الصين تشجع دفن الموتى في البحر بسبب قلة الأراضي

السلطات تقدم تحفيزات مالية لتفادي تفاقم أزمة نقص القبور

TT

باتت الحياة في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، صراعا دائما على الموارد: المال والعقار وحتى الأزواج. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى الموت.

شهدت أسعار القبور في الصين ارتفاعا صاروخيا، يقودها في ذلك عقود التنمية الجامحة وندرة الأراضي في المدن، وكان الرد الحكومي على هذا اللغز: الدفن في البحر. ويحاول المسؤولون الصينيون الترويج بقوة لخيار القبور المائية من خلال تقديم حوافز مالية كبيرة، ونشر قصص موجهة في الإعلام الرسمي - إلا أنها لم تحظ سوى بقدر محدود من النجاح. لكن الكثير من الحكومات المحلية ادخرت أفضل عروضها لهذا الأسبوع، الذي يوافق احتفال شنغمنغ، الذي تتوجه فيه العائلات الصينية على مستوى البلاد إلى قبور أسلافهم.

ففي مدينة غوانغزهو عاصمة مقاطعة غواندونغ، أعلن المسؤولون مؤخرا عن حافز بقيمة 160 دولارا للعائلات التي تنثر رماد موتاها في البحر، وفي شنغهاي رفع المسؤولون الحافز من 65 دولارا العام الماضي إلى 320 دولارا، لكن المدن الساحلية فاقت هذه العروض حيث عرضت مدينة شاوتشينغ 800 دولار فيما عرضت مدينة وينزهو 1290 دولارا، للدفن في البحر.

ولإضفاء مزيد من الجاذبية على العرض، تعمل الحكومة على توفير وسائل المواصلات شاملة رحلات القارب المدفوعة الأجر.

وتغذي هذه الرغبة الكبيرة لدى المسؤولين المخاوف من نشوب حالة فوضى في حال نفاد مناطق القبور، وهو أمر مؤكد ستواجهه الصين خلال السنوات المقبلة، بحسب تقارير صدرت مؤخرا.

ويقضي القانون الصيني بحرق الجثث في المدن، في محاولة لخفض المساحة لكن نقص الأراضي سيؤدي إلى استثمارات محفوفة بالمخاطر حتى بالنسبة للقبور الصغيرة التي عادة ما يوضع فيها هذا الرماد.

ويصل سعر القبر الواحد في أرخص مناطق الدفن في بكين الأكثر إقبالا إلى أكثر من 16,000 دولار، وتشير وسائل الإعلام الصينية إلى أن سعر القبر الفاخر بلغ نحو 129,000 دولار. ونتيجة الطلب غير المحدود على القبور، تباع الكثير منها برسوم إصلاحات مرتفعة للغاية بعد عقد إيجار لمدة 20 عاما، وضمانات بالطرد في حال العجز عن السداد.

يتوقع أن تزداد الأوضاع سوءا بزيادة السكان كبار السن في الصين، حيث سجل عام 2011 وفاة 9.6 مليون شخص، وتوقع التقرير الحكومي الذي صدر الأسبوع الماضي وصول عدد الوفيات في عام 2025 إلى نحو 20 مليون شخص. وأشار التقرير الذي أصدرته وزارة الشؤون المدنية إلى أن أغلب المحافظات ستخلو من أماكن الدفن خلال السنوات العشر المقبلة، فيما تواجه مقاطعات مثل شانتشي وشاندونغ وغواندونغ هذه المشكلة في فترة قد لا تتجاوز الخمس سنوات.

وقد صرح قادة بكين مؤخرا للإعلام الرسمي للدولة أنهم يخططون لتقليص مساحات القبور هذا العام، من الحد الحالي بمتر مربع للشخص، لزيادة احتياطياتهم من المقابر. وفي ظل هذه الأوضاع بالغة الصعوبة بدأ المسؤولون المحليون الترويج لفكرة الدفن في البحر خلال السنوات القليلة الماضية، وتشبه النسخة الحكومية الممولة منها - التي تقدمها غالبية المدن الكبيرة - رحلة بحرية لنصف يوم.

وفي صباح يوم الدفن تستقل عشرات العائلات الحافلات الجماعية إلى رصيف الميناء، برفقة الرماد. وفي البحر يقوم منظم الطقوس بعمله المعتاد، ثم يقود الأقارب في الرفات بالزهور وفي منطقة محددة يتم نثر الرماد من على متن القارب.

ويبدي المنتقدون قلقا من ضياع التقاليد ومعنى طقوس تكريم الأسلاف نتيجة المبادرات الحكومية. ويقول وهو تشياوزهنغ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بكين: «الصينيون من عرقية الهان يدفنون موتاهم منذ آلاف السنين، ومن الخطأ أن نروج للدفن في البحر. الاقتصاد في الأراضي ينبغي أن لا يكون عامل الحسم في كيفية اختيار شخص لطريقة دفنه. أرض الصين ملك لكل الصينيين، لماذا نحرمهم من الحصول على متر واحد يرقدون فيها عند موتهم».

لم تكن هي المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة التحكم في مواطنيها بعد الموت، فبعد استيلاء الشيوعيين على السلطة عام 1949، سويت ملايين القبور بالأرض في السنوات التالية وتم تحويلها إلى مزارع، واعتبرت مراسم الدفن من بقايا خرافات الإقطاع، والنعوش إهدارا للأخشاب والمقابر إهدارا للأراضي الزراعية.

تم التشجيع على حرق جثث الموتى، إلى درجة أن البعض اعتبر ذلك عملا وطنيا، كما أن زعيم الحزب الشيوعي ماو تسي تونغ أعلن عن رغبته في حرق جثمانه (إلا أنه تبين فيما بعد أن خلفاءه قاموا بتحنيط جثته كي تعرض بشكل دائم في ميدان تيانمين).

وعلى الرغم من جعل القوانين حرق الجثث أمرا شبه عادي في المدن، لم تجد مبادرات الدفن الحكومية الجديدة النجاح ذاته. ومند إعلان مقاطعة غوانغزيهو هذا العام عن المكافأة التي تصل قيمتها إلى 160 دولارا، لم يبد سوى عدد قليل لا يتجاوز 20 شخصا رغبتهم في هذه الممارسة. وفي شنغهاي - أول الأماكن التي روجت لفكرة الدفن في البحر في التسعينات - لم تلق هذه الطريقة نجاحا يذكر. ففي عام 2010 وصل عدد الدفن في البحر إلى بضعة آلاف فيما بلغ الدفن في القبور 53,311.

وحاول لو تشونلينغ، رئيس خدمة مستودع الجثث في شنغهاي، خلال لقائه الصحافة المحلية يبدو متفائلا، مشيرا إلى أنه في حال عناية الدولة بالمساحات المتبقية المخصصة للقبور فسوف تنفد هذه الأماكن خلال 15 عاما.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»