قادة الجيش يبلغون الرئيس المصري غضبهم من إساءات تستهدف القوات المسلحة

مرسي دعاهم لاجتماع بعد تسريب تقرير عن انتهاكات لـ«المجلس العسكري» السابق

الرئيس محمد مرسي بين قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماع في القاهرة الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

قالت مصادر قريبة من اجتماع عقد بين الرئيس المصري محمد مرسي وقادة في الجيش، إن عددا من كبار العسكريين أبلغوا الرئيس بغضبهم من إساءات تستهدف القوات المسلحة من جانب سياسيين وجهات أخرى في الأسابيع الأخيرة.

وأضافت المصادر أن الرئيس مرسي دعا قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاجتماع الليلة قبل الماضية، وطمأن القادة إلى أنه لا يقبل المساس بالجيش، مشيرة إلى أن الاجتماع جاء بشكل مفاجئ بعد تسريب تقرير عن «انتهاكات وقعت في عهد المجلس العسكري» السابق، الذي أدار المرحلة الانتقالية منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك مطلع 2011 حتى تولي مرسي الحكم عقب انتخابات الرئاسة الصيف الماضي.

وظهر الرئيس مرسي مساء أول من أمس محاطا بأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحالي، عقب لقاء حرص مرسي على وصفه بالـ«العادي»، لكن مصادر بمؤسسة الرئاسة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء لم يكن مبرمجا ضمن جدول الرئيس، بينما قال الخبير العسكري اللواء محمود خلف إن «اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس لها صفة الروتينية، وإنها تأتي في الأوقات بالغة الخطورة».

وللمرة الأولى أقر وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بوجود استياء في صفوف ضباطه مما سماه «الإساءة» التي يتعرض لها الجيش، قائلا إن «الرئيس تفهم تماما مسألة كانت تقلق القوات المسلحة، وهي الإساءة التي تتعرض لها القوات المسلحة خلال هذه المرحلة». وربط مراقبون وخبراء عسكريون بين لقاء الرئيس مرسي بقادة القوات المسلحة وتسريبات تقرير تشرف عليه الرئاسة نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل يومين، يتعلق بمزاعم عن تورط عناصر عسكرية في انتهاكات لحقوق الإنسان إبان فترة الثورة المصرية التي أسقطت حكم مبارك.

واستندت الصحيفة البريطانية لجانب من تقرير أحيط بالسرية للجنة تقصي حقائق شكلها الرئيس مرسي للتحقيق في ملف المفقودين خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

وأكد مصدر رفيع بالنيابة العامة تحدثت معه «الشرق الأوسط» أمس، وجود تقرير لجنة تقصي الحقائق عن ملف المفقودين لدى النيابة بالفعل، لكنه أضاف: «لم أطلع على التقرير المنشور (بالموقع الإلكتروني لصحيفة الغارديان)، وبالتالي لا أستطيع أن أقطع بصحته». وعما إذا كان تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تحقق فيه النيابة حاليا قد تضمن توصيات بالتحقيق مع عسكريين، قال المصدر إن «التحقيقات لا تزال جارية، وسوف يتم الإعلان عنها في الوقت المناسب».

وأطل توتر مكتوم بين القوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس خلال الأسابيع الماضية، عبر تقارير صحافية محلية نقلت على لسان مصادر عسكرية لم تسمها، وجود حالة من الغضب بين صفوف الجيش من الإساءات التي توجه للقوات المسلحة وقادتها. كما سبق أن أعلنت قيادات «الإخوان» عزمها محاسبة أحد كوادرها بعد أن أدلى بتصريحات اعتبرها الجيش في بيان له «مسيئة».

وبث التلفزيون الرسمي أمس تقريرا عن الاجتماع الذي عقد مساء يوم الخميس الماضي، كما حرصت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» على بثه أيضا. وظهر الرئيس مرسي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، يترأس اجتماع المجلس، قبل أن يظهر أمام البوابة الرئيسية لمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع محاطا بقادة القوات المسلحة.

وقال الفريق أول السيسي في كلمة مرتجلة: «في هذا اللقاء استمع الرئيس لأعضاء المجلس بإنصات في كل الموضوعات التي تهم القوات المسلحة، ولازم (لا بد أن) أقول إن السيد الرئيس تفهم تماما مسألة كانت تقلق القوات المسلحة، وهي الإساءة التي توجه للقوات المسلحة خلال هذه المرحلة، وأعرب عن رفضه لهذه الإساءة، وأكد الدعم الكامل والثقة التامة بأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقوات المسلحة».

وأضاف السيسي وهو يبدي تأثرا: «أنا عاوز أقول وأقسم بالله لكل من يسمعني دلوقتي (الآن) القوات المسلحة من أول 25 يناير (قبل عامين حيث انطلقت شرارة الثورة التي أطاحت بنظام مبارك) حتى الآن، والله وأقسم بالله على ذلك، لم تقتل ولم تأمر بقتل.. لم تغدر ولم تأمر بغدر.. لم تخن ولم تأمر بخيانة».

