قمة مرسيليا «من أجل المتوسط» تركز على النقاط الجامعة وتتحاشى القضايا الخلافية

رغم تحفظات البعض وغياب لبنان وسوريا وإسرائيل

TT

غاب لبنان وسوريا وإسرائيل عن قمة رؤساء برلمانات الاتحاد من أجل المتوسط التي التأمت للمرة الأولى بناء على دعوة من رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، وخرج المؤتمرون الذين يمثلون 42 بلدا فضلا عن اتحاد البرلمانات العربية والبرلمان الأوروبي بـ«إعلان مرسيليا» وهو من صفحتين ويتضمن الكثير من النوايا الحسنة والوعود وبحد أدنى من السياسة.

واعترف شولتز، في الكلمة الختامية للقمة التي استضافتها «الفيللا المتوسطية» المطلة على مرفأ مرسيليا، بأن المجتمعين أرادوا التركيز على النقاط «الجامعة» وتحاشي القضايا الخلافية والدخول في التفاصيل خصوصا في الملف الفلسطيني؛ «حيث من الصعب إيجاد اتفاق بين الأطراف المشاركة». وكان بذلك يرد بشكل خاص على مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي التونسي الذي انتقد اللغة التي صيغت بها الفقرة الخاصة بفلسطين وبالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وتساءل بن جعفر عن «السر» الذي يجعل البيان الختامي «يحجم عن تسمية الأشياء بأسمائها حيث مفاوضات السلام معطلة بسبب الاستيطان الإسرائيلي وغياب الرغبة الإسرائيلية في التوصل إلى حل». وطالب بن جعفر بإدخال تعديل على مشروع البيان الختامي ينص صراحة على حل الدولتين ويدعو إسرائيل إلى إطلاق سراح النواب الفلسطينيين المعتقلين مع اعتماد لغة مختلفة إزاء تحولات الربيع العربي الديمقراطية التي تكتفي فقرة البيان الأولى بالتعبير عن «قلق المؤتمرين» إزاء التحديات التي تطرحها. ودعا مندوب بلجيكا كذلك إلى إخلاء سبيل النواب الفلسطينيين المسجونين منذ سنوات.

وكشفت مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط» أن غياب إسرائيل مرده رغبتها في «تحاشي التعرض لانتقادات شديدة» في المحافل الأورو – متوسطية، بينما الغياب اللبناني يعود «لتعقيدات السياسة اللبنانية» في المرحلة الحالية. ولم ترصد حول الطاولة مقاعد للبنان وسوريا وإسرائيل.

وصدرت عن عدد من رؤساء البرلمانات أو نوابهم مقترحات لتعديل البيان الختامي منها ما اقترحه نائب رئيس البرلمان الأردني من تشكيل لجنة تزور الأردن للاطلاع على الحاجات الطارئة المتأتية عن تدفق آلاف السوريين والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والحياتية والمدرسية والطبية والسكنية التي تشكلها على المجتمع الأردني. وتريد عمان «توزيع المسؤولية» وتوفير الدعم لها لتمكينها من «الاستمرار في لعب دورها بكفاءة». وذهب مندوب مصر إلى مطالبة أوروبا بمساعدة السلطات المصرية على استعادة الأموال التي هربها النظام السابق. وفي حين تحفظ مندوب ألمانيا عن «الوعود الطنانة» التي يفضي عدم الالتزام بها إلى مزيد من الخيبات، شكك مندوب الدنمارك في إمكانية إنشاء بنك التنمية. ورد شولتز على المقترحات بأن وعد بتحويلها إلى الجمعية البرلمانية الأورو - متوسطية التي ستلتئم الأسبوع المقبل في بروكسل.

غير أن هذه التحفظات لم تفسد، في نظر كثيرين من الحضور، على القمة أهميتها التي وصفها شولتز بأنها «فريدة من نوعها». وزايد عليه رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية كلود برتولون بقوله إنها «لحظة تاريخية» تمت فيها «استعادة المبادرة» وتوفير انطلاقة سياسية جديدة للاتحاد المتوسطي عبر البوابة البرلمانية. وحظيت الأمانة العامة للاتحاد في برشلونة بكثير من الإشادة بسبب العمل الدؤوب الذي تقوم به والتحضير للمشاريع المشتركة التي سيتم العمل على البدء في تنفيذها هذا العام. وقال آندريه أزوليه، مستشار ملك المغرب ورئيس مؤسسة «أناليند» إن ما حصل في مرسيليا «خروج من المسار السياسي المشلول» وأسبوع «استثنائي» خصوصا لجهة اجتماع 1550 مسؤولا عن منظمات غير حكومية نصفهم من النساء.

ولكن ماذا بعد مرسيليا؟ الإعلان الذي صدر أمس ليس له قيمة تنفيذية بل هو «توصيات استشارية» وفق تعبير شولتز الذي أعلن أنها ستنقل إلى الحكومات والهيئات التنفيذية الأوروبية.

أما كلود برتولون، رئيس البرلمان الفرنسي، فقد قال لـ«الشرق الأوسط» على هامش الاجتماع إن ما سيبقى منه هو «التعبير عن إرادة للعمل المشترك بين البرلمانيين للمساعدة على ولادة العالم الجديد» المتوسطي والتخفيف من «القلق» الذي ينتاب بعض المجتمعات عبر «التركيز على ما تحمله هذه الولادة من وعود وليس على ما تتضمنه من تهديدات». ورأى برتولون أنه يتعين على أوروبا، رغم أزماتها المالية والاقتصادية، أن «تهتم» بالعالم المتوسطي ومساعدته على النمو وتحقيق التوازن الاقتصادي لأن «مصلحتها» تفرض عليها هذا النوع من المبادرات. واعتبر أخيرا أن إعادة إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط يمكن أن تكون «عنصرا مساعدا» في البحث عن حلول للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ودعا إعلان مرسيليا إلى توفير الدعم للبرلمانات في دول التحول الديمقراطي شرق وجنوب المتوسط من أجل إرساء أسس حياة برلمانية ديمقراطية حقيقية. كما حث على مساعدة بلدان جنوب المتوسط على تعزيز اللامركزية المناطقية باعتبارها أحد أوجه دعم المشاركة الديمقراطية، وعلى تحقيق الاندماج الإقليمي بالتركيز على مشاريع البنية التحتية وفي مجالات البيئة والطاقة والعمالة والتعليم.

وحث الإعلان أمانة الاتحاد من أجل المتوسط على توثيق التعاون مع المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص لتوفير التمويل الضروري للمشاريع المقررة وتعزيز التعاون الجامعي والشبابي بين ضفتي المتوسط.

ولم يحدد أي تاريخ للقمة المقبلة لرؤساء البرلمانات الأوروبية والمتوسطية.