رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض يقرر الرحيل: «أنا ذاهب»

بعدما تفاقمت الخلافات ووصلت إلى مرحلة أصبح يشكو فيها من «التخريب»

TT

قرر رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، إنهاء خلافاته مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، بتقديم استقالته من منصبه، راميا الكرة في ملعب أبو مازن وحركة فتح، التي طالما كانت تناصبه العداء خلال فترة توليه رئاسة الوزراء التي استمرت نحو 6 سنوات. وأكدت مصادر مطلعة، لـ«الشرق الأوسط»، أن فياض كان يفكر في الاستقالة من منصبه منذ فترة طويلة، لكن أبو مازن كان يطلب منه دائما الانتظار، إلا أنه بعد الخلاف الأخير، حول استقالة وزير المالية، نبيل قسيس، قرر ترك منصبه. ونقل عن فياض قوله لمقربين منه، «أنا ذاهب».

وحتى وقت متأخر أمس، لم يكن فياض قدم استقالته، وهي متوقعه في أي لحظة يلتقي فيها الرئيس الفلسطيني الذي عاد أمس، متأخرا من عمان. وبحسب المصادر، فقد مل فياض حرب فتح المستمرة ضده، وتحريكها الشارع في أكثر من مرة ضد سياساته، ما ألحق ضررا فادحا بالعمل المؤسساتي في الضفة الغربية، وكان يستشعر دوما بطعنات من فتح ومنظمة التحرير، تأتيه من الخلف. وأضافت المصادر، «الانسجام أصبح مفقودا بين مكونات النظام السياسي، بل تجاوز ذلك إلى التخريب على فياض».

واختلف فياض مع عباس غير مرة، في قضايا مختلفة، غير أن استقالة وزير المالية الشهر الماضي، كانت القشة التي قسمت ظهر البعير.

وكانت تفجرت أزمة علنية بين عباس وفياض بشأن قسيس، بعدما قبل فياض استقالته فورا بعد ساعات من إعلان مكتب الرئاسة رفض الرئيس الاستقالة، وهو ما أغضب أبو مازن ومستشاريه الذين اعتبروا ذلك تحديا علنيا وواضحا غير مقبول. وقالت مصادر مقربة من فياض، إنه قبل الاستقالة بعدما بذل جهدا في إقناع قسيس بالعودة عنها، لكن الأخير ظل مصمما عليها فقبلها، غير أن مكتب الرئيس عباس وحركة فتح، يقولان إنه ليس من شأن فياض قبول استقالة أي وزير بحسب القانون، وإن عليه احترام رغبة الرئيس ببقاء قسيس والعودة إليه والتنسيق معه.

وكان قسيس عين وزيرا للمالية في منتصف مايو (أيار) الماضي، بتدخل من أبو مازن الذي طلب من فياض ذلك، بعدما ظل فياض محتفظا بهذا المنصب (المالية) لـ6 أعوام تسلم فيها رئاسة الحكومة كذلك، منذ سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

واستقالة قسيس كانت مرتبطة مباشرة بموازنة 2013 إذ لم يوافق فياض على مقترحاته. وقد أثارت حركة فتح المسألة في اجتماع المجلس الثوري قبل أيام، حين طالب أعضاؤه بعودة قسيس أو إقالة فياض.

ونقل عن الرئيس قوله، إنه مصمم على إعادة قسيس إلى منصبه وأن لا خيار آخر أمام فياض.

وتناهت إلى مسامع فياض اتهامات شتى، بمحاولته تشكيل شريك سياسي للرئيس وفتح، وتجاوزه الحدود وتدخله فيما لا يعنيه، إضافة إلى اتهامات له بالفشل في سياساته الاقتصادية. وذهب المجلس الثوري بعيدا في انتقاد فياض علانية، في خطوة غير مسبوقة عبر بيانه الختامي، وقال «إن سياسات الحكومة الفلسطينية الحالية مرتجلة ومرتبكة في الكثير من القضايا المالية والاقتصادية».

واستهجن المجلس الثوري توجهات الحكومة بتصفية صندوق الكرامة الوطنية والتمكين الذاتي، الذي أسس لمكافحة منتجات المستوطنات، قائلا إنه يطلب من الحكومة رسميا إلغاء قرار تصفية الصندوق. وطالما اتهمت فتح فياض بالانقلاب الأبيض عليها في الضفة الغربية. وانتقدت فتح أكثر من مرة سياسات فياض الإدارية والمالية، وحركت ضده النقابات التي شلت العمل في الوزارات أكثر من مرة، وحركت ضده الشارع الذي خرج يهتف برحيله دون أن يتدخل الرئيس. ومن المفترض أن يكون أبو مازن التقى فياض أمس في وقت متأخر بعد عودته من عمان، حسب ما أعلن عضو اللجنة المركزية لفتح عزام الأحمد. وكان الأحمد قال للإذاعة الرسمية، أن «الرئيس سيلتقيه ويحسم المسألة». وأضاف، «القانون الأساسي حين استحدث منصب رئيس الوزراء، ينص بشكل صريح، على أن تشكيل الحكومة واستقالة أي من وزرائها من صلاحيات رئيس السلطة، لكن للأسف فياض خالف القانون ولم يقم بذلك».

وتابع، «الرئيس كان واضحا مع فياض، أن وزير المالية ما زال على رأس عمله، وبالتالي من الخطأ اعتباره مستقيلا، ومعروف أن فياض بدأ يتصرف، من اللحظة الأولى، وكأنه هو صاحب القرار». وإذا ما قبل أبو مازن استقالة فياض، فإن أحد أبرز الأسماء المرشحة لتولي المنصب، هو محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار. أما الخيار الثاني، فهو أن يبقى فياض في منصبه مسيرا لأعمال الحكومة لحين التوصل إلى مصالحة مع حماس وتشكيل حكومة وحدة من المستقلين، أو أن يتسلم أبو مازن شخصيا المنصب حتى ذلك الوقت. ومن المفترض أن يصدر أبو مازن هذا الشهر مرسومين، الأول، تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسته، والثاني، تحديد موعد الانتخابات العامة. وأول من أمس، أنهت لجنة الانتخابات المركزية تحديث السجل الانتخابي في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، استعدادا للانتخابات، وكان هذا شرط حركة فتح للمضي قدما في تشكيل حكومة جديدة.

وبحسب مصادر لـ«الشرق الأوسط»، «لا يريد الرئيس التورط في تشكيل المزيد من الحكومات، إنه يبحث عن الاستقرار في نهاية المطاف». ويحظى فياض بدعم غربي كبير، بما فيه دعم أكبر دولة في العالم الولايات المتحدة الأميركية. وينظر الغرب لفياض على أنه مصلح النظام المالي الفلسطيني، وباني مؤسسات الدولة، وقد تشكل هذه معضلة كبيرة للسلطة وتؤثر كذلك على حجم المساعدات المالية.

ومن غير المعروف كيف سيتصرف أبو مازن الذي لا يريد مواجهة مع الغرب، ولا تشكيل المزيد من الحكومات.

وفي أول رد فعل دولي على هذه التطورات، استبعد ممثل لوزارة الخارجية الأميركية في لندن، أمس، استقالة فياض. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عنه قوله، إن فياض «لم يقدم استقالته وفق معلوماتي. لن يقوم بذلك. إنه باق (في منصبه) على حد علمي».