وفيما بدا أنه تحذير مبطن أنهى السيسي كلمته قائلا: «أرجو من كل من يسمعني أنه يخلي باله قوي (ينتبه بشدة) قبل ما يسيء لجيشه.. القوات المسلحة قوات شريفة ووطنية وتتأثر بشدة؛ ضباطها وصف ضباطها وجنودها، من أي إساءة توجه لهم».

من جانبه، قال الرئيس مرسي في كلمة مرتجلة أيضا: «ألتقي اليوم مع قادة القوات المسلحة، وأتواصل معهم باستمرار وبكل السبل، وسعدت جدا بهذا الاجتماع، وأود أن أؤكد أنه لا يمكن أن أسمح بأي نوع من الإساءة، أو التعريض، أو أي وسيلة للتعدي على أي فرد بالقوات المسلحة، قادة وضباطا وصفا وجنودا، وهذا موجه إلى المجتمع كله، فأي إساءة للقوات المسلحة هي إساءة لنا جميعا». وأوضح الرئيس مرسي، وهو أول رئيس مدني منتخب في البلاد، أنه خلال اجتماع المجلس تمت مناقشة آليات أمن الوطن، وحماية حدوده الشمالية والشرقية الغربية والجنوبية، قائلا: «لا مجال للحديث عن أي نوع من التفريط في حبة رمل واحدة لهذا الوطن، حيث إن الحامي الأول والحقيقي لهذه الحدود هو القوات المسلحة». ووافق الرئيس مرسي على ترقية كبار قادة القوات المسلحة إلى رتبة «الفريق»، وقال مرسي إن القادة هم قائد القوات الجوية اللواء يونس السيد حامد المصري، وقائد قوات الدفاع الجوي اللواء عبد المنعم إبراهيم بيومي، وقائد القوات البحرية اللواء أسامة أحمد الجندي.

ورغم ما يواجهه الرئيس مرسي من صعوبات اقتصادية كبيرة، ومعارضة واسعة من القوى المدنية، فإنه لا يزال يحظى بتأييد قاعدة عريضة من القوى الإسلامية في البلاد، لكن مراقبين قالوا إنه «لا يمكن التكهن بتبعات توتر علاقته بالمؤسسة العسكرية». وخلال الشهور الماضية حرر مواطنون غاضبون من سياسات الرئيس مرسي توكيلات لوزير الدفاع الفريق أول السيسي لإدارة شؤون البلاد. كما نجحت القوات المسلحة في احتواء غضب سكان مدن قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) شرق القاهرة، بعد أن أعلن الرئيس حالة الطوارئ فيها في أعقاب مصادمات بين مواطنين وقوات الشرطة.

وفي تعليقه على اجتماع الرئيس مرسي بقادة الجيش، قال اللواء خلف، وهو قائد الحرس الجمهوري الأسبق، إن «المطلوب كان إيقاف سيل الشائعات التي تهدف إلى الوقيعة بين الجيش والشعب.. هناك حزمة ممنهجة من الشائعات والوقائع تستهدف الجيش».

وتابع: «هناك من تحدث عن تشكيل المخابرات لتنظيم من البلطجية (في إشارة لتصريحات أدلى بها أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط) نقلا عن الرئيس، ولم يصدر تعليق من مؤسسة الرئاسة، كما ضبطت القوات المسلحة أقمشة مماثلة لزي الجيش على الحدود مع ليبيا (الغرب) وغزة (الشرق)، وأخيرا مزاعم صحيفة (الغارديان)».

وكانت «الغارديان» قد نشرت الأربعاء الماضي صورة ضوئية لجانب من تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي جاء في 16 صفحة باللغة العربية، وتضمن شهادات لمواطنين تحدثت عن انتهاكات لذويهم مع بداية نزول الجيش للشارع في الأيام الأولى للثورة، كما أوصى التقرير المزعوم بالتحقيق في الانتهاكات التي أوردها.

وأضاف اللواء خلف: «كلنا نعلم أن تقرير لجنة تقصي الحقائق كان أمام الرئيس منذ مدة تزيد على ثلاثة أشهر قبل إحالتها للسلطات القضائية»، مشيرا إلى أن اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليست اجتماعات روتينية، وقال: «هذه الاجتماعات تتم في اللحظات بالغة الخطورة إذا ما تهدد شيء أمن البلاد، ويدور خلالها حوار صريح وعرض للمعلومات بعيدا عن البروتوكولات، ويتم توثيق كل كلمة فيه.. ولعلنا لاحظنا جميعا كيف كانت وجوه القادة تنم عن الأسى».