الجيش الحر يعلن بداية معركة القامشلي

معارك «الحر» و«النظامي» تصل لمعاقل الأكراد

معارض يرفع سلاحه خلال مظاهرة مناهضة للنظام السوري في مدينة حلب (أ.ف.ب)
TT

في خطوة اعتبرها البعض مقدمة للصراع السوري الداخلي «المؤجل» لحين إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أعلن الجيش السوري الحرّ، أمس، عن بدء تحرير مدينة القامشلي بهدف ضرب مواقع القوات الموالية لنظام الأسد. لكن مصادر كردية معارضة وموجودة في المدينة، نفت لـ«الشرق الأوسط» أن تفضي العملية إلى دخول «الحر» القامشلي، معربة عن قناعتها بأن العمليات القتالية ستنحصر في المواقع العسكرية النظامية التي تحيط بالمدينة.

والقامشلي، أو مكان القصب، وفقا للغة السريانية، هي مدينة في أقصى الشمال الشرقي لسوريا على الحدود مع تركيا، وتتبع إداريا لمحافظة الحسكة. ويبلغ عدد سكان المدينة نحو 185 ألف نسمة، وذلك حسب إحصاء 2007، هم خليط من أكثرية كردية وأقليات آشورية وعربية وأرمنية.

ووفقا لشبكة أخبار الرقة، بدأت «معركة الحسم في القامشلي» باستهداف مطارها العسكري والفوج 154 التابع للقوات النظامية براجمات الصواريخ على يد مقاتلي اللواء 313 المهام الخاصة، التابع للجيش الحر. ووفقا للشبكة ذاتها، تم تحقيق إصابات مباشرة في كلا الموقعين، إذ تدمر رادار المطار واحترقت ناقلات الجند العسكرية الراكنة في الفوج، بالإضافة إلى ما نقلته الهيئة العامة للثورة السورية عن انشقاق 50 جنديا نظاميا وانضمامهم للقتال إلى جانب الجيش الحر.

ويعتبر الأكراد القامشلي معقلهم، وقد سلم نظام الأسد أمور إدارتها منذ بداية الثورة السورية لحزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) الشقيق غير المعلن لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي كان يقاتل السلطات المركزية في أنقرة لنيل استقلال المناطق الشرقية الجنوبية من تركيا.

لكن مبادرة السلام لعبد الله أوجلان، التي أطلقها الشهر الماضي، كان لها تبعات في سوريا؛ إذ انفرط «التحالف غير المعلن» بين حزب «بي واي دي» ونظام الأسد، مما أدى إلى حصول بعض المناوشات بين الطرفين في الأسابيع الماضية، وفتح الأخير للطرق أمام مقاتلي الجيش الحر.

وفي سوريا، نحو 2.5 مليون كردي، أي ما نسبته 10 في المائة من تعداد السكان العام البالغ 24 مليون نسمة. وينقسم الأكراد على أنفسهم بخصوص الاستقلال الذاتي أو البقاء ضمن سوريا الموحدة؛ فأكراد غرب سوريا، وخصوصا في مدن حلب واللاذقية ودمشق، انصهروا في المجتمعات العربية، وأصبح كثير منهم لا يجيد لغته الأم، وبالتالي يفضلون البقاء ضمن سوريا موحدة. أما سكان المنطقة الشمالية الشرقية، التي عانت في ظل حكم حزب البعث من الكبت والفقر، فتفضل الاستقلال، أو التمتع بحكم ذاتي على أقل تقدير، خوفا من انصهار هويتهم القومية ضمن بوتقة المجتمعات التي يعيشون فيها على غرار ما حصل في دمشق واللاذقية.

وبُعيد انقلاب 8 مارس (آذار) 1963، منع عسكر حزب البعث العربي الاشتراكي، المسيطرين على الحكم في سوريا مذ ذاك الوقت، الأكراد من استخدام لغتهم، كما جردوا ما لا يقل عن 120 ألفا منهم من الجنسية «العربية السورية»، بذريعة أنهم مهاجرون أتراك، فحرموا بالتالي من التعليم والرعاية الصحية.

وفور نبأ وصول المعارك إلى مدينتهم، انقسم الشارع الكردي في المدينة بين مرحب بدخول «الحر» ومعارض له. ووفقا للناشط الميداني سالار الكردي، يبدو الشارع الكردي مترددا حيال دخول مقاتلي الجيش الحر لمدينتهم. فمن ناحية «يتذمر الأهالي من تصرفات الـ(بي واي دي) المسيئة، كفرض الإتاوات على الأهالي، وحصر توزيع المعونات على عناصر وكوادر الحزب، وفض المظاهرات بقوة السلاح، إضافة إلى خطف النشطاء وتكميم الأفواه»، لكن الناشط يشير في الوقت ذلته إلى تخوف الأهالي من تبعات دخول الجيش الحر إلى مدينتهم، الذي «سيعني تدمير القامشلي عبر صواريخ الأسد وطيرانه».

وبحسب مصادر معارضة بارزة في المدينة تحدثت معها «الشرق الأوسط»، فإن مقاتلي جبهة النصرة وصلوا إلى مداخل المدينة، أمس، بتسهيل من عناصر حزب «بي واي دي». وأوضحت المصادر أن هذا التسهيل «جرى تطبيقا لاتفاق سابق وقع بين الطرفين عقب اشتباكات معبر راس العين، ويقضي بتسهيل تنفيذ النصرة لعمليات في المدينة، وعبور مقاتلي الجيش الحر إليها، مقابل احتفاظ الحزب الكردي بالسيطرة على آبار النفط في حقل رميلان».

أما المكون العربي في المدينة، وأكثرهم من البدو المقيمين في ريف القامشلي، فتشير المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه متحمس لقدوم الجيش الحر، وقد قام بالفعل بتسهيل مروره عبر مناطق اليعروبة والقرى التابعة لها، وتل حماميص وتل براغ.

ويولي نظام الأسد، وفقا للناشط السوري سليمان يوسف، أهمية كبيرة لهذه المدينة، ولن يفرط بها؛ إذ تتربع القامشلي على احتياطي سوريا من النفط، وكانت ترفد خزينة الدولة بما قيمته 4 مليارات دولار سنويا قبل اندلاع الثورة السورية، بالإضافة إلى احتوائها على مطار دولي فاعل، تجري عبره عمليات انتقال المسؤولين، إلى جانب مطاري اللاذقية ودمشق، ليكون جزءا من حركة التواصل بين العاصمة والساحل والشمال.

ونظرا لتعقيدات الموقف في المدينة، أعربت مصادر في لجان التنسيق المحلية عن قناعتها بأن الجيش الحر «لن يدخل المدينة نظرا للتنوع القومي والإثني والمذهبي فيها، ونظرا لغياب القطع العسكرية فيها».

وأكدت المصادر أن «الضربات ستوجه إلى مطار القامشلي الدولي الذي يعتبر أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، وأكبر تجمع للثكنات العسكرية، بالإضافة إلى نقطة طرطب العسكرية التي تبعد كيلومترات قليلة عن المدينة، وتتضمن أكبر مربض للمدفعية النظامية».