كيم جونغ أون.. ومهمة البحث عن مخرج.. ومكانة

الزعيم الكوري الشمالي يسير على خطى والده وجده.. لكنه لا يعرف مثلهما متى يتراجع

TT

عندما ظهر كيم جونغ أون في دائرة الضوء للمرة الأولى في بيونغ يانغ في خريف عام 2010، بدأ مراقبو كوريا الشمالية يبحثون عن أدلة لمعرفة ما إذا كان هذا الوريث سيكون قائدا إصلاحيا أم سيكون، ببساطة، الوجه الجديد لهذا النظام المستبد.

وبعد قرابة 16 شهرا من الوصول للسلطة عقب وفاة والده، يبدو أن زعيم كوريا الشمالية البالغ من العمر 30 عاما يسير على خطى والده، على الأقل من الناحية الظاهرية. وبعدما أعلن عن إلغاء الهدنة بين بلاده وكوريا الجنوبية وهدد بإطلاق الصواريخ على الولايات المتحدة، فقد وضع كيم شبه الجزيرة الكورية وواشنطن على شفا الحرب.

ويسير كيم على خطى أسلافه، ولكن التهديدات الأخيرة ربما تكون هي الأبرز والأخطر، وهي التهديدات التي وضعته في مأزق حقيقي.

وقال الأدميرال صمويل لوكلير، قائد القوات الأميركية في المحيط الهادي، للكونغرس الأسبوع الماضي: «دائما ما كان والده وجده يفكران في كيفية الخروج من استفزازاتهم، ولكن من غير الواضح بالنسبة لي كيف يفكر كيم في كيفية الخروج من هذه المشكلة، وهذا ما يجعل هذا السيناريو يمثل تحديا من نوع خاص».

إن كيفية فهم أسرة كيم يعد بمثابة فن أكثر منه علما، حيث قضت هيئة من علماء كوريا الشمالية عقودا في تجميع صورة لتلك العائلة الغريبة الأطوار، من خلال نشر قدر هائل من الدعاية وروايات الانشقاق والاتصال المحدود والمتقطع بين النظام وبين الغرب.

ورغم الإقرار بأن كيم جونغ أون يبقى بمثابة لغز محير، فإن خبراء في تعقيدات بيونغ يانغ يقولون إن دراسة متأنية تشير إلى أن خطاباته المولعة بالقتال في الآونة الأخيرة ربما تمثل صرخة يائسة للشرعية بدلا من شهية حقيقية للقتال.

إن إعلان الحرب على كوريا الجنوبية جعل كيم يبدو كأنه يسير على خطى جده الزعيم كيم إيل سونغ، مؤسس كوريا الشمالية، الذي دفع بالمنطقة إلى حرب أودت بحياة 5 ملايين شخص، بما في ذلك 35.500 جندي أميركي في الخمسينات من القرن الماضي. وبات مسؤولون أميركيون في حالة تأهب لأي عمل استفزازي جديد قد يشرع فيه اليوم (الاثنين) الذي يوافق عيد ميلاد كيم إيل سونغ مؤسس كوريا الشمالية.

وبينما كان كيم جونغ أون يتحرك لشغل أعلى منصب في البلاد التي تعج نخبتها بالدسائس والأحقاد منذ فترة طويلة، فيبدو أنه مصمم على إحكام قبضته على مقاليد السلطة.

ويقول كونغدان أوه هاسيغ، وهو خبير في الشؤون الكورية الشمالية بمعهد تحليلات الدفاع بالإسكندرية: «لديه عقدة النقص، ولذا يحاول أن يظهر أنه يمتلك عقلا بارعا، وأن الجيش يقف وراءه، وأنه لا أحد يقف ضده».

في الواقع، ثمة فجوات كبيرة في السيرة العامة للزعيم الجديد، وهو الابن الثالث لكيم جونغ إيل، ولكن بعدما أصبح يظهر بصورة أكبر في الحياة العامة، باتت صورته أكثر وضوحا، حسب دراسة في التناقضات التي استحوذت على اهتمام العالم.

لماذا كيم جونغ أون؟

عندما كان كيم طفلا كان يتسم بالتهور والميل إلى القيام بالأشياء الخاطئة، وفقا لمذكرات طباخ السوشي السابق للأسرة عام 2003، الذي كان يكتب تحت اسم مستعار هو كينجي فوجيموتو. وقد ألقى هذا الكتاب لمحة سريعة ونادرة على واحدة من أكثر أسر العالم سرية وغرورا. كان كيم جونغ إيل يعشق نجله، حسب فوجيموتو، وربما يرى فيه العزيمة الفولاذية التي أبقت الأسرة راسخة في السيطرة على تلك الدولة المنبوذة منذ نشأتها عام 1948.

