إعلان «الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق»

في خطوة تزيد من تعقيد المشهد السياسي بالمنطقة

مقاتلون من جبهة النصرة يرفعون راية حركتهم في صورة أرشيفية تعود إلى يناير 2013 (أ.ب)
TT

في تسجيل صوتي لم يتسن التأكد من مصداقيته، ألغى أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي، اسميا، تنظيمي «دولة العراق الإسلامية» و«جبهة النصرة لأهل الشام»، معلنا في الوقت ذاته ولادة ما سماه «الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق»، في خطوة ستزيد من الارتباك والتعقيد في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.

ودعا البغدادي في كلمة صوتية بثتها «مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي» التيارات الإسلامية «المقاتلة» في كلا البلدين، التي اسمها «المجاميع الجهادية»، إلى التخلي عن أسمائها والانصهار في تنظيمه الجديد، معللا ذلك بالقول إن الضرورة الشرعية الأسمى الآن هي الانضمام إلى ما هو «على درجة أعلى من النمو والسمو»، في إشارة إلى دولته المزعومة.

وخص البغدادي «جبهة النصرة» بقسم كبير من كلمته، مدعيا أن «النصرة» ولدت من رحم «دولة العراق الإسلامية»، ومضيفا: عندما «تخلى أهل الأرض عن نصرة أهل الشام، انتدبنا (الجولاني) ومعه مجموعة من أبنائنا، ودفعنا بهم من العراق إلى الشام على أن يلتقوا بخلايانا في الشام، ووضعنا لهم الخطط، ورسمنا لهم سياسة العمل، ورفدناهم بما في بيت المال مناصفة في كل شهر، وأمددناهم بالرجال ممن عرفوا ساحة الجهاد، فأبلوا إلى جانب إخوانهم من أبناء الشام الغيارى أيما بلاء».

وتأتي رسالة البغدادي لتؤكد شكوك المحللين والمراقبين حيال العلاقات الوثيقة بين «النصرة» و«دولة العراق الإسلامية»، لكن المعارضة السورية، اعتبرت هذا الإعلان «فبركة استخباراتية بهدف الأضرار بالثورة السورية». وقال عضو المكتب التنفيذي بالمجلس الوطني السوري وعضو الائتلاف السوري المعارض أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن هذا البيان هدفه الأضرار بالثورة السورية وبالمواجهة التي يخوضها الشعب مع النظام، بعد وصولها إلى منعطف هام يكاد يحسم المعركة لصالح الشعب».

ولفت رمضان إلى «إننا لم نسمع جبهة النصرة تتحدث عن الأمر»، مشددا على أنه «يتوجب عليها أن تصدر بيانا تعرف فيه عن نفسها، يصدر من داخل الأراضي السورية، وليس من دولة خارج الحدود». وقال: «لا نستطيع أن نحكم على هذا الإعلان قبل إصدار جبهة النصرة بيانا لتوضيحه، لأنه لم نسمع من مسؤول في جبهة النصرة أن المجموعة تمثل تنظيم القاعدة في سوريا».

يشار إلى أن البغدادي علل سبب التكتم عن مرجعية جبهة النصرة لما وصفه بـ«الأسباب أمنية، وحتى يرى الناس حقيقة الدولة بعيدا عن تشويه الإعلام وتزويره وتزييفه».

و«النصرة» هي منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر سنة 2011، وقد وصفت في بداية الثورة السورية بـ«صنيعة النظام» لأنها اعتمدت العمليات الانتحارية كمنهج لها، بينما كان السوريون يصرون على مبدأ السلمية ورفض حمل السلاح، لكن المنظمة أصبحت محط استحسان الشارع السوري بعد معارك حلب وبعد إدراجها على لوائح المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة.

ولم يقلل البغدادي من أهمية ما يقوم به «المجاهدون العاملون» أيا كان انتماؤهم، لكنه شدد على أن «أهل السبق عملوا على تجميع شتات من يتوسم فيهم الخير والصلاح والصدق في نصرة دين الله»، واصفا هذا العمل بـ«الخطوة الأولى الموطئة والممهدة» لمشاريع أكبر قال عنها إنها «أسماء جديدة تحمل عبق الإسلام في توسعه وفي امتداده وانتشاره»، وتعيد للأمة الأمل في العودة إلى ما كانت عليه، وفقا لقوله.

