صراع بين «القضاء المدني» و«الهيئات الشرعية» على تسيير شؤون المناطق المحررة

معارضون سوريون يتهمون الجماعات المتشددة باستغلال الفراغ الأمني ويطالبون بالإسراع بتشكيل الحكومة

TT

تعيش المناطق المحررة في سوريا أوضاعا أمنية واقتصادية صعبة يعاني فيها السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والمحروقات في ظل ضعف تمويل المجالس المحلية الموكلة إليها مهمة إدارة هذه المناطق. وبينما تتعهد المعارضة السورية بإدارة المناطق المحررة بطريقة مختلفة بعد تشكيل الحكومة المؤقتة، تشتد المنافسة بين الهيئات الشرعية الإسلامية المتشددة والمجالس القضائية المدنية لفرض سلطة القضاء والفصل في قضايا الناس.

ويشير حمزة حبوش، أحد القادة الميدانيين في لواء «درع هنانو» المتواجد في إدلب إلى وجود تنسيق بين المجالس المحلية المنتخبة وفقا لقواعد الكفاءة، والمجالس الثورية المؤلفة من كتائب «الجيش الحر»، ويقول حبوش لـ«الشرق الأوسط» إن مناطق الشمال تعاني من نقص في المواد الغذائية ومواد المحروقات، مؤكدا أن «معظم الأفران قد توقفت عن العمل». ويوضح أن «المجالس المحلية تقوم بتنظيم شؤون الناس ولكن نتيجة الدعم المالي القليل من قبل الائتلاف فإن عملها لم يحصد نتائج جيدة». وينفي حبوش أن «يكون هناك قوى إسلامية تحكم محافظة إدلب»، مشيرا إلى أن «الجهات التي تدير الأمور هي خليط من قضاة ومشايخ ومحامين وحقوقيين».

وبحسب القاضي المنشق أنور مجني، عضو «مجلس القضاة الأحرار» فإن الصراع بين المجلس المكون من مجموعة من القضاة المنشقين والقوى الإسلامية على تحديد السلطة القضائية التي ستفصل بين الناس ما يزال مستمرا. ويؤكد المجني لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس يسعى إلى إقناع المشايخ عبر الكثير من المناقشات والحوارات بعدم التدخل بشؤون القضاء الذي يجب أن يستمد أحكامه من القانون السوري بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. وعن وجود قوى أمنية تعمل على تطبيق القوانين، قال: «نسعى عبر مشروع العدالة الانتقالية إلى تشكيل قوى أمن داخلي من المنشقين عن النظام، تعمل بمعزل عن الكتائب المسلحة، مهمتها الرئيسية تطبيق القوانين. ويعترف المجني أن مهمتهم كمجلس قضاء «صعبة جدا بوجود تشكيلات إسلامية متشددة ترفض رمي السلاح والخضوع إلى القوانين المدنية».

في المقابل، يؤكد عضو المجلس الوطني عماد الدين رشيد لـ«الشرق الأوسط» أن «تجربة المجالس المحلية التي تم انتخاب أحدها في حلب لتمثيل معظم مناطق المحافظة، تجربة يمكن البناء عليها إذا تم دعمها من الائتلاف الوطني لقوى الثورة». وبخصوص الشؤون القضائية، يشير الرشيد إلى أن «مجالس القضاء الموحدة التي تدير شؤون المواطنين في حلب وإدلب وبعض مناطق ريف اللاذقية تعمل بشكل مقبول».

وتضم هذه المجالس هيئات شرعية تتبع لجبهة النصرة الإسلامية إضافة إلى محامين وقضاة. ويشدد الرشيد على أنها «تعمل تبعا لمبدأ العدالة التصالحية بحيث تقوم بحل النزاعات بين الناس وليس إصدار أحكام ضدهم». ويقول: «لا بد من الإسراع في تشكيل الحكومة الانتقالية لنعمل على تجسير الفجوة التي تفصل بين المجالس والجهات وبين مكونات المعارضة».

وفي هذا السياق، كشف عضو الائتلاف والمجلس الوطني، عبد الأحد إسطيفو لـ«الشرق الأوسط»، أن فترة «تشكيل الحكومة المؤقتة ستطول بسبب المشاورات الدائرة بين مختلف الأطياف»، مؤكدا «عزم المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقال إلى الداخل السوري وتحديدا إلى مناطق الشمال ليتابع شؤون الناس عن كثب». وعن سوء التنسيق بين الائتلاف المعارض والمجالس المحلية، قال: «هذه المجالس ممثلة سياسيا عبر 14 عضوا، يشكلون مكونا رئيسا من الائتلاف لكن اثنين منهم فقط من الداخل فيما البقية يعيشون في الخارج، الأمر الذي يجعل التنسيق ضعيفا جدا».

ويشير إسطيفو إلى «تدهور الأوضاع المعيشية للناس في المناطق المحررة إضافة إلى الفراغ الأمني الكبير الذي تستغله الجماعات المتشددة لتحكم قبضتها، لا سيما في مدينة الرقة شرق سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» قد أشارت في تقرير من مراسلتها المتجولة هنا لوسيد سميث إلى دور المحاكم الشرعية في البت في الخلافات بين الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وتتوزع المناطق التي تمكنت كتائب «الجيش الحر» من تحريرها على محافظات عدة، أبرزها في الشمال حيث تسيطر على كامل محافظة إدلب باستثناء 3 مواقع أمنية وموقع عسكري ما يزال النظام يشغلها إضافة إلى مركز المدينة. وتمتد المناطق المحررة إلى حلب التي خرجت معظم مناطق ريفها عن سيطرة النظام بينما يحتفظ بأقل من 30% من المدينة. وفي الجنوب يحكم «الجيش الحر» سيطرته على مناطق شاسعة من مدينة درعا إضافة إلى تواجده الكثيف في القنيطرة. كما تعتبر مناطق ريف اللاذقية الممتدة من جبل التركمان على الحدود التركية وصولا إلى جبل الأكراد الموصول جغرافيا مع جسر الشغور في محافظة إدلب تحت سلطة المعارضة. بالإضافة إلى دير الزور الواقعة شرق سوريا حيث خرجت قوات النظام من جميع مناطقها باستثناء المطار، وذلك بعد إعلان المعارضة تحرير مدينة الرقة القريبة من الحدود العراقية.