وباستخدام اسم مزيف والتظاهر بأنه نجل دبلوماسي من كوريا الشمالية، التحق كيم جونغ أون بإحدى المدارس الخاصة في سويسرا عام 1998، وقضى هناك نحو عامين على الأقل. ووصفه زملاؤه في الدراسة بأنه تلميذ جيد كان يبدي حماسا كبيرا لكرة السلة الأميركية – وهي الهواية التي استمرت معه حتى مرحلة البلوغ، كما يظهر من خلال استضافته لنجم كرة السلة الأميركي السابق دنيس رودمان في وقت سابق من العام الجاري. وفي عام 2000، اختفى من المدرسة دون أن يودع زملاءه، ولا يعرف سوى القليل عن السنوات التي قضاها في سن المراهقة في وقت لاحق.

وعندما أصيب كيم جونغ إيل بجلطة دماغية عام 2008، باتت هناك أولوية ملحة لوضع خطط للخلافة، حسب محللين كوريين شماليين، وظهر كيم جونغ أون بوصفه المرشح الأوفر حظا بين أشقائه.

وقال فيكتور تشا، وهو مدير الدراسات الآسيوية بجامعة جورج تاون ومسؤول كبير سابق في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض: «ربما اختار كيم جونغ إيل أصغر أبنائه الثلاثة لخلافته لأنه كان يبحث عن صفات قيادية بينهم. وقال كين إي غوز، وهو أحد كبار الباحثين في الدراسات الاستراتيجية بالإسكندرية وقام بإعداد موسوعة عن عائلة كيم، إن كيم جونغ إيل ربما رأى شيئا أكثر في خليفته الذي اختاره»، مضيفا: «أظهر كيم جونغ أون نوعا من القيادة والحزم، وهي الصفات التي لا يتمتع بها أشقاؤه الأكبر منه. هذه الصفات مطلوبة للقيادة في كوريا الشمالية، لأنه إذا لم يكن لديك الشخصية القادرة على الخوض في تلك اللعبة، فستكون لقمة سائغة في فم السياسيين الذين سيلتهمونك بسرعة».

قبل أن يبدأ بالظهور في المحافل الرسمية، قضت الحكومة شهورا في تشكيل صورة كيم جونغ أون في محاولة واضحة ليبدو أقرب إلى جده، صاحب الكاريزما الذي عرف بامتلاكه قبضة حديدية استخدمها لبناء دولة بوليسية. ذلك المسعى، الذي تحدث عنه المنشقون بنوع من التفصيل، شمل تغذية الزعيم المقبل بالوجبات الغنية بالنشويات لجعله أكثر بدانة واستدارة وجهه، وبلغ درجة التشبه في نفس قصة شعر جده الشهيرة، وارتداء البدلات الداكنة، على غرار ماو تسي تونغ.

بعد الصراع لعقدين لحث بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي والانضمام إلى المجتمع الدولي، أبدت واشنطن تفاؤلا حذرا بشأن الزعيم الشاب، متسائلة عما إذا كان الوقت الذي قضاه في أوروبا قد جعله أكثر رغبة في الحوار مع الغرب.

وقال جوزيف دي تراني، مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية والخارجية الأميركية الذي تفاوض مع كوريا الشمالية، ودرس أسرة كيم عن قرب: «كان هناك بعض الأمل، فقد ألهمنا بعض الأمل».

بعد أيام من وفاة كيم جونغ إيل الرسمية في 28 ديسمبر (كانون الأول)، أعطت كوريا الشمالية إشارات عن رغبتها في التفاوض مع الولايات المتحدة، لكن الموقف التصالحي سرعان ما شابته حالة من الارتباك. وتساءل مراقبو كوريا الشمالية عما إذا كان الصراع على السلطة الذي يدور من خلف الستار انتقالا سلسا ظاهريا.

وجعل كيم زوجته ري سول يو، شخصية عامة وكان يصحبها إلى المناسبات، حيث تم تصويرهما أثناء التصفيق أو الابتسام. وقال حاكم ولاية نيومكسيكو السابق بيل ريتشاردسون، الذي دعي إلى كوريا الشمالية في زيارة رسمية: «كيم جونغ أون سياسي أفضل من والده، ففي كلماته التي يلقيها يبدو طبيعيا ومنبسطا مع شعبه في تحياته وحركاته». ويعتقد ريتشاردسون، الذي لم يلتق كيم في زيارته، أن التصعيد الحالي لا يستهدف سوى جمهور واحد فقط، وقال: «إنه يرغب في موافقة جيش كوريا الشمالية، وهو يحاول إقناعهم بأنه مستعد للحكم. ربما تكون هناك بعض الشكوك بسبب شبابه وحقيقة أنه لم يؤد الخدمة العسكرية على الإطلاق، ومن ثم فهو يحاول إبراز مدى صلابته.