليوم بإمكاننا أن نتكلم عن مواطنية المتوسط، والمتوسط المواطن».

أما أندرو كلاريه، المدير التنفيذي لمؤسسة أنا ليند، فقال إن المنتدى كان مناسبة لتبادل الآراء بكل حرية حول دور الشباب، وتوطيد الروابط بين المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية. وأشار إلى أهمية الحوار الذي جرى الليلة قبل الماضية بين مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي، وستة من الشباب المنتمين إلى جمعيات المجتمع المدني في العالم العربي، وهو الحوار الذي شارك فيه عدد من رؤساء البرلمانات العربية ضمنهم مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي التونسي.

وأشار كلاريه إلى أن كلمات من قبيل «الكرامة والديمقراطية والحرية والعدالة» كانت على لسان الجميع في منتدى مارسيليا. وكشف كلاريه أن مؤسسة أنا ليند تعتزم وضع برنامج خاص عن المجتمع المدني السوري. وأشار إلى أن المنتدى ركز على الحوار بين الثقافات من أجل حث المجتمعات على العمل معا. وتحدث عن أنشطة المنتدى التي من شأنها أن تقرب بين شعوب المتوسط، وقال إن المؤسسة ستعمل على وضع تأشيرة دخول خاصة لانتقال المشاركين في هذه الأنشطة. كما دعا إلى اعتماد التشريعات التي تسعى لبناء مجتمع مدني قوي وصلب.