وسمى البغدادي هذه العملية بـ«الارتقاء الجهادي،» وضرب مثلا عليها سيرة أبو مصعب الزرقاوي (1966 - 2006) «الارتقائية» من «تنظيم التوحيد والجهاد» الذي شكله في حقبة التسعينيات في أفغانستان، مرورا بانضمامه إلى «الدائرة العالمية للجهاد» عبر إعلانه قيام تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ومن ثم لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، لينتهي المطاف بالزرقاوي في «مجلس شورى المجاهدين».

وبعد ساعات من إعلان أمير تنظيم القاعدة في العراق تبني جبهة النصرة في سوريا، أعادت قيادة الجيش الحر تأكيدها بأن لا صلة تربطها مع «النصرة»، وقال المنسق الإعلامي والسياسي للجيش الحر لؤي مقداد إن «جبهة النصرة لا تتبع للجيش الحر. ولا يوجد قرار على مستوى القيادة بالتنسيق معها»، لافتا إلى أن «هناك واقعا ميدانيا يفرض نفسه أحيانا، فتلجأ بعض الفصائل على الأرض إلى التعاون مع الجبهة في بعض العمليات».

ووفقا للشريط المنسوب لأبو بكر فإن المرحلة النهائية في «الترقي» كانت على يد الأنصاري أبو عمر البغدادي ووزير حربه المهاجر أبو حمزة المصري اللذين أعلنا في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2006 قيام دولة العراق الإسلامية، لكن الأوضاع في سوريا دفعتهم إلى خطوة «ما بعد الترقي» بإعلان الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام. وبالإعلان عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تنفتح الساحة السياسية في المنطقة عن احتمالات كبيرة، يحذر منها الخبراء في الجماعات الإسلامية، إذا ما «نجحت الجماعات الجهادية بتحقيق إنجازات في سوريا». وفي هذا الصدد، يرى الخبير في الجماعات الإسلامية اللبناني قاسم قصير، أن هذا الإعلان «ستكون له تداعيات كبيرة على مستوى العالم، لأن تلك المجموعات إذا تمكنت من فرض سيطرتها على المساحة الممتدة من الأنبار إلى حمص، لن تبقى محصورة في إطارها، وستمتد إلى سائر دول العالم بدءا من لبنان والأردن وتركيا».

وأوضح قصير لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الإعلان «ليس جديدا لأن النصرة كانت تعلن دوما ارتباطها بالقاعدة، من غير أن توضح إن كان الارتباط مركزيا وهيكليا أو التزاما بالرؤية العامة للتنظيم». لكن هذا الإعلان أمس «يشير إلى دور القاعدة الهيكلي والقوى المرتبطة بها في سوريا والأردن والعراق، ويمكن أن تشكل قاعدة أساسية لها ما بين سوريا والعراق إذا سقط النظام السوري ونجحت جبهة النصرة في السيطرة على مناطق واسعة في البلاد».

ولفت قصير إلى أن توحيد الجبهتين «يمكن أن يشكل قاعدة كبيرة تتمتع بإمكانات غير عادية على المستوى الجغرافي والعسكري البشري، ولا تبقى محصورة في المساحة الممتدة من الأنبار في العراق، إلى حمص في سوريا»، معربا عن اعتقاده أنها «ستتوسع إلى الأردن وتركيا ولبنان، لتتمتع حينها بفضاءات استراتيجية تتخطى بحجمها وأهميتها وخطورتها ما حصل بعد غزو العراق وفي أفغانستان، لأنها كانت موجودة في مناطق بعيدة عن التأثير الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط».

وأضاف قصير: «إذا نجحت القاعدة في تشكيل قاعدة جغرافية ومادية وبشرية بين العراق ولبنان، فإننا سنكون أمام خريطة سياسية جديدة في المنطقة تمتد إلى إسرائيل، ومفتوحة على البحر، لتشكل حدثا غير تقليدي على المستوى الجغرافي، لما تتمتع به من قاعدة شعبية في داخل الخريطة، وتوزع قواعد إمدادها بين لبنان وتركيا».