النجيفي : المالكي هو الخصم والحكم.. يعتقل من يشاء ويعفو عمن يشاء

رئيس البرلمان العراقي قال في حوار لـ «الشرق الأوسط» إن قادة الجيش والقوى الأمنية دخلوا لعبة السياسة

TT

كان أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب العراقي والقيادي في ائتلاف «العراقية» الذي يتزعمه إياد علاوي، أكثر المسؤولين العراقيين تفاؤلا بأن الأمور قد تمضي بخير، لكن «الشرق الأوسط» وجدته في حوارها معه في مكتبه ببغداد مؤخرا، متشائما مما يجري في العراق، مبديا خشيته «من سيادة العنف» بسبب «استهداف مكون العرب السنة»، و«انحراف العملية السياسية».

النجيفي أكد أنه لا يقف مع العرب السنة أو يؤيد المتظاهرين في الأنبار ونينوى وباقي مناطق العراق كونه منحازا لهم، بل أنا أقف مع كل من يقع عليه الظلم، سواء من الشيعة أو السنة أو الأكراد أو التركمان».

ويرى النجيفي أن الهدف من «استهداف رموز المكون العربي السني بشكل واضح هو كسر إرادة السنة في العراق»، مشيرا إلى أن «قيادات (العراقية) على قائمة الاستهداف السياسي منذ قضية (نائب رئيس الجمهورية طارق) الهاشمي وحتى (وزير المالية المستقيل رافع) العيساوي». وفيما يلي نص الحوار:

* قيل إن أسامة النجيفي انحاز إلى قائمته (العراقية) وإلى مكون معين الذي هو العرب السنة عندما خطب من منصة المتظاهرين في الموصل وتبنى مطالبهم، ما تعليقكم؟

- أنا مؤمن بالوحدة الوطنية وبالدفاع عن المظلومين من أي جهة كانوا. أنا لم أنحز لأحد، لكنني الآن أرى أن المظلومية تركزت على محافظات بعينها وعلى مكون بعينه وهم العرب السنة، وذلك نتيجة سياسات وقناعات وأفعال وليس أقوالا فقط من جهات حكومية وجهات حزبية، لهذا كان لا بد أن أتدخل وأن أدافع عن هؤلاء الناس، وإذا حصلت أي مظلومية ضد أي واحد في العراق، سواء كانوا شيعة أو كردا أو تركمانا سأقف مدافعا عنهم، من منطلق أنني عراقي أولا، ومن منطلق أنني رئيس مجلس النواب وأتحدث باسم الشعب العراقي ومسؤول عن تطبيق الدستور وحملت أمانة الدفاع عن العراقيين. فالمظلومية تركزت في المحافظات الغربية والشمالية ووجدت من واجبي الوقوف مع العراقيين هنا، وأن أعمل من أجل أن ترد لهم حقوقهم كاملة وأن يعاد التوازن إلى البلد وأن يكون هناك مقياس واحد للتعامل مع العراقيين على أساس المواطنة، وإذا كانت هناك أي أطراف تريد التمييز بين العراقيين والتعامل معهم على أساس الدين والمذهب والقومية فهي مخطئة، ولا بد أن نرد على هذا الظلم والتصرف الأهوج، والوقوف بصورة شخصية وباسم من أمثل بقوة مع هؤلاء الناس الذين يقع عليهم الظلم.

