عباس يتمسك بموقفه من الاستيطان رغم التركيز الأميركي على بوادر حسن النية

كيري التقى أبو مازن قبل نتنياهو وشارك في إحياء ذكرى الهولوكوست

وزير الخارجية الأميركية جون كيري يتحدث مع مسؤول إسرائيلي قبل المشاركة في حفل تأبين لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة اليهودية في القدس المحتلة أمس (رويترز)
TT

قبل أن يبدأ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لقاءاته في إسرائيل مساء أمس، كشف النقاب عن خلافات جدية داخل الحكومة الإسرائيلية حتى في مسألة مطلب أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية.

وقالت مصادر مقربة من مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إن وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، التي تتولى رئاسة اللجنة الوزارية في الحكومة لإدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، لمحت بالاستعداد للتراجع عن مطلب نتنياهو من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية قبل تجديد المفاوضات السياسية. وبحسب صحيفة «معاريف» فإن هذا الموقف اتخذته ليفني بنفسها، دون إبلاغ نتنياهو بذلك.

ونقلت الصحيفة عن مصدر غربي، وصف بأنه مطلع على الاتصالات الدبلوماسية، قوله إن ليفني اقتنعت بأن الإصرار الإسرائيلي على الشرط المشار إليه قد يؤدي إلى عدم تجديد المفاوضات، وبالنتيجة لم ترفض الموقف القائل إن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل من أبو مازن (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس) في المرحلة الحالية هو الاعتراف بحل الدولتين. وكتبت الصحيفة، أمس، أن الهدف من إصرار نتنياهو على الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية هو منع نشوء وضع، بعد التوصل إلى حل دائم وإقامة دولة فلسطينية، تطالب فيه قيادة الدولة العبرية بالاعتراف بالحقوق القومية للفلسطينيين مواطني إسرائيل، فلسطينيي 48. وأضافت أنه لهذا السبب أيضا يطلب نتنياهو أن يوضح بأن الحل الدائم الذي سيتم التوصل إليه في إطار المفاوضات سيضع حدا نهائيا للصراع.

ونقل عن مقربين من نتنياهو قولهم إنه إذا كانت السلطة معنية بالحصول على «بوادر حسنة» من إسرائيل، مثل إطلاق عدد محدود من الأسرى ولجم البناء خارج الكتل الاستيطانية، عليها أن تعترف أولا بإسرائيل كدولة يهودية. وأضافوا أنه في هذه الحالة من الممكن أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بنشر «بيان حذر» بشأن مكانة الفلسطينيين في القدس. وفي السياق نفسه أكد مصدر سياسي إسرائيلي لـ«معاريف» أن إسرائيل لن تعرض على كيري خريطة حدود للدولة الفلسطينية حسبما طلب أبو مازن كشرط لتجديد المفاوضات. وقال المصدر نفسه: «إن من الجنون أن يتم عرض مثل هذه الخريطة. في الواقع إن الحديث عن تنازل عن الثروة الأهم بيدنا دون أن يلتزم الفلسطينيون بالمفاوضات، ودون الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ودون ترتيبات أمنية». وادعى المصدر نفسه أن السلطة الفلسطينية تبحث عن ذريعة لعرقلة إمكانية تجديد المحادثات.

وكان كيري قد وصل من تركيا إلى إسرائيل الليلة قبل الماضية وتوجه إلى رام الله مباشرة للقاء أبو مازن، ثم عاد لإسرائيل وأمضى جل يومه في المشاركة في إحياء ذكرى المحرقة. وفي المساء أقام نتنياهو على شرفه مأدبة عشاء، اختليا بعدها في لقاء عمل حول المفاوضات. وحرص مسؤولون في مكتب نتنياهو على التأكيد أن المباحثات تناولت قضايا كثيرة وليس فقط مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وشملت العلاقات مع تركيا والموضوع الإيراني والموضوع السوري والعلاقات الثنائية.

