الإعلام البريطاني يكتب عن ثاتشر.. ما لها وما عليها

من مظاهر الحزن والإشادة الدولية إلى الشماتة والاحتفالات الصاخبة

TT

قد يختلف الكثير من المعلقين حول تقييم الفترة التي تربعت خلالها البارونة مارغريت ثاتشر على رأس سدة الحكم في بريطانيا، التي امتدت إلى 11 عاما، بعد انتصارها في ثلاثة انتخابات برلمانية عامة زعيمة لحزب المحافظين. لكن هناك إجماعا من قبل هؤلاء على أن سياساتها وقوة قناعاتها ومعتقداتها قد أحدثت نقلة نوعية وأزاحت «مركز الثقل» في التفكير السياسي البريطاني، وهذا ما عبر عنه فرنسيس مود، الوزير البريطاني السابق في مقابلة مع «بي بي سي» بعد إعلان خبر وفاة المرأة الحديدية.

خبر وفاتها تصدر عناوين الصحف والنشرات الإخبارية في معظم وسائل الإعلام في العالم. لكن وسائل الإعلام البريطانية تميزت عن غيرها من زميلاتها الدولية، في تغطيتها لخبر الوفاة، وهذا شيء مفهوم كون الحدث بريطانيًّا بحتا. الصحافة الدولية لم تتناول بالضرورة الجوانب السلبية في حكمها. لكن جاءت التغطية البريطانية لتعكس إرث مارغريت ثاتشر السياسي وما لها وما عليها.

وسائل الإعلام البريطاني ربما كانت متحضرة لمثل هذه الأحداث، خصوصا التي تخص وفاة شخصيات متنفذة ومهمة في الحياة السياسة والاجتماعية البريطانية، مثل مارغريت ثاتشر، الثمانينية التي تعرضت إلى عدد من الجلطات أدخلت على أثرها المستشفى. ومن هنا جاءت تغطيتها بعشرات من الصفحات في جميع الصحف الوطنية. لكن التغطية الإعلامية عكست، ليس فقط إنجازات ثاتشر، وإنما أيضا الصراع السياسي والآيديولوجي الذي ساد تلك الفترة، واعتبر مرحلة حاسمة في توجهات بريطانيا على الصعيد الاقتصادي ومكانتها الدولية. وجاء ذلك ليعكس التناحر، ليس فقط الداخلي في حزبها وحكومتها، وإنما أيضا مع قوى المعارضة الرسمية الممثلة بحزب العمال، وكذلك اليسار والنقابات ومجموعات الضغط في شتى نواحي الحياة.

نشرات الأخبار التلفزيونية في القنوات الأرضية الرئيسية والإذاعات المختلفة، قدمت تقارير مطولة على حساب الكثير من البرامج الأسبوعية واليومية، التي تم إلغاؤها، وخصصت ساعات وساعات من التغطية لهذا الحدث المفاجئ، واستضافت شخصيات من شتى الأطياف السياسة، حتى من ألد أعداء ثاتشر السياسيين، وقدمت تغطية لبعض الاحتفالات بوفاة ثاتشر في بعض المناطق، مثل أسكوتلندا، التي كانت أول من ثار ضد «ضريبة الفرد» التي فرضتها ثاتشر في الثمانينات، وأدت إلى احتجاجات دموية في بعض المدن، وتخلت عنها الحكومة فيما بعد، واستبدلت بها ضريبة «الخدمات المحلية». الاحتفالات أقيمت في أسكوتلندا وبعض القرى التي كانت تسكنها عائلات عمال المناجم الذين خاضوا إضرابا دام أكثر عام 1984 - 1985 بسبب إغلاق ثاتشر بعض المناجم التي اعتبرت غير مجدية اقتصادية، وأدت إلى تسريح عشرات الآلاف من هؤلاء.

رابطة عمال مناجم درهام اعتبرت خبر الوفاة «يوما عظيما». وبدأت تجمع التواقيع من أجل عدم تكريم مارغريت ثاتشر بجنازة رسمية من الدولة، قائلة إن ذلك إضاعة لأموال دافعي الضرائب. وكتب أحد الأشخاص يقول إنه «يجب خصخصة الجنازة»، مضيفا: «وهذا ما كانت تريده (ثاتشر)». كاتب التغريدة حاول اللعب على تعابير مثل «خاصة» و«خصخصة» ليذكر الناس بعمليات الخصخصة التي قامت بها مارغريت ثاتشر للكثير من الصناعات والمرافق البريطانية خلال وجودها في الحكم.