* هل تعتقدون أن ما يسمى مكون العرب السنة مهمش أو مظلوم الآن؟

- هذا الكلام أنا قلته قبل أكثر من سنتين، والحقيقة هذه ليست قناعتي فقط باعتباري رجلا سياسيا وأعرف بواطن وظواهر الأمور، بل هذه قناعة حتى رجل الشارع. هذا التهميش وهذا الظلم والاستهداف للعرب السنة أصبح ظاهرة، حتى إن السيد مقتدى الصدر وهو من زعماء الشيعة المعروفين ذكر هذا الأمر لعدة مرات، وكذلك المرجعية الشيعية في النجف أكدت هذا الموضوع وتحدثت عنه مرات كثيرة، وحتى من لا يعلن هذا الأمر من القيادات الشيعية فإنه يقوله لنا في السر، وهم (القيادات الشيعية) غير راضين عما يجري في البلد، وهذا الاستهداف، للعرب السنة، له سبب واحد ويعني ضعف من يقوم به وأنه فقد التأييد الشعبي له ويريد إثارة النعرات الطائفية لكسب أصوات الناس وإخافتهم من أن هناك تهديدا للحكم وبأن هناك محاولة للعودة إلى النظام السابق وما شابه ذلك. نحن نقول إن هذه التصرفات كانت عبارة عن سياسة منهجية اتبعتها بعض أطراف الحكومة لإذلال الناس ومعاملتهم معاملة دونية بشكل واسع وضد محافظات بعينها ولفترة طويلة من الزمن وأصبحت من المسلمات للشعب العراقي، لهذا أجد أن إخفاء هذه الحقائق غير صحيح ويخل بواجبات المسؤول كما يخل بوطنية العراقي، وأنا مثلما قلت وقفت مع هؤلاء الناس للدفاع عنهم ضد الظلم الذي يصيبهم وضد من ظلمهم، وعندما يزول هذا الظلم ويتم التعامل مع كل المكونات العراقية على أساس واحد، فبالتأكيد لن نستخدم سوى اللغة العامة التي لا تجرح أحدا والتي تحاول أن توحد الصف الوطني.

* هل تتعاملون مع مطالب المتظاهرين في المحافظات الغربية والشمالية على أنها مطالب مشروعة؟

- مطالبهم في الحقيقة واضحة ولا تحتاج إلى تفسير وكلها تتلخص بتحقيق العدالة ورفع الغبن وإيجاد توازن في الدولة وإلغاء بعض التشريعات التي استخدمت استخداما سيئا تجاه هذا المكون وأن تكون هناك شفافية في الحكم وإصلاح للقضاء، وهذه أمور واضحة لا لبس فيها، المطالبة بحقوق ممنوحة أصلا من الدستور العراقي ومثبتة فيه، لكنها منعت عن الناس بطريقة انتقائية، وبعض القوانين لا بأس بها، لكنها تنفذ بطريقة انتقائية مثل قانون المسائلة والعدالة الذي تم تطبيقه على بعض المحافظات وأعفيت محافظات أخرى من تطبيقه، بل إن هناك من هم مشمولون بهذا القانون لكنهم منحوا المناصب وتقدموا بها وهم اليوم يتصدرون الواجهة، بينما لا يتم تنفيذ المطالب المشروعة التي ثبتها الدستور.

* لكن هناك من طالب في هذه المظاهرات بإسقاط النظام وإلغاء الدستور، فهل تعتبرون ذلك مشروعا؟

- ظهرت بعض الأصوات غير المسموعة من بين المتظاهرين تطالب بإلغاء الدستور وإسقاط النظام، وهذه الأمور مرفوضة تماما من قبلنا ومن قبل المتظاهرين، وحدث قبل أسبوعين في ساحة العزة والكرامة في الرمادي أن أطلق البعض شعارات غريبة عن روح مطالب المتظاهرين وتم إخراجهم بقوة من قبل المتظاهرين عن الساحة وامتدح السيد مقتدى الصدر إجراءات المتظاهرين.

* وكيف تفسرون رفع أعلام النظام السابق من قبل بعض المتظاهرين؟

- هذا تصرف خاطئ من قبل القلة القليلة وهذا يعطي مبررا لبعض الاتهامات، ورفع العلم لا يغير شيئا في واقع الأمور، وهذا يمثل من يرفع العلم بصورة شخصية، وفي إحدى المظاهرات تم رفع علم تنظيم القاعدة من قبل البعض وتم رفضه تماما من قبل المتظاهرين، نحن نقول يجب الالتزام بالحقوق الدستورية، ومن يقود ويوجه المظاهرات من الغالبية العظمى هم يطالبون بالحقوق القانونية الدستورية، أما أن يكون هناك أكثر من نصف مليون متظاهر ونجد شخصا يرفع راية هنا وراية نشاز هناك فهذا يمثل هذا الشخص ولا يمثل عموم المظاهرة والمتظاهرين.

* هل تساندون هذه المظاهرات لأسباب انتخابية؟

- لا.. أبدا، ومثلما قلت آنفا أنا أدافع عن حقوق الناس قبل وبعد الانتخابات ومنذ فترة طويلة، والمظاهرات تزامنت مع موعد الانتخابات وانطلقت بعد أن تم استهداف مقر الدكتور رافع العيساوي (القيادي في ائتلاف العراقية ووزير المالية المستقيل)، ومن خطط لاستهداف العيساوي هو الذي فجر هذه القضية وفجرت القوة الكامنة الغاضبة بسبب الظلم الذي لحق بالناس فانطلقت هذه المظاهرات وانتشرت في كل مكان من العراق وأوضحت ماذا تريد وما هي مطالب المتظاهرين، وأبدا لا علاقة لها بالانتخابات وليس هناك ترويج انتخابي لأحد في هذه المظاهرات ومن يعتلي المنصات هم رجال دين وشيوخ عشائر وشخصيات وشباب وطنيون وليس هناك لافتة أو شعار انتخابي رفع فيها.

* أنتم كائتلاف العراقية وغالبيتكم من قادة العرب السنة، لكن طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية محكوم بالإعدام بتهم إرهابية وهو الآن خارج العراق، وصالح المطلك كان قد تم تهميشه بسبب تصريح وصف فيه المالكي بـ«ديكتاتور»، والعيساوي تمت مداهمة مقره لاتهام حماياته بالإرهاب ثم اتهم هو نفسه بذات التهمة، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء طالب بسحب الثقة منكم كرئيس لمجلس النواب، وجميع هذه الأسماء من العرب السنة، فما نوع المشاركة الوطنية التي يتم الحديث عنها؟

- هو هذا الاستهداف الذي نتحدث عنه، والممارسات الطائفية والانتقائية في تطبيق القانون واستهداف رموز المكون العربي السني بشكل واضح والغاية منها هو كسر إرادة السنة في العراق، والحقيقة أخطأ من سار بهذا الطريق لأن المظاهرات هي أكبر دليل على أن من انتهج هذه الممارسات قد ارتكب أكبر خطأ كونه تجاوز على مشاعر الناس وأضعف البلد والحكومة وأربك العملية السياسية وتعامل بانتقائية بأسلوب غير محترم مع الوزراء والقيادات، فعندما غاب وزراء (العراقية) عن اجتماعات مجلس الوزراء منحهم (المالكي) إجازات إجبارية ومنعهم من دخول وزاراتهم وسحب طواقم حماياتهم.

* باعتقادكم لماذا هذا التعامل مع ائتلاف العراقية بالذات؟

- أنا من يسأل.. والسؤال يجب أن يوجه له، للمالكي.

* هل يعتقد رئيس مجلس الوزراء أنكم تشكلون خطرا عليه؟

- ليس هناك أي خطر، بل هي محاولة منه (المالكي) لفرض وضع طائفي على البلد، والأخطر من هذا فرض أجندة حزبية ضيقة، وأجندة شخصية، حتى إن أغلب الشيعة في العراق لا يرضون على هذه التصرفات ويقاومونه بالوسائل المتاحة لهم، ومواقف المرجعية الدينية في النجف والسيد الصدر والسيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، رافضة لهذه الأوضاع والتصرفات. لكن هذه التصرفات هي عبارة عن موقف حزبي وشخصي ويتلبس لبوس الطائفة والمذهب هدفها ترسيخ الحكم والاستفادة من هذه الموجة لتصفية خصومه السياسيين والشركاء والإخلال بالاتفاقات وعدم السماح بالمطالبة بالتوازن والعدالة بتطبيق القانون.

* طالبتم في أحد خطاباتكم في مظاهرات الموصل بانسحاب وزراء «العراقية»، لماذا لم تناقشوا هذا الأمر في قيادة الائتلاف؟

- لقد ناقشناه كقيادات لـ«العراقية» واتفقنا على أنه لا بد من الاستقالة من الحكومة وكان توقيت التنفيذ مؤجلا حتى يحين الوقت المناسب وليس هناك أي اتفاق حول العودة إلى الحكومة أو البقاء في منتصف الطريق. الدكتور رافع العيساوي طلب من قيادة «العراقية» الموافقة على تقديم استقالته، لكننا اقترحنا عليه تأجيل هذه الخطوة حتى تكون الاستقالة جماعية، لكنه في مظاهرات الأنبار كان هناك ظرف خاص فأعلن استقالته، وكذلك الدكتور عز الدين الدولة، وزير الزراعة، أعلن استقالته على أثر استهداف المتظاهرين في الموصل وإطلاق النار عليهم مما أدى إلى مقتل أحدهم وجرح آخرين، والدكتور عبد الكريم السامرائي تقدم باستقالته إلى المتظاهرين في سامراء، وهناك بعض الوزراء وقيادات «العراقية» عادوا إلى الوزارة وتمردوا على قرار ائتلاف العراقية، وننتظر أن يلتزم بقيد الوزراء بقرار القائمة العراقية بالاستقالة، ونحن عندنا قناعة بأنه لا جدوى من الاستمرار في هذه الحكومة وما يحصل للشعب العراقي فيه مسؤولية تضامنية من قبل الحكومة وأي وزير يستمر في الوزارة سيتحمل عبئا ونتائج هذه السياسة الخاطئة التي بالفعل صارت تهدد وحدة وتماسك الشعب العراقي.

* الحكومة تقول حققنا جزءا كبيرا من مطالب المتظاهرين، وبالمقابل فإن المتظاهرين ما زالوا في ساحات الاعتصامات منذ ما يقرب من 4 أشهر ويطالبون بتنفيذ مطالبهم..

- أن تقول الحكومة إنها حققت مطالب المتظاهرين فهذه كذبة كبيرة، اللجان التي شكلتها الحكومة لم تتقدم أو تنجز أي شيء مهم، والمتظاهرين يدركون هذا الموضوع وهم مستمرون باعتصاماتهم حتى يتم تنفيذ مطالبهم المشروعة، الآن هم في شهرهم الرابع، وأقول لو تمضي عليهم سنوات فلن يتراجعوا لأنهم كسروا حاجز الخوف وانتفضوا ولن يقبلوا بالإذلال بعد الآن ولا بالتعذيب أو القتل على الهوية أو الاستهداف الطائفي، أبدا، وهم يطالبون بحقوق كل العراقيين وليس بحقوق مكون معين، ويجب أن تكون هناك صحوة، وعودة وعي للجهات السياسية العراقية لإجبار رئيس الوزراء على تغيير سياسته أو استبدال مرشح آخر من التحالف الوطني به ويتم التصويت عليه في مجلس النواب.

* ألا تجدون أن قراركم بالانسحاب من الحكومة جاء متأخرا؟

- بعد اتفاقية أربيل كانت هناك قناعة بأنه كان يجب أن يكون هناك التزام بتطبيق هذه الاتفاقية وأنه سيكون هناك تنسيق وتعاون وسيكون هناك تشريع لبعض القوانين المهمة، ولكن لم يتم تنفيذ اتفاقيات أربيل وبدأنا بالمشكلات منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة وليس الآن، منذ ذلك اليوم ونحن في سجال مع رئيس مجلس الوزراء بالطرق القانونية والدستورية المتاحة لتغيير هذا الوضع، لكننا لم نر أي استجابة ونعتقد أن المالكي كان متعمدا لانتهاج هذه السياسة وهي السيطرة على الملف الأمني بالكامل ولم يقبل بتقاسم السلطة، لم يقبل بالشراكة، لم يقبل بالتوازن الوطني، لم يقبل بصياغة النظام الداخلي لرئاسة مجلس الوزراء وترك الدولة أن تسير بطريقة هلامية وعشوائية، ومن خلال هذه العشوائية استطاع أن يمد أذرعه إلى كل مكان، وبعد أن ثبت قديه على الأرض وبعد خروج القوات الأميركية انطلق باستهداف خصومه بوضوح، والآن هو مستمر بهذه السياسة، وفي الحقيقة ليس هنا أي من الشركاء ليس لديه مشكلة مع السيد المالكي. الأكراد غاضبون والجيش العراقي والبيشمركة يتواجهان في مناطق النزاع، ائتلاف العراقية منسحب من الحكومة، والتيار الصدري انسحب، ثلثا الوزراء خارج الحكومة اليوم، فهل كل الأطراف والشركاء على خطأ والمالكي على صواب؟ حقيقة هذه التجربة بدأت تنهار بسبب هذه السياسات الفردية التي تصب بمصلحة شخص ومجموعة ضيقة من حزب الدعوة وضد توجهات ومصالح الشعب العراقي شيعة وسنة وأكرادا، وهذا الأمر واضح لدينا ولدى المواطن البسيط.

* إذا كانت الأوضاع هكذا وكل هذه التقاطعات والمشكلات، فكيف تفسرون استمرار رئيس الحكومة قويا وحكومته لا تزال باقية؟

- هو طبعا لديه عدة قضايا مكنته من السيطرة على البلد، مثل تدخله في عمل القضاء والهيمنة على السلطة القضائية بشكل واسع وتحجيمه والتضييق على مجلس النواب وعدم السماح له بتشريع القوانين بالتعاون مع السلطة القضائية التي صارت تنقض كل ما يشرعه مجلس النواب، ومنع النواب من القيام بواجبهم مثل منع أعضاء لجنة حقوق الإنسان من زيارة السجون، وغلق الطرق أمام برلمانيين يريدون زيارة مناطق معينة، حتى إنه بدأ يتكلم ويقول إنه ليس هناك حصانة للنائب خارج قبة البرلمان، وإن الحصانة داخل الجلسات فقط، أما إذا خرج إلى المركز الإعلامي للإدلاء بتصريح في البرلمان فيمكن إلقاء القبض عليه، وأرسل لنا مذكرة رسمية بهذا الصدد.

* هل هذا معقول؟

- نعم، وصلنا كتاب رسمي من قبل أحد مستشاري المالكي الأفذاذ يقول فيه إنه لا حصانة لعضو مجلس النواب خارج قبة البرلمان، ورددنا عليه طبعا. غير هذا هناك تدخل رئيس مجلس الوزراء في عمل الهيئات المستقلة.

* وما موقفكم كمجلس نواب؟

- نحن في سجال معه منذ اليوم الأول، ونمنعه من القيام بهذه التصرفات، ونطلبه للبرلمان لمسائلته حول إخفاقات الملف الأمني ويرفض الحضور، خلال عامين جاء إلى البرلمان مرة واحدة للترويج لقانون البنى التحتية فقط، بينما في دول العالم الديمقراطي يذهب رئيس الحكومة مرة كل أسبوع للبرلمان للإجابة عن أسئلة البرلمانيين. المسألة الأخرى الأهم هي سيطرته على الملف الأمني بالكامل وعلى المؤسسات الأمنية ووزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات، وهو الخصم والحكم، يعتقل من يشاء ويعفو عمن يشاء ويتهم من يشاء ويفرج عمن يشاء والقضاء ساكت أو يتعاون معه، وصل الأمر إلى أنه أصدر مذكرة إلقاء قبض على رافع العيساوي وهو قيادي في «العراقية» ووزير مالية مستقيل، وتم تعميم المذكرة على نقاط التفتيش فعندما يمر النواب من خلال نقاط التفتيش يتم سؤالهم «هل العيساوي معكم لأنه مطلوب إلقاء القبض عليه»، وعندما شكلنا قائمة «متحدون» والعيساوي قيادي فيها صار الجيش يمزق الملصقات الدعائية للانتخابات المحلية لأن العيساوي بها، فتصور إلى أين تمضي الأمور. للأسف قادة الجيش والقوى الأمنية دخلوا في لعبة السياسة وصاروا يأتمرون مباشرة بأمر المالكي لاستهداف خصومه السياسيين، والأكثر من هذا هو أن أفراد الجيش والشرطة هم من يعلق الدعايات الانتخابية لقائمة رئيس الوزراء في الشوارع ويمزقون دعايات بقية القوائم، هذا يحدث في ظل عدم استكمال بناء مؤسسات الدولة واستكمال التشريعات وعدم وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء يحدد الصلاحيات.

* هل تعتقدون أن هناك دعما دوليا لرئيس مجلس الوزراء؟

- بالتأكيد، هناك دعم أميركي وإيراني للسيد المالكي، في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى بغداد، وخلال لقائي به قال «نرى أن التجربة الديمقراطية تنهار في العراق»، وأجبته قائلا: أنتم السبب، فأنتم من منعتم مساءلته في البرلمان في السنة الماضية وهذا العام، أنتم والإيرانيون تدعمون المالكي في كل شيء، وأبلغته بأن هذا يعد تدخلا في الشأن العراقي ومنع العراق من أن يسلك طريق الديمقراطية، وسألني عن الحل لهذا الوضع، فقدمنا له مقترحات، منها استقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة مؤقتة، أو إجراء انتخابات مبكرة لكن على أن تكون بعيدة عن يد المالكي كونه غير مؤتمن في هذه القضية فهو قرر تأجيل انتخابات الأنبار ونينوى بطريقة غير قانونية وبأسلوب طائفي ولم يستشر مجلس النواب في الموضوع، وأقول إنه لم يرغب بإجراء انتخابات في هاتين المحافظتين لإثارة الفوضى وتشجيع المتطرفين في هذه المناطق وليقول للشعب العراقي إنه لا جدوى من العملية السياسية، وليس لأن نينوى والأنبار غير جاهزتين لإجراء الانتخابات أو لأن الأوضاع لا تسمح بالتصويت. ماذا نقول للناس إذا جاء الاستحقاق الانتخابي وقد منعوا منه؟ هذا الأسلوب يؤدي إلى دفع الناس إلى خيارات أخرى بعيدة عن الخيارات الدستورية وهذا طريق خطير يخل بالعملية السياسية ويهدد استقرار العراق.

* ألم تناقشوا مثل هذا القرار، أعني تأجيل الانتخابات في نينوى والأنبار، في مجلس النواب؟

- كلا لم يُحل إلينا ونحن على استعداد لمناقشته، ولكن ما الفائدة من مناقشته.. فالمالكي لن يأخذ برأي البرلمان ولن ينفذه مثلما لم ينفذ في السابق قرارات كان قد أصدرها المجلس، قرارات بقوة القانون، وسبق وأن أصدرنا قوانين ولم ينفذها وبعض القوانين تم نقضها من قبل المحكمة الاتحادية وأخرى مركونة على الرف. حقيقة هذه ليست سياقات دولة دستورية فيها الفصل بين السلطات ومعالم واضحة للأداء الديمقراطي، هناك انحراف واسع عن هذا المسار.

* يطلق على أعضاء البرلمان في أي مكان في العالم توصيف (المشرعون)، لكن المحكمة الاتحادية في العراق قالت إن التشريع ليس من مهام مجلس النواب، ما تعليقكم؟

- هذا هو نوع من التدخل ومحاولة لتحجيم البرلمان، التشريع هو الصفة الأساسية لمجلس النواب، التشريع والرقابة والدستور. كان واضحا أن مقترحات القوانين تقدم من قبل مجلس النواب بعشرة من أعضائه أو لجنة من لجانه، ومشروعات القوانين تأتي من الحكومة أو من رئاسة الجمهورية لكنها تمر في الحركة التشريعية وتتغير حسبما يقترح ويقرر النواب، حتى لو جاء مشروع من الحكومة فنستطيع تغييره تماما والأغلبية تصوت ويتم التصديق على القوانين، أما أن يمنع المجلس من ممارسة مهامه التشريعية بفتوى من المحكمة الاتحادية فهذا يعد كسرا لشوكة الشعب وإرادته وتحجيم وإضعاف مهام البرلمان ومحاولة إحكام الهيمنة في القرار الأمني والسياسي والتشريعي وفرضه على الشعب العراقي.

* ما توقعاتكم للحلول للأوضاع الراهنة؟

- في ظل السياسة الحالية فإن العراق بالفعل مهدد تهديدا حقيقيا. ونحن نخشى من سيادة العنف، فعندما تم قتل المتظاهرين في الفلوجة والموصل ولم يتم تقديم شخص واحد من المعتدين للقضاء مع أن هناك لجانا برلمانية حققت بالموضوع وأثبتت أن الجيش أطلق النار على المتظاهرين غير مسلحين ومسالمين من دون سبب، وهذا الاحتكاك المستمر بين الجيش والقوات الأمنية من جهة، والمتظاهرين من جهة ثانية، يمكن أي يفجر المواجهات في أي وقت، وهذا ما نحذر منه ونقول لا بد من الاستجابة لمطالب المتظاهرين، ولا بد من تقديم المتورطين بالدم العراقي إلى القضاء، ليس فقط من قتل المتظاهرين في وضح النهار ولكن من عذب المعتقلين وبقى في منصبه ويتم الدفاع عنه.

* بعد عشر سنوات من تغيير النظام الذي كلف العراقيين احتلال بلدهم والكثير من التضحيات والدم وتهديم البنية التحتية وخسائر بالمليارات من الدولارات والفساد والخراب الذي لحق بالبلد، ماذا تقولون؟

- أقول إنها تجربة بدأت تفشل.

* هل هذا يعني أنها كانت ناجحة وبدأت تفشل؟

- بل هي في طريقها للانهيار، كان هناك أمل عندما تحققت الانتخابات وشارك فيها الشعب العراقي، كان هناك أمل عند العراقيين للتغيير.

* هل تعتقدون، بعد 10 سنوات من تغيير النظام، أن العراقيين نادمون؟

- نعم.. أنا لا أقول إن النظام السابق كان عادلا وإن الأمور كانت مستقرة، لكن بعد التغيير كان هناك أمل بتحقيق نظام ديمقراطي وعدالة وتوازن، لكن اتضح أن هناك أطرافا تريد أن تهيمن على كل شيء وأن تحاسب الآخرين على قضايا لم يرتكبوها وليست لهم علاقة بها، الأحزاب التي تحكم العراق اليوم أغلبها إسلامية ويجب أن تحترم وتلتزم بحقوق الناس وتحقيق العدالة كما جاءت في الإسلام، هذه كلها لم تتوفر للأسف.

* كيف تنظرون اليوم إلى ائتلاف العراقية، هل ما زلتم تقولون عنه إنه قوي؟

- «العراقية» مرت بمراحل متعددة وهناك استهداف مادي ومعنوي وكل شيء.. بدأت قوية ومرت بمراحل ضعف والآن نستطيع القول إنها قوية فهناك اجتهادات بين تيارين، الأول يدعو للمهادنة مع المالكي على حساب مصالح الناس ويقول لا فائدة من مواجهته وعلينا أن نسكت حتى تنتهي ما تبقى من فترة ولايته، والتيار الآخر، وهم الغالبية يؤكدون الانسحاب من الحكومة والوقوف مع المتظاهرين ومع حقوق الناس وينسقون مع القوى الأخرى التي لا ترضى عن أداء الحكومة، هذا التباين في الاجتهادات قد يسبب شرخا في القائمة إذا أصر بعض الإخوة في تنفيذ توجهاتهم، ومع ذلك فإن غالبيتها متماسكة.

* هناك عتب من طارق الهاشمي، وهو قيادي في ائتلافكم ونائب رئيس الجمهورية، بأن «العراقية» لم تقف إلى جانبه فيما تعرض له من اتهامات، ويعتبر أن ما جرى للعيساوي هو استمرار لاستهدافه؟

- في موضوع الاستهداف هذا صحيح وهناك عدد من قيادات «العراقية» هم على قائمة الحكومة لاستهدافهم، والاغتيالات جارية على قدم وساق، فمؤخرا تم اغتيال 5 من مرشحي «العراقية» لانتخابات مجالس المحافظات. لكننا بالتأكيد لم نتهاون في الدفاع عن الأخ طارق الهاشمي ومنذ اليوم الأول القائمة وقفت معه ودافعت عنه ونحن على يقين بأنه تعرض لظلم وتزييف للواقع وقضيته هي استهداف سياسي ووصل الأمر إلى تعذيب حماياته ووفاة بعضهم بسبب التعذيب وحكم على بعض حماياته بالإعدام وكذلك هو غيابيا، نحن لم نستطع إيقاف هذا الأمر لكننا رفضناه ولا نزال نرفضه، ونحن نطالب بإعادة النظر في القضية وإعادة التحقيق لأن هناك أطرافا في الحكومة تريد معاقبة السيد الهاشمي بسبب مواقفه الوطنية، وكذلك الدكتور العيساوي في نفس الاتجاه، ويمكن أن تتعرض قيادات أخرى في «العراقية» لنفس القضية، ممكن أن يتعرض الدكتور إياد علاوي أو أسامة النجيفي لهذا الاستهداف، ففي الأمس تم سحب قوة الشرطة التي تحمي منزل الدكتور إياد زعيم القائمة ورئيس وزراء العراق الأسبق. أقول نحن نحترم الأستاذ الهاشمي وتاريخه الوطني وعتبه مقبول ويبقى بالنسبة لنا أحد قياديي «العراقية» ونعتز به كشخصية وطنية.