وورد في صحيفة «هآرتس»، نقلا عن مصادر فلسطينية، أن إسرائيل هي التي تمارس الضغوط لتعديل المبادرة العربية، لتشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، ولتضمن علاقاتها الأمنية مع الدول العربية.

وفي رام الله تكتمت السلطة الفلسطينية على نتائج زيارة كيري إلى رام الله ولقائه مع أبو مازن، غير أن مصادر أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الوزير الأميركي يدفع باتجاه استئناف المفاوضات، مقابل بوادر حسن نية إسرائيلية من شأنها تقوية السلطة ماليا وأمنيا وتوسيع نطاق نفوذها على الأراضي الفلسطينية.

ووفق المصادر فإن إسرائيل تطرح توسيع مناطق «أ» التي تسيطر عليها السلطة، وفتح مقار شرطية جديدة في مناطق «ب» التي يفترض وفق تفاهمات ما بعد أوسلو أن تكون خاضعة لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارة مدنية فلسطينية، والبناء وفتح طرق في مناطق «ج» الخاضعة لسيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية. لكن السلطة تريد أكثر من ذلك، إذ يصر أبو مازن على تجميد الاستيطان وإطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو، وإدخال أسلحة خاصة بها من الأردن والانتظام في تحويل الأموال.

وقالت المصادر إن السلطة تعتبر هذه المبادرات التزامات إسرائيلية، وعلى الرغم من أنها تخلق أجواء إيجابية لكنها ليست كافية للعودة إلى المفاوضات.

وكان أبو مازن قد أعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما مهلة شهرين لإقناع إسرائيل بوقف الاستيطان وإطلاق سراح أسرى، قبل أن يتخذ أي خطوات منفردة متعلقة بالانضمام إلى الهيئات الدولية.

وثمة تصور في رام الله أنه يمكن العودة إلى المفاوضات في غضون شهرين بجهود أميركية وأردنية قوية. وحتى ذلك الوقت يبدو أن هناك اتفاقا بالتكتم على تفاصيل المباحثات، لذلك التزم مسؤولون فلسطينيون وأميركيون الصمت في ما يخص تفاصيل لقاء أبو مازن وكيري الليلة قبل الماضية. وقال المصدر إن ثمة اتفاقا ثلاثيا أميركيا - فلسطينيا - إسرائيليا على عدم تسريب معلومات عن المباحثات الجارية حاليا.

ووصف مسؤول أميركي المحادثات بأنها بناءة. وقال في بيان: «بحث الوزير كيري والرئيس عباس خلال الاجتماع الثنائي الطريق إلى السلام واتفقا على مواصلة العمل معا لتحديد أفضل السبل للمضي قدما». وأضافت: «إن المحادثات الموسعة تركزت على القضايا الاقتصادية لكنها تضمنت أيضا نقاشا حول كيفية توفير أجواء إيجابية لمحادثات السلام». وأوضح المسؤول الأميركي أن كيري طلب من المسؤولين الفلسطينيين عدم التحدث في تفاصيل هذا النقاش.

وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، عقب اللقاء في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله: «إن الرئيس عباس كرر الموقف الفلسطيني، وأنه لا يمانع العودة إلى المفاوضات لكن من الضروري وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى، الأمر الذي نعتبره الأولوية الكبرى التي تخلق الجو المناسب للعودة إلى المفاوضات». وتابع القول إن «لقاء عباس مع كيري يأتي في إطار متابعة الاتصالات الفلسطينية الأميركية المستمرة منذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى المنطقة، التي ستستمر خلال الأسابيع القادمة لاستكشاف إمكانية خلق المناخات المناسبة لاستئناف عملية السلام».

وقال نمر حماد مستشار عباس للتلفزيون الفلسطيني بعد الاجتماع إنه لن تصدر إعلانات بشأن نتائج هذه الاجتماعات المؤقتة، ولكن سيكون بمقدور القيادة بعد شهرين من الاتصالات بين الجانبين وأطراف أخرى الإعلان عن نتائج كل هذه الاتصالات.