سلام فياض يعفو عن خصومه: فلسطين أكبر من الجميع

في خطاب الوداع كرئيس للوزراء

سلام فياض لدى ترؤسه مجلس الوزراء الأسبوعي في رام الله أمس (إ.ب.أ)
TT

خص رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل، سلام فياض، «الشرق الأوسط» بالخطاب الإذاعي الأسبوعي له الذي سيبث صباح هذا اليوم من «صوت فلسطين». وسيكون هذا هو خطاب الوداع له كرئيس للوزراء بعد استقالته من منصبه رسميا في 12 أبريل (نيسان) الحالي، لأسباب جرى تناولها في الأيام القليلة الماضية.

ويتحدث فياض في هذا الخطاب عن التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، ويستنهض طاقاته لاستكمال مسيرة التحرر، ويحثه على حشد الطاقات والجهود لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ومخططاته الرامية لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه.

ويشرح رئيس الوزراء المستقيل في خطابه الإنجازات التي حققتها حكومته على مدى السنوات الست التي تولى فيها رئاسة الحكومة بعد أحداث غزة في يونيو (حزيران) 2007، التي انتهت بفرض حركة حماس سيطرتها على قطاع غزة كاملا وإقالة حكومة إسماعيل هنية الثانية وتشكيل حكومة برئاسة فياض في الضفة الغربية، إيذانا بأول انشقاق وفصل بين الضفة والقطاع الذي لا يزال مستمرا حتى اللحظة. واختتم فياض خطابه الأخير بالتمني للحكومة الجديدة بالبناء على إنجازات سابقتها. ولم ينس فياض منتقديه ومن اتخذوا مواقف مسبقة منه، فقال لهم: «سامحكم الله.. فلسطين أكبر من الجميع».

وفي ما يلي نص الخطاب:

«صباح الخير..

أنا سلام فياض. وهذا حديثي الإذاعي الأسبوعي عبر (صوت فلسطين) وشبكة الإذاعات المحلية الأخرى.

بعد التعديل الأخير، ارتأيت أن يتركز حديثي الأسبوعي لهذا اليوم، وهو الأخير الذي أخاطبكم فيه كرئيس للوزراء، حول التحديات الكبيرة التي تواجهنا، وخاصة الأوضاع الداخلية، وضرورة استنهاض طاقاتنا في إطار يكفل تحقيق أعلى الانسجام المطلوب بين مكونات نظامنا السياسي كافة، وبما يساهم في توحيد كل الجهود في مواجهة الاحتلال ومخططاته المستمرة في استهداف وجود شعبنا وحقه في الحياة والبقاء على أرض وطنه.

لقد تشرفت، أيها الأخوات والإخوة، قبل نحو ست سنوات، بأن منحت الفرصة لخدمتكم عندما عهدت لي مهمة تشكيل حكومة، أتت لشديد الأسف، في ظل ظروف ربما كانت الأكثر تعقيدا منذ إنشاء أول سلطة وطنية فلسطينية على أرض فلسطين.

وقد كان لالتفاف كل مواطن منكم حول برنامج عملنا، الذي استمرت أولوياته أساسا من احتياجاتكم، الفضل الأكبر والركيزة الأهم في تمكيننا من إعادة بناء مؤسساتنا الوطنية والنهوض بدورها وقدرتها على القضاء على حالة الفوضى التي كانت مستشرية ومدمرة لمشروعنا الوطني، وفي رعاية مصالح جميع المواطنين، وتقديم الخدمات الأساسية الكفيلة بتعزيز صمودهم وقدرتهم على مواجهة الاحتلال في إطار رؤية واضحة للتحرر الوطني والبناء الديمقراطي، حيث أدى هذا الالتفاف إلى إعادة بناء الأمل والثقة بالقدرة على الإنجاز والتقدم بخطى ثابتة نحو ترسيخ مؤسسات دولة فلسطين العتيدة، ووظيفتها الجوهرية في خدمة مواطنيها على أساس تكريس مبادئ المواطنة، القائمة على العدل والإنصاف واحترام الحقوق وصون الحريات. وقد ظل معيارنا الأساسي للنجاح متمثلا في مدى التقدم نحو إعادة الوحدة للوطن ومؤسساته، الذي للأسف ما زال يتطلب منا جميعا المزيد من الجهد والإخلاص لضمان تحقيقه. فهذا الأمر يشكل حجر الزاوية لإمكانية تجسيد دولة فلسطين المستقلة على الأرض، حيث إنه كما لا دولة دون القدس عاصمة أبدية لها، فإنه لا دولة دون قطاع غزة جزءا أساسيا لا يتجزأ منها. ولعل احترام وعي المواطن ودوره في إنجاز هذا الأمر، يتطلب العودة للشعب، وإجراء الانتخابات العامة باعتبارها المدخل الوحيد لإعادة بناء نظامنا السياسي وتحقيق أهدافنا الوطنية.

