4 آلاف جهادي يعيشون حالة «كر وفر» في تونس

البعض يرى أن السلفية الجهادية أخذت أكبر من حجمها

TT

أثار تهديد «أبو عياض»، أحد شيوخ السلفية في تونس، نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، لرئيس الحكومة التونسية، مخاوف التونسيين من دخول البلاد مرحلة من عدم الاستقرار السياسي من ناحية، وتساؤلات المتابعين للشأن الداخلي التونسي حول النفوذ الحقيقي للتيار السلفي من ناحية ثانية وهو الممثل بنحو أربعة آلاف جهادي، وهل هو بالفعل قادر على تهديد الحكومة أم أن الأمر لا يتعدى باب التهديد والوعيد الموجه للاستهلاك الإعلامي الداخلي والخارجي؟

ويدرك الكثير من المحللين السياسيين مدى التشدد الذي يعرف به التيار السلفي التونسي خاصة الشق الجهادي منه، وكيف لا تنفع في بعض الحالات الحجة والدليل في إقناع أنصاره بآراء مخالفة. لقد عايش التونسيون أطوار ظهور التيار السلفي بفرعيه بعد نجاح الثورة التونسية وعودة مجموعة من قياداته من الخارج وكيف كانت الحكومة الأولى بعد الإطاحة بالنظام السابق ترمي كل أشكال الانفلات الأمني على التيار السلفي، وكل فعل شنيع تجهل السلطة فاعله ومدبره ومنفذه، تلصقه بالتيار السلفي، الذي لم يجد حينها من يدافع عنه.

وقد نجحت دعوات الجهاد في استمالة الشباب التونسي الذي شارك في عمليات جهادية متعددة، مما جعل بعض المتابعين للمشهد السياسي التونسي يقولون إن تونس أصبحت تمثل خزانا مهما للتيارات السلفية الجهادية ومصدرا مهما لتصدير «الإرهابيين» إلى بؤر التوتر الكثيرة عبر العالم. وتجد الأفكار السلفية قبولا بين بعض فئات الشباب التونسي المتعلم الذي يتعامل مع الإنترنت لابتعادها النسبي عن الرقابة السياسية والعائلية.

ويرى بعض المحللين السياسيين أن أنصار ذاك التيار قد استحسنوا اللعبة و«تحمسوا» لتلك الاتهامات، لأنها أعطتهم القوة والسيطرة على الشارع. ولم تنفع بعض الطرائف التي رافقت مسيرات التيار السلفي المتشدد وتداول نبأ سقوط إحدى اللحى الاصطناعية المركبة تركيبا - في إثناء ذاك التيار عن النزول إلى الشارع ومهاجمة بعض الفضاءات الثقافية بالخصوص.

ومن ناحيته، اعتبر عبد المجيد الحبيبي، عضو المكتب السياسي لحزب التحرير (حزب إسلامي ينادي بعودة الخلافة)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الظاهرة السلفية قد أخذت أكثر من حجمها وأن البعض يريدون سوءا من خلال تضخيمها. وقال إن بعض الأطراف ينفخ في صورة السلفيين لتحميلهم لاحقا تبعات كل ما يحصل من تجاوزات على المستوى الداخلي. واتهم أطرافا سياسية بتحويل أنظار الرأي العام الداخلي عن فشلها في إدارة الشأن العام.

ووضعت كل الأحداث التي جدت بعد الثورة، ظاهرة التيارات السلفية في تونس محور تساؤلات كثيرة بعد أن سيطرت على الساحة واحتلت الأضواء وغيرت المشهد السياسي برمته، وارتبطت في أذهان التونسيين بالخصوص بالنزوع إلى القوة والشدة في التعامل مع المخالفين في الرأي. وفي حقيقة الأمر، كانت التيارات السلفية إلى وقت قريب غير موجودة أو لعلها مثلت «الخلايا النائمة» وطفت فجأة على الساحة. ولا تزال التساؤلات متواصلة حول حجم السلفيين في تونس وتركيبتهم الاجتماعية والثقافية وتوزيعهم بين المناطق التونسية.

وفي هذا الشأن، قال المنذر ثابت، المحلل السياسي التونسي، لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة النهضة قد استفادت من وجود التيار السلفي وتحركاته، فقد أظهرت الحركة في وضع الحزب الإسلامي المعتدل، ولعل هذا ما ساهم في تقبل التونسيين لخطابه السياسي بعد مقارنة بسيطة مع التيار السلفي المتشدد.

