وفد المعارضة السورية في لندن يعلن التزامه بفرض القانون وهزيمة المتطرفين

بعد إعلان «النصرة» الولاء لـ«القاعدة»

عناصر من جبهة النصرة على متن شاحنة محملة بالذخائر في مطار تفتناز في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ب)
TT

أرخى التسجيل الصوتي للفاتح أبي محمد الجولاني، الذي أعلن فيه تبعية «جبهة النصرة» لتنظيم «القاعدة» بظلاله على اجتماعات وزراء خارجية «مجموعة الدول الثمان» التي انطلقت في لندن الليلة الماضية، بحضور وفد من المعارضة السورية برئاسة رئيس الحكومة المؤقتة المكلف غسان هيتو، ونائب رئيس الائتلاف الوطني سهير الأتاسي، وعضو الائتلاف ورئيس المجلس الوطني جورج صبرا، والغياب الملحوظ لرئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب.

وكان من المفترض أن يناقش الوفد السوري أربعة ملفات، أبرزها الحكومة المؤقتة وأبرز الملفات الملقاة على عاتقها، وتوفير الدعم المالي لضمان عملها بفاعلية في المناطق المحررة من سوريا، وتوفير السلاح لـ«الأطراف المعتدلة» في الجيش الحر، بالإضافة إلى موقف المعارضة «السياسية» من جبهة النصرة، لكن التسجيلات الصوتية لأيمن الظواهري.

فبعد يوم واحد من إعلان أبو بكر البغدادي، زعيم «العراق الإسلامية» أن جماعته و«النصرة» ستعملان تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أكد الجولاني في تسجيل صوتي أيضا أن تنظيمه هو الأخ الشقيق لـ«العراق الإسلامية»، نافيا في الوقت نفسه أن تكون جبهة النصرة بصدد التوحد مع أي فصيل آخر.

لكن الجولاني استجاب لدعوة البغدادي في «الترقي مما هو أدنى لما هو أسمى»، فجدد مبايعته للظواهري، وقال: «إننا نبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والهجرة والجهاد، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفرا بواحا لنا فيه من الله برهان».

ووضعت بيعة «النصرة» لـ«القاعدة» المعارضة السورية في موقف محرج، إذ لطالما اعتبرت المعارضة «جبهة النصرة» رديفا لها في مساعيها لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ودافعت عنها في المحافل الدولية باعتبارها «مكونا سوريا لا يحمل أجندات خارجية».

وللخروج من هذا المأزق، شككت بعض أوساط المعارضة بصحة التسجيل، وقال عضو المجلس الوطني والائتلاف السوري هشام مروة لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس عندنا ما يؤكد صحة هذا التسجيل»، مشيرا إلى «أننا سنتابع التحقق منه».

وأوضح أن التشكيك «ينطلق من كونه الأول الذي يصدر عن جبهة النصرة في شأن علاقتها بتنظيم القاعدة، ويتضمن تناقضا». وتساءل: «كيف يمكن لتنظيم يعلن السمع والطاعة لزعيمه، ويرفض في الوقت نفسه طلبا يتعلق بتوحيد الراية مع العراق؟».

وبالإضافة إلى إعلان البيعة، أقر الجولاني بتلقي تنظيمه المساعدات المالية واللوجيستية من «العراق الإسلامية» منذ الأيام الأولى للثورة السورية، ومقرا في الوقت ذاته بوجوده في العراق منذ الغزو الأميركي له عام 2003 بالقول: «بعدما كشفت بعض الأوراق نؤكد أننا واكبنا جهاد العراق مذ مبدؤه إلى حين عودتنا بعد الثورة السورية. ومع ما حصل لنا من انقطاع قدري، إلا أننا قد اطلعنا على أغلب تفاصيل الأحداث الجسام التي مرت على مسيرة الجهاد في العراق، واستخلصنا من تجربتنا هناك ما سر قلوب المؤمنين بأرض الشام تحت راية جبهة النصرة».

وينسحب أمر الإرباك على الجناح العسكري للثورة، خصوصا مع محاولات تجنب الصدام بين القوى المعتدلة المنضوية تحت «الجيش الحر» والقوى الأصولية المنضوية تحت الرايات الجهادية.

