بريطانيا تودع «المرأة الحديدية».. وإقرار دولي بقوة إرادتها وعزيمتها

تنكيس الأعلام وجنازة رسمية لثاتشر * الملكة إليزابيث حزينة لموتها وأوباما يحيي «صديقة حقيقية» لبلاده

TT

بعد سنوات من اختفائها عن الأضواء مع كبر سنها، عادت «المرأة الحديدية» لتخطف الأنظار ولكن هذه المرة بخبر وفاتها. صباح أمس، تم الإعلان عن وفاة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر التي توفيت عن عمر يناهز 87 عاما. وجاء خبر وفاة ثاتشر عبر متحدث باسم أسرتها، قائلا إن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة توفيت بعد إصابتها بجلطة في المخ.

وأضاف: «ببالغ الأسى أعلن مارك وكارول ثاتشر وفاة والدتهما البارونة ثاتشر في سلام صباح اليوم بعد إصابتها بجلطة».

وثاتشر المرأة الوحيدة التي تولت رئاسة وزراء بريطانيا وقادت حزب المحافظين لتحقيق النصر في ثلاثة انتخابات متتالية لتتولى منصب رئيس الوزراء بين عامي 1979 و1990، وكانت أطول فترة يمضيها شخص واحد في ذلك المنصب ببريطانيا منذ أوائل القرن التاسع عشر.

وسرعان ما توالت ردود الأفعال على وفاة ثاتشر التي قسمت الآراء في حياتها، وبينما عبر الساسة المحافظون عن إعجابهم بسياساتها، عبر آخرون عن اختلافهم في وجهات النظر رغم احترامهم لها. فكان هناك إجماع على أنها كانت من أكثر الشخصيات نفوذا على المملكة المتحدة في القرن الـ20 وأن فترة حكمها ما زالت تلقي بظلالها على بريطانيا اليوم. وأفاد قصر باكينغهام بأن الملكة إليزابيث تلقت بحزن نبأ وفاة ثاتشر وبعثت رسالة عزاء لأسرتها.

وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: «تلقيت ببالغ الأسى نبأ وفاة الليدي ثاتشر. لقد فقدنا زعيمة عظيمة، رئيسة وزراء عظيمة ومواطنة بريطانية عظيمة». وأضاف أن «ثاتشر أخذت بلدا كان راكعا وجعلته يقف على رجليه مجددا». واعتبر كاميرون أن «مارغريت ثاتشر لم تقد فقط بلدنا بل أنقذت بلدنا، وأعتقد أنها ستعتبر أعظم رئيسة وزراء لبريطانيا في وقت السلام»، أي بعد رئيس الوزراء وينستون تشيرتشل الذي قاد بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وأوضح متحدث باسم مقر رئاسة الوزراء في بريطانيا أن كاميرون قطع جولة في عدد من الدول الأوروبية أمس بعد إعلان وفاة ثاتشر، كما أعلن قطع الإجازة الفصلية للبرلمان البريطاني ليجتمع يوم غد لإحياء ذكرى ثاتشر.

وأما سلفه، رئيس الوزراء العمالي توني بلير، فقال في بيان: «قليل من القادة يمكنهم تغيير المسرح السياسي في بلدهم بل العالم، ولكن مارغريت كانت من هؤلاء. كان تأثيرها في العالم واسعا». وأضاف: «حتى إن اختلفت معها، كما اختلفت على قضايا عدة معها، لا يمكنك عدم احترام شخصيتها». وأما السياسي البريطاني اليساري توني بين فلم يخف استياءه من سياسياتها، قائلا: «إنها شنت حربا على الكثيرين في بريطانيا ولا أعتقد أنها ساعدت مجتمعنا».

وبعد أن نكست الإعلام البريطانية فوق القصور الملكية والدوائر الرسمية، أعلنت الحكومة البريطانية إقامة جنازة رسمية لثاتشر، لكنها أوضحت أن الجنازة لن تكون مثل الجنازات الرسمية بكامل مراسمها بناء على رغبة أسرة رئيسة الوزراء السابقة.

وستقام الجنازة في كاتدرائية «سان بول» وسط لندن والتي تخصص للمناسبات رفيعة المستوى، ولكن لم يتحدد بعد موعدها وستنشر التفاصيل تباعا خلال الأيام القليلة المقبلة. وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في بيان «ستوجه الدعوة لعدد كبير ومتنوع من الشخصيات والجماعات الذين لهم علاقة بالليدي ثاتشر». وأضاف البيان: «سيتبع المراسم عملية إحراق (للجثة) في مراسم خاصة. كل الترتيبات الجاري وضعها تجيء بناء على رغبة أسرة الليدي ثاتشر». ومن المتوقع أن تحضر شخصيات بريطانية ودولية رفيعة المستوى الجنازة.

ودوليا، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما من أول المعزين، قائلا إن «مع وفاة البارونة ثاتشر، خسر العالم أحد أبطال الحرية وفقدت أميركا صديقة حقيقية». وأضاف أن «كابنة بقال صعدت لتصبح أول سيدة تتولى منصب رئيس الوزراء، هي نموذج لبناتنا بأنه لا يوجد سقف زجاجي لا يمكن تحطيمه». وتابع «كداعمة وثيقة لتحالفنا عبر المحيط الأطلسي، عرفت أنه مع القوة والعزيمة يمكننا كسب الحرب الباردة ومد وعد الحرية». وتوالت التعازي من الولايات المتحدة حيث تتمتع ثاتشر بشعبية واسعة، إذ قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لقناة «سي إن إن» إن ثاتشر كانت لديها «شخصية شجاعة.. وتعلمت أن على القائد أن يتحلى بقناعات قوية».

وأما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهي أيضا أصبحت أول سيدة تتولى هذا المنصب، فقالت إن ثاتشر «قائدة استثنائية في عالم السياسة الدولية في ذلك الوقت».

وأصدر رئيس الاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، والذي التقاها مرات عدة قبل انتهاء الحرب الباردة، بيانا ينعى ثاتشر التي وصفها بأنها «سياسية رائعة وإنسانة ذكية، ستخلدها ذاكرتنا والتاريخ»، مضيفا أن وفاتها «خبر حزين».

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس إنه لم يلتق بثاتشر بشكل رسمي ولكن «ألهمتني قيادتها».

وأما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس فقال إن «هناك أشخاصا وهناك أفكارا، وأحيانا يجتمع الاثنان لخلق رؤية.. و(ثاتشر) أظهرت إلى أين يمكن أن يتقدم شخص مع قوة الشخصية والعزيمة والرؤية الواضحة».

وكانت هناك تصريحات من جهات لم تتفق مع ثاتشر ولكن قدمت تعازيها لعائلتها والشعب البريطاني. وأصدر حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، الذي كان يقوده نيلسون مانديلا ضد التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية، بيانا جاء فيه «إنها فشلت في عزل العنصرية بعد أن اعتبرت (السياسة) جريمة ضد الإنسانية». وقال ناطق عن الحزب إن ثاتشر «فشلت في الاعتراف بحق المؤتمر الوطني الأفريقي للقيادة، وكانت بعيدة عن رأي الشعب البريطاني في هذه القضية».