بدء العد التنازلي لسباق الانتخابات الإيرانية واللاعبون الكبار لم ينزلوا للساحة بعد

نجاد ما زال يدرس فرص فوز مشائي.. والإصلاحيون يعيشون انقسامات عميقة

TT

يقترب الصراع على السلطة في إيران من ذروته قبيل الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) المقبل، حيث شهدت الفصائل السياسية التي تتنافس على السلطة تغييرات كبيرة منذ الانتخابات المثيرة للجدل عام 2009، في حين يضع الرئيس أحمدي نجاد وفصيله أنفسهم في مركز وسطي يمزج بين المحافظة والمواقف الليبرالية في ما يتعلق بالقضايا الثقافية والقومية.

ويبدو أن المزيج من الضغوط الدولية الشديدة على المؤسسة الإيرانية والمنافسات الداخلية المريرة قد أدى إلى وجود فجوة أو ثغرة لموجة جديدة من التكنوقراط الذين يرتبطون بأحمدي نجاد وحليفه المقرب اسفنديار رحيم مشائي، للبقاء في السلطة بصورة مستقلة عن المؤسسة الدينية والحرس الثوري الإيراني الذي يتمتع بنفوذ كبير. ومن المعروف على نطاق واسع أن أحمدي نجاد يدعم مشائي ليحل محله في منصب الرئيس، ويتصور بعض المراقبين أن أحمدي نجاد يخطط لإعادة «نموذج بوتين وميدفيديف» لتداول السلطة.

وفي الجانب المقابل، يزيد معظم رجال الدين والمحافظين من انتقاداتهم للسياسات الخارجية والداخلية لإدارة الرئيس أحمدي نجاد، وبالتالي ينأون بأنفسهم عنه، ولا يترددون في أن يعزوا الجزء الأكبر من الوضع الاقتصادي المتردي لسوء الإدارة من جانب الحكومة وعدم قدرتها على إدارة البلاد في البيئة المليئة بالتحديات السياسية والأمنية التي تعيش فيها إيران في الوقت الراهن.

ومع ذلك، اعترف أحمدي نجاد بأن العقوبات الخارجية كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني، في الوقت الذي عبر فيه عن رغبته في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، أشار إلى أن العقوبات هي السبب وراء الهبوط الحاد في قيمة العملة الوطنية وزيادة التضخم بشكل مفرط وارتفاع نسبة البطالة، وهي المشكلات التي يعاني الاقتصاد الإيراني كثيرا بسببها. ويُنظر إلى هذا الاعتراف على أنه بمثابة إشارة ومبرر للتراجع عن موقف إيران الحازم والقوي بشأن برنامجها النووي من قبل حلفائه الإصلاحيين سابقا والذين ينتقدونه اليوم.

ولا تزال القضية الرئيسة في السياسة الإيرانية تتمثل في الكيفية التي سيدير بها آية الله علي خامنئي الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث كان داعما قويا لحكومة أحمدي نجاد، بل وكان هو المنقذ الرئيس لها خلال الانتخابات المثيرة للجدل في يونيو 2009، ولذا فإن تشويه صورة أحمدي نجاد بصورة كبيرة سوف يضر بسمعة خامنئي كمرشد للبلاد يتسم بالتبصر والرؤية الثاقبة.

وعلى الرغم من اقتراب موعد الانتخابات، فإن المرشحين الرئيسين الذين ينظر إليهم على أنهم الأوفر حظا لم يعلنوا عن عزمهم خوض الانتخابات من عدمه، فهناك مشائي، وهو رئيس هيئة الأركان السابق في مكتب أحمدي نجاد، والذي تمت ترقيته الآن ليشغل منصب أمين عام حركة عدم الانحياز، وهو المنصب الذي يعطيه منصة دولية للسفر إلى الخارج والاجتماع مع رؤساء بلدان أخرى ودبلوماسيين وصناع قرار.

وفي حديث خاص لصحيفة «الشرق الأوسط»، قال اليكس فاتانكا، وهو عالم إيراني بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن «لا يتعلق الأمر بمشائي وحده، ولكن بحظوظ فصيل أحمدي نجاد ككل، والذي ما زال على ما يبدو يدرس فرص نجاح مشائي في الانتخابات، وإذا ما وجد أن فرص النجاح ضعيفة فسوف يتخلى عنه ويدعم شخصا آخر. المحك الرئيسي للعلاقة بين أحمدي نجاد ومشائي هو القدرة على الصمود في الانتخابات الرئاسية والاستمرار في الحصول على السلطة والمال من جانب الحكومة».

ومن ناحية أخرى، ينظر إلى محمد باقر قاليباف، على الرغم من هزيمته في الجولة الأولى لانتخابات عام 2005، على أنه المرشح الأقوى للمحافظين المعتدلين والتقليديين. ويشغل قاليباف، وهو قائد سابق للحرس الثوري الإيراني، منصب رئيس بلدية طهران منذ عام 2005، على الرغم من استياء أحمدي نجاد من تعيينه في منصبه القديم.

