أزمة دار الفتوى اللبنانية نحو التصعيد بعد إعلان المفتي فوز 15 عضوا بالتزكية في «المجلس الشرعي»

قباني يؤكد شرعية الانتخابات ومسقاوي يدعو رؤساء الحكومة السابقين للقيام بما يلزم

المفتي محمد رشيد قباني
TT

لم يحل الخلاف العميق القائم بين مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني وعدد كبير من أعضاء المجلس الشرعي، وبينهم عدد من رؤساء الحكومات السابقين، الأعضاء حكما في المجلس، من دون إصرار قباني على إجراء انتخابات المجلس الشرعي أمس، وإعلانه فوز 15 عضوا بالتزكية في بيروت وجبل لبنان وصيدا وحاصبيا وعكار، في حين لم يتوفر نصاب الهيئة الناخبة في كل من طرابلس والبقاع.

واستبق قباني اتهامه مجددا بعدم شرعية إجراء الانتخابات بالقول: «هذه الانتخابات شرعية، أنا لن أسمع إلى أي كان، مجلس الشورى هم يتعلقون به، لكنه لم يصدر قرارا بعد، بل أعطى رأيا بتعليق الانتخاب، ولكنه لم يصدر قرارا بعد، إطلاقا، لا بالتمديد لهم ولا في أي شيء آخر ». وشدد على أن «مجلس الشورى لا ينطبق علينا، ونحن يدنا بيد القانون، ولكن القانون ينبع من عندنا من هنا».

وكان مجلس شورى الدولة، قد أصدر نهاية الشهر الماضي قرارا قضى بوقف تنفيذ دعوة المفتي قباني لإجراء انتخابات المجلس الشرعي، بناء على طعن قدمه أكثرية أعضاء المجلس الشرعي. لكن قباني تجاهله بالمطلق معتبرا أن قرارات مجلس الشورى الدولة استشارية وليست ملزمة، ونفذ ما سبق وأن أعلنه مقربون منه لناحية إصراره على إجراء الانتخابات، حتى لو لم يكتمل النصاب.

ويبرر مقربون من دار الفتوى إعلان فوز مرشحين في عدد من المناطق بالتزكية استنادا إلى «المادة الرقم 11 من المرسوم الاشتراكي الرقم 18 / 1955، الذي ينص على أنه يكون الفوز بالتزكية إذا لم يكن هناك سوى مرشح واحد يستكمل الشروط المؤهلة لتولي المنصب، غير آخذين بعين الاعتبار حجم الاعتراض والعزوف عن الترشح».

وشدد المفتي قباني أمس على أن «الانتخابات عمل إجرائي، فيما البعض ينظرون بحسب مصالحهم وأهوائهم». وقارن قباني بين دعوته لإجراء الانتخابات وبين دعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى إجراء الانتخابات النيابية. وقال، خلال إعلانه نتائج الانتخابات من دار الفتوى، بحضور رئيس الحكومة السابق سليم الحص، إن «رئيس الجمهورية فعل ما ينبغي أن يفعله، لأن القانون ينص على ذلك».

وأوضح قباني أن المجلس الشرعي «انقضت ولايته منذ ثلاث سنوات، وفي كل سنة كانت تكون هناك مشكلة تمديد، وأنا لا أرضى، ثم يقع التمديد، ثم وقع مرة ثانية وثالثة»، لافتا إلى أنه في «المرة الرابعة هذه، بعد الولاية الأصلية أربع سنوات، يصبح قد انقضى على المجلس ثماني سنوات».

في المقابل، عقد المعارضون لانتخابات المجلس الشرعي اجتماعا في مكتب رئيس اللجنة الإدارية والمالية في المجلس بسام برغوت، أكد على إثره الوزير السابق عمر مسقاوي، نائب رئيس المجلس الشرعي، أن «النصاب القانوني لم يتوفر في سائر مكان الانتخاب، التي أعلن فيها عما سمي بفوز مرشحين باكرا، حيث إن المكلفين من قبل المفتي سمعوا بتزكية الفوز عبر وسائل الإعلام».

وفي موازاة إعلانه: «التقدير لكل من قاطع هذه الانتخابات وانسحب منها لأنها لا يمكن أن تكون إلا عبر وحدة المؤسسة»، طالب مسقاوي «بضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لوضع حد لاستباحة المؤسسات، كما طالب رؤساء الحكومة السابقين باتخاذ ما يلزم من إجراءات»، معلنا أن «المجلس في حال انعقاد دائم».

ويشرف المجلس الشرعي على إدارة الأوقاف السنية وتنظيم أمور المسلمين الشرعية في لبنان، وفق ما يحدده النظام الداخلي لدار الفتوى، ويضم 24 عضوا منتخبين، بينما يعود إلى المفتي تعيين 8 أعضاء آخرين، ويكون رؤساء الحكومات السابقون أعضاء حكما فيه.

ولم ينكر قباني وجود خلافات سياسية داخل الطائفة السنية، لكنه قال: «هناك خلافات سياسية، ولسنا في طور هذه الخلافات إطلاقا، وليس عندي موضوع سياسي أتمسك به وأعارض إطلاقا، وإنما البعض ينظرون بحسب مصالحهم وأهوائهم، فالانتخابات عمل إجرائي».

وأكد قباني أنه «ليس جاهلا بسير الانتخابات، وهذا المجلس الذي انقضت ولايته وأنا من دعوت إلى انتخابه، وأنا أعرف كيف يكون، وكل المفتين السابقين دعوا إلى الانتخاب، ولكن هناك معوقون، هناك مرجفون، المرجفون في المدينة، ورغم ذلك نمد أيدينا إليهم، لأن المسؤول ينبغي أن يحتضن الجميع». وأعرب عن أمله أن «نتفق ونتحد لأن الأخطار كبيرة على المنطقة، وخصوصا على لبنان». وتابع: «نريد الجميع ونحبهم، ولا ننازع أحدا، البعض ينازعنا لأن الأسرة الواحدة يحصل فيها مثل هذا الأمر، ولكن لا يجوز بعد اليوم أن يرتفع إلا صوت الوحدة والاتحاد والوفاق والأخوة والمحبة، والشرعية تخرج من هنا، من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية».

في المقابل، رد النائب في كتلة «المستقبل» عمار حوري على كلام المفتي قباني لناحية شرعية الانتخابات قائلا: «إذا بتنا نعتبر ألا قيمة لقرارات مجلس شورى الدولة، فهذا يعني أننا نذهب إلى مكان خطير، لأن هذا يدل على أن لا قيمة لا للقضاء ولا للمؤسسات الدستورية والشرعية». وشدد على أن «احترام المؤسسات الدستورية والقوانين واجب علينا جميعا، ومقام دار الفتوى أيضا يجب أن يتم احترامه، ومقام سماحة المفتي أيضا مقام محترم».

وكان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي كان قد اتهم المفتي قباني قبل أيام بـ«الخروج عن سيادة القانون واحترام سلطة القضاء»، محذرا إياه من «النتائج السلبية التي ستترتب على قرار إجراء الانتخابات والتي لا تليق بمقام دار الإفتاء». وشدد على أن «أي انتخاب لأعضاء المجلس الشرعي سيكون باطلا بطلانا مطلقا وهو ما لا ترتضيه دار الإفتاء ولن يحقق المصلحة العليا للطائفة السنية».