باحث روسي: أزمة دمشق تحرك مسلمي روسيا.. وانتقادات لـ«ازدواجية» الأداء الرسمي

تحدث عن مشاركة 300 منهم في القتال الدائر بسوريا.. ووصفها بـ«محطة موسكو الأخيرة» بالمنطقة

TT

يعتقد الباحث في مركز كارنيغي في موسكو، ومدير برنامج الأمن والمجتمع والدين فيه، الدكتور ألكسي ملاشينكو، أن «أزمة سوريا من المنظار الروسي تعبر عن أزمة متعلقة بالنظام العالمي». ويشير إلى أن موسكو «مسكونة بهاجس الحفاظ على هذا النظام لأنها تعتبر بقاءه انتصارا لسياساتها وإرثها السوفياتي وحفاظا على موقعها كقوة عظمى فيه».

وقال ملاشينكو، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في ندوة نظمها مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت تناولت مسألة «تأثير الربيع العربي على مسلمي روسيا»، وأدارها مدير المركز الدكتور بول سالم، إن «الجانب النفسي على قدر كبير من الأهمية في أداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه سوريا». وأوضح أنه بالنسبة لبوتين، فإن «(الرئيس السوري) بشار الأسد هو ابن (الرئيس الراحل) حافظ الأسد، آخر الأشخاص الباقين من حقبة رمزية في وجدان موسكو تتمثل في الاتحاد السوفياتي»، مشيرا إلى «رغبة بوتين العارمة في الحفاظ على الإرث السوفياتي»، لذا حسب ملاشينكو «فهو يستمر في دعم بشار، بعد أن فقدت موسكو صدام حسين ومعمر القذافي. الأسد هو الحليف الأخير في الشرق الأوسط».

ويجزم ملاشينكو أنه «لا يمكن تخيل بوتين، انطلاقا من شخصيته وموقعه السياسي، قادرا اليوم على تغيير موقفه الداعم للنظام السوري منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة». وأضاف «بمجرد أن يتخذ قرارا فإنه يسير فيه حتى النهاية. إذ من المستحيل وفق عقلية بوتين، أقله من الناحية النفسية، أن يعدل في خياراته أو مواقفه».

وردا على سؤال حول موقف المجتمع الروسي من أداء بوتين، قال ملاشينكو «لا معارضة داخل المجتمع الروسي على السياسة الخارجية لبوتين. لا أحد يكترث بما يجري في سوريا، الموجودة في مكان ما على الخريطة». وتابع القول «في موسكو وسان بطرسبورغ، كبرى مدن روسيا، يدعم الروس أداء بوتين، ويربطون بينه وبين فكرة السلطة والتأثير العالمي لروسيا، الموازي لتأثير الدور الأميركي عالميا».

وأكد الباحث الروسي أن «غالبية الروس يدعمون مواقف رئيسهم، الذي يكرر على مسامعهم بشكل دائم أنه يتوجب على روسيا الحفاظ على موقعها كـ«قوة عظمى»، مقابل «أقلية تعتبر أن سياسة بوتين تنهل من الماضي عوض التفكير في المستقبل المقبل، في العراق وليبيا سوريا».

ويعكس الإصرار الروسي على دعم الأسد مخاوف روسيا مما يجري في سوريا، انطلاقا من تنامي أعداد مسلميها الذين تشير آخر التقديرات إلى أن عددهم يقارب العشرين مليونا، يقيم مليون ونصف المليون منهم في موسكو وحدها، من دون أن تسمح السلطة لهم ببناء أكثر من خمسة مساجد.

لم يكن مسلمو روسيا يتعاطفون عند بدء الأزمة مع السوريين، لكنهم اليوم، وكما يؤكد ملاشينكو، بدأوا في التحرك والتعبير عن امتعاضهم من سياسة بوتين، موضحا أن المئات يخرجون في مظاهرات في تترستان والقوقاز وسواها من المناطق دعما لإخوانهم في سوريا. لا بل إنهم يتجرأون على توجيه انتقادات قاسية إلى بوتين، لناحية «ازدواجية» سياسته في التعاطي مع التيارات الإسلامية. هم يسألون علانية اليوم عن استقبال موسكو لوفود من حركة حماس والرئيس المصري محمد مرسي، من جهة، فيما تنظر إلى مسلمي القوقاز كأنهم «إرهابيون».

أكثر من ذلك، يشير ملاشينكو إلى تقديرات عن مشاركة قرابة 300 من مسلمي روسيا، من القوقاز وتترستان وسواهما من المناطق، إلى جانب المعارضة في القتال الدائر في سوريا. وهؤلاء، على حد تعبيره، يتعلمون «فنون القتال»، والأسوأ أنه «سيحتفى بهم كأبطال لدى عودتهم». ويلفت إلى أن الكرملين يعتبرهم «إرهابيين»، ويقول إنهم يتقاضون أجورا من منظمات إسلامية متزمتة، وهم موجودون في سوريا بـ«تحفيز من عدد من الدول الغربية».

وختم الباحث الروسي تصريحاته من حيث بدأها، مشددا على أن سوريا هي «المحطة الأخيرة» لروسيا في الشرق الأوسط «ولا أدري مع من ستبني روسيا علاقتها بعد بشار، الذي أعتقد أنه سيختفي لكن سوريا ستضيع». وقال إنه «من المستحيل لروسيا الإبقاء على مصالح تجارية وعسكرية واستراتيجية مع شعب ما، بينما رئيسها يدعم بشكل دائم خصم هذا الشعب». وتابع القول «يجب على موسكو ألا تنسى أن في روسيا مسلمين، وإذا فقدت سوريا فهناك أزمة عميقة مع السلطة اللاحقة، أزمة تطال علاقات التجارة والتعاون التقني والعسكري وقاعدة طرطوس، ثم مشاكل النفط والغاز».