ومن الناحية التاريخية، ظهرت الحركة السلفية في تونس نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وظهرت للوجود «الجبهة الإسلامية التونسية»، إلا أن سطوة نظام بن علي واتهاماته الكثيرة للتيار الإسلامي بمحاولة الانقضاض على الحكم، ومحاربته في كل المواقع واجتثاثه من جذوره وإيداع قياداته في السجون - جعل الدعوة الإسلامية بمختلف فروعها تخفت. وقد زاد سن قانون مكافحة الإرهاب سنة 2003 في التضييق على الأنشطة السياسية المرتبطة بالدين وزج بما لا يقل عن ثلاثة آلاف شاب تونسي في السجون على خلفية ذاك القانون.

ويقول أعلية العلاني، المحلل السياسي التونسي المختص بالجماعات الإسلامية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن التيار السلفي المتشدد اليوم قد يجنح إلى البحث عن مخرج توافقي لوضعية قياداته السياسية، وخاصة سيف الدين بن حسين الملقب بـ«أبو عياض»، وهو المختفي والملاحق من قبل الأجهزة الأمنية منذ أحداث السفارة الأميركية لدى تونس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 2012. ويضيف أن التيار السلفي ما زال يعاني الاعتقالات والملاحقات والمحاكمات. وقال إن الحكومة الحالية لم تحسم بعد في أسلوب التعامل مع التيار الجهادي، ويبدو أن سياسة حركة النهضة تجاه هذا التيار أوقعتها في مأزق، حيث مارست الحركة، على حد تقديره، الكر والفر ولم تمارس معه أسلوب الحوار إطلاقا. وقال إن تلك المواقف المترددة قد أوحت لقيادات التيار السلفي أنه قادر على تهديد رئيس الحكومة وهو ما قد يبعث برسائل إضافية إلى التيارات الليبرالية واليسارية المعارضة، تحدث عن سطوته وضرورة قراءة ألف حساب له.

ويرى العلاني أن ظاهرة التيارات السلفية لم تعد مسألة معزولة، بل تحولت في وقت وجيز إلى تركيبة عقائدية واجتماعية تثير مخاوف التونسيين أنفسهم. وقال إن الحديث عن نشاط خارجي للشباب السلفي وامتناعه إلى حد الآن عن الأراضي التونسية، لا يمكن أن يغمض الأعين عن التطورات الممكنة لهذه الظاهرة بعد عودة المجاهدين إلى أرض الوطن. واعتبر أن التيارات السلفية تجد قبولا في الأحياء الشعبية التونسية على غرار دوار هيشر (غرب تونس العاصمة) الذي تحول إلى أحد معاقل التيار السلفي الجهادي، وفسر ذلك بالحاجة إلى الانتماء وإلى تحقيق الذات وكذلك بعمليات غسل الدماغ المتكررة والوعود التي تلحق بالجهادي. وأشار إلى أن تلك الأحياء المتكاثرة تمثل بيئة مثالية لامتداد الظاهرة السلفية وانتشارها بين الطبقات المهمشة.

وربط العلاني بين انتشار الظاهرة في تونس وتوجه الكثير من الشباب التونسي في اتجاهات عدة من مالي إلى سوريا إلى أفغانستان والعراق والصومال كذلك، واعتبر أن انضمام الشباب التونسي المعروف بالاعتدال والتسامح يثير تساؤلات عميقة حول قوة الظاهرة وتأثيرها على عقول الشباب.

وحسب تقرير الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تضمن تحليلا لملفات 1208 سلفيين تونسيين تم اعتقالهم بمقتضى قانون الإرهاب المعروف بقانون 2003، فإن الشريحة العمرية للمنضمين إلى التيار السلفي الجهادي تتراوح بين 25 و30 عاما، وتنخفض أحيانا لتصل إلى 19 عاما، وينحدر 46% من مناطق شمال تونس (تونس الكبرى - بنزرت - جندوبة وباجة)، و31% من وسط البلاد (القيروان - سيدي بوزيد - سليانة - المهدية - المنستير - سوسة وصفاقس)، و23% من الجنوب (قفصة - توزر - قابس - مدنين - تطاوين - وقبلي).

ويقدر بعض المختصين في الجماعات الإسلامية أن عدد الجهاديين في تونس لا يزيد على أربعة آلاف جهادي، وبالإمكان طرح برنامج تأهيل لهم قبل الأوان، وهو برنامج يحمل بعدا أمنيا وبعدا سياسيا واجتماعيا وآيديولوجيا، وهدفه الأساسي إبعاد أنصار التيار السلفي عن حمل الأسلحة ضد الدولة وعدم تكفير التونسيين، والنجاح في عمليات الإدماج الاجتماعي لهم عبر مشاريع وقروض ميسرة لضمان استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.