«تسريحة الشعر» و«البنطال الساحل» تهمة تستوجب الملاحقة والاعتقال في غزة

شرطة حماس تحلق رؤوس الشباب وتلطخ سراويل آخرين وتنفي وجود حملة

TT

لم يفهم طارق النقيب، 17 عاما، لماذا وبأي ذنب سحبه رجال شرطة تابعون لحكومة حركة حماس المقالة في غزة، إلى مركز «الجوازات»، ليحلقوا له شعره ويوقعوه على تعهد لم يقرأه. وطارق، كغيره من الشبان، يصفف شعره بالطريقة التي يحب، ولم يكن يعرف أن تسريحة شعره القريبة من تسريحة مشاهير ولاعبي كرة قدم، ستحوله يوما إلى متهم، وأن الشرطة تلاحق الشبان أصحاب «السراويل الساحلة» وقصات الشعر الأجنبية خارج المدارس، وفي الشوارع العامة.

وقال طارق، لـ«الشرق الأوسط»: «أخذوني من الشارع، وقالوا لي: سنحلق لك شعرك.. بدنا نطلعك راجل». وأَضاف «لم أفهم ما علاقة التسريحة بالرجولة، سألتهم وقاومتهم، لكنهم سحبوني بالقوة وحلقوا لي شعري بالقوة كذلك».

وصور رجال المباحث «المتهم»، بالجرم المشهود «الشعر»، قبل أن يحلقوه وبعد، ربما لإثبات أداة الجريمة، وتابع القول «صوروني قبل الحلاقة وبعدها، وكتبوني تعهدا». واستدرك: «حملوني لافتة تحمل اسمي ورقم هويتي مثل المجرمين وصوروني».

وتعرض أصدقاء كثر، لطارق، للموقف نفسه، أو لمواقف مشابهة، فالحملة الجديدة التي تشنها شرطة حماس، تستهدف الرؤوس والخواصر.

وأوقفت الشرطة أكثر من شاب وحلقت له شعره بالقوة، كما أوقفت شبانا يرتدون سراويل على النمط الغربي «ساحله»، وعاقبوهم بطريقة لافتة، بأن لطخوها بالطلاء الأصفر.

وعلى الرغم من النفي الرسمي من حماس والحكومة للحملة، فإن شهادات معتقلين ومراكز حقوقية وحتى صور فيديو لمدير مدرسة يصفع طالبا على وجهه بشكل قاسٍ بسبب تسريحة شعره التي بدت طبيعية، فضحت الحقيقة كاملة.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن شرطة المقالة في غزة قررت شن حملة تهدف إلى الحد من ظاهرة تقليد الغرب عبر قصات شعر غريبة، وارتداء ما يعرف بـ«البنطال الساحل».

وبحسب المصادر فإن الحملة لا تقف عند ذلك، لكنها تستهدف أيضا منع النساء من تدخين «النرجيلة» في المقاهي العامة وعلى الشواطئ، وعرض مجسمات للملابس النسائية الداخلية على واجهة المحلات التجارية، واعتقال مشعوذين ومهربي سجائر وأصحاب بسطات غير مرخصة.

ويبدو أن الشرطة كانت تريد تنفيذ المهمة بهدوء من دون جلب أنظار الإعلام إليها، لكن الضجة والغضب الكبيرين أخرجا الحملة إلى العلن.

واستنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، «تجاوزات القانون التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان من قبل جهات مكلفة بإنفاذ القانون». وقال «أشارت التحقيقات والشكاوى التي تلقاها المركز من عدد من الضحايا إلى ملاحقة الفتية والشبان على شكل تسريحة الشعر أو لباس أنواع بعينها من السراويل، وأن سلوكيات أفراد الشرطة انطوت على تجاوزات للقانون تنتهك أبسط الحريات الشخصية للمواطنين إذ أشارت كافة الإفادات التي جمعها المركز من الضحايا، إلى قيام أفراد من الشرطة باعتقال أشخاص بالقوة ودون إظهار أي مذكرات صادرة عن جهة اختصاص بل ودون إعطاء تفسير لسبب الاعتقال، وأخذهم إلى مراكز شرطة حيث يخضعون للتعذيب ولمعاملة قاسية ومذلة ومهينة قبل أن تحلق شعور رؤوسهم أو تشويهها عبر قص جزء منه عشوائيا ما يجبر الشاب على حلقه بالكامل في وقت لاحق، كما جرى توقيع الضحايا على تعهدات بعضهم لم يعرف أو يطلع على مضمونها والبعض الآخر فهم أنه تعهد بعدم إطالة الشعر أو تصفيفه بطريقة غريبة أو ارتداء سراويل بعينها».

وينص القانون الأساسي الفلسطيني على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام. وأن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس. كما ينص على عدم جواز اعتقال أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي. وحظر إخضاع أحد لأي إكراه أو تعذيب. واعتبر «الميزان» أن ممارسات شرطة حماس، تشكل تجاوزا للقانون الفلسطيني يقتضي محاسبة مرتكبيه ومن أمروا بارتكابه.

وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قد عبر كذلك عن إدانته لاحتجاز شرطة حماس، عددا من الشبان وقص شعرهم والاعتداء على عدد منهم بالضرب. وأدان في بيان «بشدة، احتجاز الشرطة الفلسطينية في غزة لعدد من الشبان خلال الأيام الماضية، وقص شعورهم بادعاء أن تسريحاتهم خادشة للحياء، والاعتداء على عدد منهم بالضرب». وطالب المركز «النائب العام في غزة بفتح تحقيق جدي في تلك الاعتداءات، التي تمس الحريات الخاصة للمواطنين».

وتدعم هذه التصرفات اتهامات سابقة لحماس بمحاولة أسلمة القطاع وتحويله إلى إمارة، وهي التهمة التي طالما نفتها حماس عن نفسها. وقال مسؤولون في حماس إن التصرفات الشرطية كانت فردية، وقال آخرون في الشرطة إنهم لاحقوا شبانا يتسكعون ويعاكسون الفتيات.

وكتب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي «إيهاب الغصين» على صفحته على «فيس بوك»: «أؤكد أنه لا وجود لأي حملة تقوم بها الشرطة كالتي تتحدثون عنها».

وعقب طارق بلغة يائسة «أنا فقط أنتظر نهاية دراستي، لا يمكن أن أظل هنا، لا أعرف ماذا ألبس وكيف أقص شعري، لا أعرف كيف أمشي في الشارع، أنا أخاف من ذلك».