وهناك مرشحان آخران محتملان من المقربين من آية الله خامنئي، الأول هو علي أكبر ولايتي، وهو وزير الخارجية السابق خلال الفترة بين عامي 1981 و1997، والثاني هو حداد عادل، وهو الرئيس السابق للبرلمان، واللذان أعلنا أنهما سيعلنان عن موقفهما النهائي من الترشح للانتخابات متى «يتم التوصل إلى توافق في الآراء» داخل واحد من الائتلافات الفرعية للإصلاحيين، والذي يطلق عليه اسم «2+1».

ولا يزال المعسكر الإصلاحي يعاني من القمع الذي تعرض له في أعقاب انتخابات عام 2009، ولا يزال يعاني من انقسامات عميقة، ويمكن للمرء تقسيمه إلى «إصلاحيين ديمقراطيين»، وهم الذين يصرون على شروط مسبقة محددة وضمانات لضمان انعقاد انتخابات حرة ونزيهة قبل المشاركة في هذه الانتخابات، و«الإصلاحيين الملتزمين»، الذين يرون أن أي تغيير سيحدث في نهاية المطاف من خلال المشاركة الفعالة في العملية الحالية، على الرغم من العيوب التي تشوبها.

ويرى «الإصلاحيون الديمقراطيون» أنه لا يمكن الحديث عن خوض الانتخابات في الوقت الذي لا يزال فيه اثنان من قادتهم ومرشحيهم الرئيسين في انتخابات عام 2009، وهما مهدي كروبي ومير حسين موسوي، تحت الإقامة الجبرية. ونتيجة لذلك، فإنهم يرون أن قبول الوضع الراهن والمشاركة في الانتخابات لا يعني شيئا سوى إعطاء شرعية للفصيل الإصلاحي الحاكم الذي يقولون إنه بدأ يفقد مصداقيته الداخلية والخارجية.

وقد تمت مناقشة ترشح الرئيس السابق خاتمي في الصحف والمواقع الإلكترونية الإصلاحية على نطاق واسع، ولكن يبدو أن احتمال الترشح قد بدأ يتلاشى، في ظل الشكوك المثارة حول الموافقة على ترشحه من جانب مجلس صيانة الدستور.

ومع ذلك، أيد بعض المحافظين المعتدلين والتكنوقراط من الحكومات السابقة لهاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي، ترشح حسن روحاني، وهو الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين النوويين خلال الفترة بين عامي 2002 و2005. وقد تمت إقالته من منصبه من قبل أحمدي نجاد بمجرد وصوله للسلطة، لكنه لا يزال عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام عن طريق التعيين من آية الله خامنئي. وثمة علاقة وثيقة بينه وبين رفسنجاني وخاتمي، كما نجح في الحفاظ على سمعته كسياسي وسطي ومعتدل داخل أوساط رجال الدين المحافظين. ويوم الخميس الموافق الحادي عشر من أبريل (نيسان)، أي بعد ثلاثة أشهر من الأخبار غير الرسمية في هذا الصدد، أكد حسن روحاني ترشحه للانتخابات، كما استبعد إمكانية ترشح خاتمي ورفسنجاني، مؤكدا على أنه «لن ينسحب لمصلحة أي شخص».

ومن المثير للاهتمام أن أحمدي نجاد يتحدث على مدى الشهرين الماضيين عن عزمه إجراء انتخابات حرة ونزيهة حتى يتمكن الشعب الإيراني من اختيار من يريده. إن سماع مثل هذا الخطاب من أحمدي نجاد يفتح مجالا للشك بأنه عازم على ضمان حصول مشائي على موافقة من جانب مجلس صيانة الدستور للترشح لمنصب الرئيس. وفي يوم الجمعة الموافق 12 أبريل وخلال زيارته لمحافظة سمنان، كان مشائي حاضرا إلى جوار أحمدي نجاد.

ويرى أحمدي نجاد أن المغامرة بتأييد مرشحه المفضل قد تؤتي ثمارها، نظرا لأن السياسات شبه الليبرالية لمشائي قد بدأت تنتشر بصورة تدريجية في جميع أنحاء البلاد. وعلى عكس الجولتين السابقتين من الانتخابات، اللتين اعتمد فيهما أحمدي نجاد على مجموعة من السكان المتدينين والمحافظين في المناطق الحضرية، جنبا إلى جنب مع الطبقة العاملة الفقيرة والمناطق الريفية والضواحي، يبدو أن فريقه يعتمد هذه المرة على مزيج من الناخبين الليبراليين من الطبقة الوسطى الحضرية، والفقراء أنفسهم في المناطق الريفية، الذين قد يضمن أصواتهم عن طريق حوافز صغيرة، مثل المزايا التي تمنحها الدولة لهم والتي أقرها أحمدي نجاد خلال العامين الماضيين.

ولن يكون الشكل النهائي للانتخابات المقبلة واضحا قبل أن يختار مجلس صيانة الدستور المرشحين، ولكن يبدو من خلال التنافس بين الفصائل أنه ستكون هناك ثلاثة فصائل رئيسة متنافسة، وهي الإصلاحيون، والإصلاحيون الملتزمون، والإدارة الحالية، بدلا من المحافظين والإصلاحيين التقليديين.