واليوم، أيها الأخوات والإخوة، وبعد أن تقدمت باستقالتي للأخ الرئيس (محمود عباس) أبو مازن، شاكرا له الفرصة التي منحتها لخدمتكم، فإن واجبي يفرض علي مخاطبتكم بكل الشفافية ومن منطلق روح الشراكة التي عملنا معا على أساسها طوال الفترة الماضية. فما نحن بأمس الحاجة له في هذه المرحلة، يتركز على تمتين جبهتنا الداخلية، وإزاحة كل مظاهر الضعف في بنية نظامنا السياسي، وبما يحقق المزيد من الالتفاف حول مشروعنا الوطني وتحصينه من كل الأخطار المحدقة به، ويضاعف الجهود لتقريب لحظة الخلاص والانعتاق من الاحتلال وطغيانه وإرهاب مستوطنيه، وبما يفضي إلى تجسيد سيادتنا الوطنية على أرض دولة فلسطين التي احتضنتها الأسرة الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن ساهم كل فلسطيني وفلسطينية في بناء ركائزها وتعزيز مقوماتها، لتكون دولة حرة لشعب من الأحرار، مجللة بعذابات الأسرى والمشردين وبعظمة تضحيات الشهداء، وعلى رأسهم زعيمنا الخالد أبو عمار، وإنني على ثقة بقدرة شعبنا على تحقيق هذه الأهداف.

في هذه اللحظة، أخواتي وإخوتي، أشعر بالعرفان لكل الذين ساندونا ووقفوا معنا، كما أشعر بعميق الامتنان والعرفان لكل رأي أو موقف انتقد مسيرة عملنا وحاول تصويبها لما فيه خير شعبنا وقضيته الوطنية. وأما من لازموا هذه المسيرة بمواقف مسبقة، أو امتهنوا إطلاق الأحكام المسبقة، فأقول لهم: سامحكم الله. فلسطين أكبر من الجميع.

لقد تركزت مهمتنا الأساسية خلال السنوات الماضية، على توفير كل ما من شأنه تعزيز قدرة شعبنا على الصمود، وتمكينه من البقاء على أرضه، وتوفير المناخ الكفيل باستنهاض طاقاته في معركة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي في مواجهة مخططات الاحتلال وسياساته في استهداف حق شعبنا الطبيعي في البقاء على أرضه والعيش حرا كريما عزيزا أبيا عليها. وكان شعبنا دوما هو المعلم والملهم، والحاضنة الأهم التي سلحتنا بالأمل وبالثقة بالقدرة على الإنجاز ومراكمته، على تصويب ما يعتري مسيرة عملنا من نواقص أو ثغرات. وكان هذا الأمل الذي يربيه شعبنا يوميا، يتعاظم ويعزز إرادتنا وحتمية انتصار قضيتنا، بالقدر الذي يتمكن فيه طفل من الوصول إلى مدرسته، أو فلاح من البقاء على أرضه، أو مواطن في الصمود ليوم آخر، ولليوم الذي يليه حتى نحقق أهداف مشروعنا الوطني كافة.

وهنا، فإنني آمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من البناء على ما تم إنجازه، ومواصلة حشد كل الطاقات واستثمار أقصى الإمكانات لتعزيز صمود شعبنا وقدرته على المزيد من الإسهام في معركة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي.

وقبل أن أختم حديثي، أود أن أؤكد لكم أن التنحي عن هذه المهمة لا يعني بأي حال من الأحوال، التخلي عن الفعل والإسهام، كما هو حال كل واحد منكم في دور الكل الفلسطيني في الدفاع عن قضية شعبنا وحقوقه الأساسية في الحرية والكرامة، وتوفير كل ما من شأنه تقريب لحظة انتصارها.

وفي نهاية حديثي، أشكركم من أعماق قلبي على كل فكرة ورأي، ومبادرة ساعدتنا في العمل. كما أشكركم على كل لحظة احتضنتمونا فيها في بيوتكم وخيامكم، في خربكم ومضاربكم... في كل زقاق وحي من مدن وقرى ومخيمات وطننا، المنتصر بإذن الله وبإرادتكم. وسيظل رهاننا أولا وأخيرا على شعبنا وصموده وإصراره على نيل حقوقه كافة.

دوما سنظل معا، ولشعبنا مع الحرية موعد قريب بإذن الله، شكرا لكم، والسلام عليكم».