مصادر رسمية فرنسية: ضغوط الأطراف الخارجية على المعارضة السورية تهدد وحدتها

باريس تنبه إلى «فخ دبلوماسي» في مجلس الأمن للخلط بين جبهة النصرة والائتلاف

TT

تدور «تساؤلات» كثيرة في العواصم الغربية الأكثر دعما للائتلاف السوري المعارض بشأن قدرته على التماسك والمحافظة على وحدته الداخلية ومقاومة الضغوط التي يتعرض لها من عديد من الأطراف الإقليمية والدولية. وتدفع العواصم المعنية باتجاه «توضيح» العلاقة بين الأجنحة العسكرية المقاتلة نفسها وعلاقتها بالقيادة السياسية. وفيما جاءت مبايعة جبهة النصرة لـ«القاعدة» ولزعيمها أيمن الظواهري لتضع عوائق إضافية في وجه المعارضة والأطراف الداعمة لها، تسعى الدول الغربية لتفكيك «الفخ» الدبلوماسي المتمثل في طلب النظام السوري وضع «النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية الدولية والإيهام بأن كل المعارضة المسلحة «إرهاب في إرهاب».

وكشفت مصادر رسمية فرنسية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن هذه «الهواجس» طرحت في اجتماع لندن الأخير بين قادة من المعارضة ووزراء خارجية غربيين. وتريد الدول الغربية من الائتلاف «تجديد الضمانات» بشأن قدرته على التغلب على المشاكل التي عرفها في الأسابيع الأخيرة منذ اجتماع اسطنبول وقمة الدوحة وحتى اجتماع لندن الأخير الذي غاب عنه رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب.

وترغب العواصم الغربية الفاعلة بداية، وفق ما شرحته المصادر الفرنسية، في أن يوضح الخطيب موقعه داخل الائتلاف بشكل «حاسم ونهائي» لجهة بقائه من عدمه، وألا يبقي رجلا في الداخل والأخرى في الخارج. كذلك يتعين على الائتلاف أن يبين شكل العلاقة القائمة بينه كمرجعية سياسية وبين رئيس الحكومة المعين غسان هيتو والحكومة العتيدة. فضلا عن ذلك، تحث المصادر الفرنسية على جلاء العلاقة بين مكونات الجيش السوري الحر نفسها «اللواء سليم إدريس من جهة والعقيد رياض الأسعد من جهة أخرى»، وعلاقة الجيش السوري بالقيادة السياسية والتزامه بأوامرها، وهي تؤكد أنها «تسمع الكثير من الوعود (الجميلة) لكنها تريد بدلا منها أفعالا ملموسة».

وتعي العواصم الغربية المعنية بشكل رئيسي بتطورات الملف السوري أن المعارضة «تخضع لضغوط خارجية إقليمية وغير إقليمية كبيرة لا تصب كلها في الاتجاه نفسه»، الأمر الذي يزيد من تناقضاتها الداخلية. وستنقل هذه الملاحظات والتساؤلات إلى اجتماع اسطنبول الذي سيعقد في العشرين من الشهر الحالي، بعد أن نوقشت في اجتماع لندن بين المعارضة السورية وبعض وزراء الخارجية الغربيين. ومطروح على الائتلاف سؤال «أساسي» يريد الغربيون من المعارضة أن تعلن موقفا واضحا منه، ويتناول الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام ومصيرها في سوريا الغد. وترى المصادر المشار إليها أن «الحصول على توضيحات وإجابات وضمانات» يرتبط عضويا بموضوعين رئيسين متلازمين، الأول عام ويمس المعارضة وصدقيتها وقدرتها على أن تكون بديلا للنظام السوري الحالي، والثاني يطال بشكل خاص إمكانية مدها بالسلاح وهو ما لا تكف عن المطالبة به. وبشكل عام، يريد الغربيون ضمانات سياسية وأخرى تقنية - عسكرية بخصوص الجهات التي يمكن أن تمد بالسلاح الأوروبي أو الغربي بشكل عام، وهو الأمر الذي ما زال الأوروبيون منقسمين بشأنه. وبحسب مصادر دبلوماسية في باريس، فإن موضوع النصرة «سيزيد من صعوبة البلدان الراغبة بمساعدة المعارضة عسكريا وسيقوي حجج البلدان المترددة أو الرافضة» للتسليح.

ولا ترى باريس غضاضة في طرح موضوع «النصرة» في مجلس الأمن الدولي وتحديدا أمام ما يسمى «لجنة العقوبات» الخاصة بالقاعدة التي أنشئت بموجب القرار الدولي رقم 1267 لمناقشة وضعيتها كمنظمة إرهابية. وهي ترى أن الأمور أصبحت «أكثر وضوحا اليوم» بعد إعلان مبايعة الجبهة لزعيم «القاعدة». غير أن باريس تنبه إلى ما تعتبره «فخا دبلوماسيا» يحاول النظام السوري نصبه عبر استغلال موضوع النصرة وسعيه للخلط بين النصرة والائتلاف ومكونات المعارضة الأخرى والإيحاء بأنها كلها «منظمات إرهابية». وجددت المصادر المشار إليها ثقتها في الائتلاف الذي تعتبره يتبنى فكرا ديمقراطيا وقيما بينها الاعتدال تتوافق تماما مع القيم التي تتبناها فرنسا. وترى باريس أن غض الطرف عن النصرة «سيمكنها من اجتذاب المزيد من الدعم والشعبية والعثور على مزيد من التحالفات» وهي تبدو متشجعة من رد فعل رئيس الائتلاف ولجان التنسيق والجيش السوري الحر وتصريحات أخرى للمعارضة المدنية والمسلحة تذهب كلها في اتجاه «النأي» بذاتها عن النصرة. وتلفت المصادر الفرنسية الانتباه إلى أن الأمور كانت مختلفة عند إعلان واشنطن، بالتوازي مع انعقاد مؤتمر مراكش في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدعم المعارضة السورية، وضع الجبهة المذكورة على لائحة المنظمات الإرهابية الأميركية، إذ اعتبرت وقتها الخطوة الأميركية «مربكة وغير مفيدة».

وتلخص المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» الوضع كالتالي «ما كان صعبا بالأمس (بالنسبة للنصرة) أصبح اليوم ممكنا»، مضيفة أن «الغموض يمكن أن يلعب ضد الائتلاف وضد رغبات الدول الداعمة له وضد مصالحها المشتركة». لكنها في الوقت عينه تصر على أن قبول بحث موضوع النصرة في إطار «لجنة 1267» يجب أن يترافق مع مجابهة مساعي النظام السوري للتضليل والخلط بين النصرة والمعارضة والتأكيد على أن الائتلاف بعيد كل البعد عنها وعن القيم التي تحملها والأعمال التي تقوم بها.