ورفع المحتفلون شعارات مثل «حليب للجميع»، كما جاء في صحيفة «التايمز». وكان القصد من ذلك التذكير بما قامت به ثاتشر عندما قررت إيقاف إعطاء الحليب مجانا للأطفال في المدارس البريطانية، وأطلق عليها بعد ذلك «ثاتشر سارقة حليب الأطفال».

أخبار الاحتفالات تناولتها جميع الصحف الوطنية الرزينة: «التايمز»، و«الإندبندنت» و«الغارديان» و«الديلي تلغراف» و«الفايننشيال تايمز».. بعضها تعكس آراء اليمين ويمين الوسط ويسار وسط.

وأوردت «الغارديان» صفحات من التغطية تناولت معركتها مع النقابات وعمال المناجم تحت عنوان «كانت حربا طبقية. الأثرياء لا يريدوننا أن نربح». وتحت عنوان «تركت نقطة قاتمة ما زالت واضحة المعالم» كتب المحلل هيوغو يونغ في صحيفة «الغارديان» حول فترة وجودها وسياساتها في رئاسة الوزراء، قائلا رغم محاولاتها فإنها لم تتمكن من القضاء على نظام المعونات الاجتماعي: «وهذا كان هدفها».

أما المحلل جوناثان فريدلاند فكتب في الصحيفة نفسها يقول تحت عنوان «ذهبت السيدة من فترة طويلة.. لكننا ما زلنا نعيش في بريطانيا الثاتشرية».

وتحت عنوان «حان وقت الاحتفالات للاشتراكيين»، كتبت صحيفة «التايمز» حول الدعوات التي أطلقها البعض للاحتفال بالوفاة. اقتبست الصحيفة أقوالا للمغني مارك آموند، الذي ذاع صيته في الثمانينات مع وجود ثاتشر في رئاسة الوزراء، وكتب آراءه بعد إعلان الوفاة يقول فيها: «دينغ دونغ.. ماتت الساحرة». «تحزن عندما يتوفى أي شخص، خصوصا إذا كانت سيدة متقدمة في العمر».

قال آموند في صحيفة «التايمز» مضيفا: «لكنها دمرت مجتمعات محلية كاملة (إغلاق المناجم وتسريح العمال). لقد كانت لئيمة وتفتقر إلى الإنسانية».

أما المغني موريسي، الذي كان ينتمي إلى فرقة سميثز وصاحب أغنية «مارغريت ثاتشر إلى المقصلة»، فقال إنها كانت معادية للنساء، مضيفا أن لقب «المرأة الحديدية» أعطي لها بسبب رفضها آراء الآخرين.

وأضاف موريسي في اقتباسات أوردتها صحيفة «ميترو»: «لقد دمرت القاعدة الصناعية لبريطانيا، وكانت تكره عمال المناجم والآيرلنديين وتكره الفقراء الإنجليز. لم تكن حميمة أو دافئة، وحتى زملاؤها في الحكومة انقلبوا ضدها».

الاحتفالات في مدينة غلاسكو وفي منطقة بريكستون في جنوب لندن (التي شهدت صدامات عنيفة عام 1982)، والتي يسكنها مجموعات عرقية من منطقة جزر الكاريبي، تناقلتها أيضا الصحف الأخرى والإذاعات، مثل الإذاعة الرابعة الرصينة، خصوصا نشرتها الصباحية «اليوم» الشهيرة، التي استضافت أيضا مجموعة من الشخصيات العالمية مثل وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر، وأيضا بعض ألد أعدائها مثل النائب جورج غلاوي عن حزب ريسبيكت، وزعيم الشين فين جيري آدمز الآيرلندي، وكلاهما تكلم بإسهاب عما سببته ثاتشر من آلام للناس من أهالي آيرلندا الشمالية، وكذلك الفقراء في بريطانيا بشكل عام.

جورج غلاوي ذكر الناس بموقف مارغريت ثاتشر تجاه الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا الذي وصفته بـ«الإرهابي».

الرئيس الأميركي باراك أوباما وصف مارغريت ثاتشر بأنها «رائدة في الدفاع عن الحرية»، لكن ما كتبته وغطته وسائل الإعلام الأخرى أظهر وجها آخر للمرأة الحديدة، التي اعتبرت أيضا رغم كونها امرأة فإنها لم تكن منحازة لجانب النساء، ولهذا فقد ذكر الروائي مارتن ايميس، وكذلك البارونة شيرلي ويليامز، أن ثاتشر لم تحاول جلب العنصر النسائي إلى حكومتها، وأرادت فقط أن تكون المرأة الوحيدة في الحكومة.