وفي هذا الصدد، ترى مصادر بارزة في الجيش الحر أن تصوير «جبهة النصرة» وكأنها تحتكر القتال ضد نظام الأسد هو «تضخيم إعلامي مبالغ فيه».

وتضيف المصادر ذاتها لـ«الشرق الأوسط» أن مقاتلي «النصرة» في سوريا لا يتجاوزن 5 في المائة من مجمل المقاتلين المعارضين ضد النظام، ويتركزون في الشمال السوري في محافظات حلب والرقة ودير الزور والحسكة.

وأوضحت المصادر أن مقاتلي النصرة في حلب مثلا «لا يتخطى عددهم الألف مقاتل، فيما تضم جبهة تحرير سوريا في حلب وحدها نحو 5 آلاف مقاتل»، فضلا عن مقاتلين آخرين ينتمون للمجلس العسكري في المدينة وريفها، وجبهة شهداء سوريا، وكتائب وجبهات مقاتلة أخرى.

ولا تنفي المصادر فعالية مقاتلي جبهة النصرة في الرقة وريف حلب في القتال ضد النظام، مؤكدة أن قادة الجبهة في سوريا «لم يعلنوا حتى الساعة عن رؤية سياسية، حاصرين عملهم وتحركهم في إطار العمل العسكري الميداني». وأضاف: «المقاتلون الإسلاميون الذين يقاتلون في صفوف النصرة معظمهم سوريون، رغم أنها تضم عددا من المهاجرين، وهم جهاديون غير سوريين، التحقوا بصفوفها بغرض القتال ضد النظام».

لكن الإرباك في صفوف الثورة السورية، سواء السياسية منها والعسكرية، لا ينسحب على الخبراء والمحليين ومراكز الأبحاث التي تعنى بالجماعات الإسلامية، إذ سبق أن أصدر مركز كويليام لمكافحة الإرهاب في مطلع هذا العام دراسة ربط فيها بين «النصرة» و«العراق الإسلامية». ووفقا لرئيس المركز نعمان بن عثمان فإن إرهاصات إعلان الدولة كانت واضحة منذ أشهر، إذ بعد مواكبة التطورات السياسية في سوريا، تم رفض تأسيس أي نوع من الحكم يستند إلى مبدأ الديمقراطية؛ لأنه سيكون «جزءا من المؤامرة الغربية لخطف الثورة السورية».

ووفقا لهذا التحليل فإن حكومات المنطقة سيتوجب عليها إعادة تقييم سياساتها وقراراتها بشكل عاجل فيما يخص الدعم والإسناد، في ظل إنكار الجماعات الإسلامية في سوريا لمبدأ الديمقراطية ورفضها للمدنية أساسا لقيام الدول.

وفي سؤال لـ «الشرق الأوسط» حيال دعم المعارضة بالسلاح في ضوء إعلان «جبهة النصرة» تبنيها لخط «القاعدة»، أشار متحدث باسم الخارجية البريطانية إلى أن «المملكة المتحدة وفرنسا ما زالتا تدفعان باتجاه رفع الحظر المفروض على توريد السلاح إلى سوريا»، مضيفا أن هذا لا يعني تسليح المعارضة بشكل فوري، لكن يعني مزيدا من الحرية في التعامل مع تدهور الأوضاع على الأرض.

أما في ما يخص «جبهة النصرة» فقد أشار المصدر ذاته إلى «بريطانيا قلقة من اكتساب القوى المتطرفة لموطئ قدم في سوريا، وهذا ما يعزز أهمية دعم القوى المعتدلة.

وعن الخطيب وعدم دعوته لحضور الاجتماعات، أكدت المصادر أهمية التواصل مع الخطيب، نافية في الوقت ذاته عدم دعوته.

وكان صبرا والأتاسي قد أكدا بعد لقائهما بوزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ على هامش اجتماع لندن على ضرورة دعم حكومة هيتو بالقول: «تحدثنا عن السبل الأنجع التي ستمكن الحكومة من التغلب على المتطرفين وفرض قوانيين تتناسب والقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان.