الخرطوم وجوبا تطويان مرحلة «الحرب» وتدشنان «مرحلة التعاون»

النفط بدأ يتدفق مجددا عبر الأراضي السودانية معلنا عن صفحة جديدة من العلاقات

TT

بدأ نفط دولة جنوب السودان يتدفق مجددا على أراضي الدولة السودانية في الشمال، معلنا نهاية أزمة طالت بين البلدين، وكادت تصل بهما إلى شفير حرب.

وأعلنت وزارة النفط السودانية أمس أن خام جنوب السودان عاد ليتدفق مجددا عبر الأراضي السودانية، ما سيمكن البلدين من الحصول على عائدات كبيرة.

واعتبرت الخطوة «إشارة» إلى نهاية الأزمة التي نشبت بسبب خلافات حدودية، وقضايا خلافية أخرى معلقة منذ أن نال السودان الجنوبي استقلاله عن السودان في يوليو (تموز) 2011.

ويمكن تدفق نفط الجنوب عبر أنابيب النفط السودانية إلى ميناء التصدير في بورتسودان، البلدين من الحصول على عائدات «كبيرة» تسهم في دفع اقتصاديهما المنهكين أصلا، التي زادها إنهاكا إيقاف الجنوب تصدير نفطه في العشرين من يناير (كانون الثاني) عام 2012، متهما السودان بسرقة قرابة 120 ألف برميل من نفطه. واصطحب الرئيس البشير «نصف حكومته» تقريبا إلى جوبا الجمعة الماضي، وقوبل شعبيا ورسميا بأريحية لافتة، تجاوزت وصفه للحركة الحاكمة في الجنوب بـ«الحشرة الشعبية» والتعبئة المضادة. وعقد الجانبان مباحثات وصفت نتائجها بالمثمرة.

وما إن عاد البشير إلى الخرطوم حتى خرجت إلى الإعلام «استجابة» رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت لدعوة نظيره البشير لزيارة الخرطوم. تطورات لاهثة حدثت عقب توقيع اتفاقية أديس أبابا «الأخيرة»، تجعل المراقب يتساءل مندهشا: «أليس هؤلاء أعداء الأمس؟ ما الذي دفع العلاقات هذه الدفعة الكبيرة، وجعل الخصماء يتحولون إلى أولياء حميمين؟». ويثير هذا التحسن السريع في العلاقات بين البلدين أسئلة من قبيل: «هل ثمة قوة تقف خلف هذا التحسن السريع، أدى دورها لقلب الأوضاع رأسا على عقب، من شفير الحرب إلى التعاون في المجالات كافة؟».

يقول الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي محمد إبراهيم كبج: «هناك ضغوط دولية بالطبع»، لكن ظروفا ذاتية دفعت الطرفين للتوصل للاتفاق، فاقتصادا البلدين لا يمكنانهما من الدخول في حرب شاملة مكلفة، وشعبا البلدين ينتظران ثمرة السلام.

ويضيف: «واجه اقتصاد السودان بعد أربعة أشهر من الانفصال وضعا مأساويا وضعه على حافة الانهيار»، تراجع إنتاجه من النفط إلى 107 آلاف برميل، حصته منها 60 ألفا، وما يتبقى هو حصة الشركاء «الشركة الصينية، الماليزية، وغيرهما»، وهي لا تكفي الاستهلاك المحلي البالغ 90 ألف برميل. وأوضح كبج أن الخرطوم كانت تغطي العجز البالغ 30 ألف برميل بالاستدانة من الشركاء، وتكفي الكمية المصفاة من البنزين الاحتياج المحلي، مع عجز في «الديزل» تضطر لاستيراده من الخارج. وعن «الضغوط الدولية» يقول كبج: «حكومة السودان تسعى لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي بشتى السبل، ولتحسن صورتها عندهم لا خيار أمامها إلا الاتجاه نحو التعاون مع جنوب السودان».

أما حكومة جنوب السودان فهي الأخرى لن تستطيع مواصلة عزف طبول الحرب؛ لأن ذلك يجرد استقلال الجنوب من كل مضامينه، كما أن الدخول في حرب شاملة يفقدها حلفاءها الدوليين الذين لن يؤيدوها في حرب مكلفة.

ويوضح كبج أن حكومة السودان وبمعاونة دولية استطاعت استرداد منطقة هجليج النفطية من سيطرة الجنوب، وكانت نتيجة ذلك الاحتلال سالبة بالنسبة للجنوب. ويقول: «بالطبع هناك أنصار حرب يدقون طبولها في البلدين، لكن لا خيار للبلدين إلا التعاون والتعايش وحسن الجوار».

«راحت السكرة وجاءت الفكرة».. بهذه العبارة وصف المحلل السياسي المستشار الجميل الفاضل ما حدث وقال: «إنها المصلحة الاقتصادية، يضاف إليها الضغط الدولي»، معتبرا ملف النفط ومتعلقاته التي أثرت على الاقتصاد إيجابا في كلا الدولتين، قبيل استئناف التصدير.

واعتبر الفاضل التعاون «الجديد» بين البلدين «إدراكا متأخرا» للمصالح المشتركة للطرفين، وأنهما وعيا الدرس القاسي الذي واجه الحكام والمسؤولين، خاصة في إدارة ملف الاقتصاد. وأضاف أن دعاة الحرب في البلدين بإثارة العواطف والحديث عن «عزة متوهمة»، في طريقهم لـ«التبخر»، وأن الطرفين كانا يستخدمانهما كأدوات ضغط مصنوعة لأداء أدوار محددة، لكن «من يقود الرسن» لم يعد باستطاعته إرخاؤه لهما، بعد أن عاد لصوت العقل بثمن باهظ من «اللحم الحي». كما لا يستطيع أحد تجاهل ضغوط المجتمع الدولي على الطرفين التي بلغت أقصاها بالقرار 2046 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في مايو (أيار) من العام الماضي، تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو يجيز التدخل العسكري. وأمر القرار بإنهاء الأعمال العدائية، ووقف تصعيد الحرب والهجمات والتحركات عبر الحدود، وعمليات القصف الجوي، وسحب القوات من المناطق الحدودية، وتنشيط آليات أمن الحدود، وإيقاف دعم المجموعات المتمردة على طرفي الحدود، والعودة فورا إلى طاولة المفاوضات.