اللبنانيون النازحون من سوريا: لا في الشام عيّدنا.. ولا بلبنان لحقنا العيد

يقولون إن المنظمات الإغاثية الدولية لا تساعدهم كونهم غير سوريين

TT

غادر اللبناني عيسى فرج (97 سنة) سوريا رغما عنه قبل أربعة أشهر، بعدما عاش في أحد أحيائها وعمل في إحدى إداراتها الحكومية طيلة 25 سنة، وبقي حتى موعد عودته إلى لبنان متمسكا بمنزله وشارعه وأصدقائه. لكن اقتراب الاشتباكات من الحي الذي يقطنه دفع أولاده لإجباره على العودة، فاختبر في لبنان الوحدة والحاجة، لأول مرة في حياته.

فرج ليس إلا واحدا من آلاف اللبنانيين الذين هاجروا إلى سوريا في حقبات متلاحقة، بدءا من الحرب العالمية الأولى، ثم خلال اضطرابات الثلاثينات في لبنان، وبعد الاستقلال، وخلال الحرب اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي.

نزح فرج شابا خلال موسم الهجرة الثانية، قبل 72 سنة، وعاش في دمشق، وعمل فيها، وأنجب عائلة كبيرة حتى اضطرته الأزمة السورية للعودة. ويقول فرج بلكنة سوريا «جئت إلى لبنان رغما عني. كنت أعرف أن النزوح من منزلي يعني المهانة. وتحقق ما توقعته». هنا، لم يجد معيلا له. وخلافا للنازحين السوريين إلى لبنان، لم تقترب مساعدات أي من المنظمات الدولية نحوه. «حين أظهر هويتي اللبنانية تتراجع المنظمات عن مساعدتي»، يقول مضيفا «رغم علمهم بأنني عشت في سوريا، وأقوم بهجرتي الثانية رغما عني».

قبل أربعة أشهر، وعلى أعتاب فصل الشتاء، هاله وجوده وحيدا بلا معونة. فقرر العودة مرة أخرى إلى دمشق، بخلاف رغبة أولاده. وهناك أقام ثلاثة أيام، قبل أن تصل قذيفة إلى الحي الذي يقطنه. وعندها أجبره أولاده على العودة إلى لبنان، حيث ساعدته إحدى الجمعيات الأهلية اللبنانية بإيجاد مسكن له في بعلبك، وتوقفت المساعدة هنا.

يقول فرج، الذي يتحدر من بلدة بريتال في منطقة بعلبك «تنصلت المنظمات الإغاثية من المساعدة»، ويضيف بحسرة «لم أعتد الوحدة. طوال 70 سنة عشت عزيزا.. ما يؤلمني الآن أن الدولة التي أحمل هويتها لا تكترث بنا.. لو كنت في سوريا لما واجهت ما واجهته.. كان علي أن أختار الموت بكرامة تحت ركام منزلي، على الفرار إلى بلد بت عبئا عليه، تاركا ورائي ذكريات العمر». هنا، ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقوله راثيا حاله «لا في الشام عيّدنا.. ولا في لبنان لحقنا العيد».

أولاد فرج يوفرون له في هذه الأيام احتياجاته الطبية والغذائية، على غرار لبنانيين آخرين يهتم أقرباؤهم بهم. ففي جنوب لبنان، تكفل أقرباء محمد حيدر (70 سنة) بإيوائه وتوفير مستلزمات عيشه وعائلته. حيدر الذي يتحدر من بلدة شمسطار الواقعة أيضا في منطقة بعلبك لا يتذكر متى نزح إلى سوريا. إذ هاجر والده خلال الحرب العالمية الأولى، لكنه لم يحمل الجنسية السورية، بل حافظ على هويته اللبنانية، وأصدر لأولاده هويات صادرة من شمسطار. وعن حاله يقول «ولدت وترعرعت هناك في حي زين العابدين في دمشق الذي تسكنه أغلبية لبنانية».

حيدر متزوج من لبنانية، ويقيم الآن في جنوب لبنان في منزل أحد أشقائها. لكنه أيضا يشكو حاله قائلا «لم تقرب الجمعيات الإغاثية من منزلنا، كوننا لبنانيين، وتكفلت عائلة زوجتي بتلبية متطلباتنا».

هذا الواقع المؤلم ينسحب على معظم اللبنانيين العائدين من سوريا في هجرتهم الثانية، ويُرجح أن عدد تلك العائلات بالمئات، في ظل غياب أرقام دقيقة لعددهم. وحسب متابعين للملف، ينزح هؤلاء باتجاه قرى وبلدات يتحدرون منها، أو يسكنها أقرباء لهم، ويقيمون عند أقاربهم.. وقد رصدت بلدية بنت جبيل في أقصى جنوب لبنان وجود 50 عائلة من هذه العائلات في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وبموجب قوانين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، لا تشمل المساعدات هؤلاء اللبنانيين مع أنهم عاشوا طوال حياتهم في سوريا، ولم يسكنوا لبنان إلا خلال الأزمة الحالية.