وفاة الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي في سويسرا

كان أحد رموز ثورة التحرير.. وقاد البلاد بعد اغتيال بوضياف

علي كافي
TT

يشيع اليوم بالجزائر العاصمة جثمان الرئيس الأسبق علي كافي، الذي توفي صباح أمس (الثلاثاء) في عيادة خاصة بجنيف بسويسرا حيث نقل الاثنين على جناح السرعة بسبب وعكة. وكافي هو ثالث رئيس جزائري يتوفى في ظرف عام. ففي 11 أبريل (نيسان) 2012 رحل الرئيس أحمد بن بلة، ولحق به الرئيس الشاذلي بن جديد في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس الحداد لمدة ثمانية أيام، ونكست الأعلام في الشوارع وفوق المباني العمومية. كما أعلنت الرئاسة عن نقل جثمان كافي (85 سنة) إلى «قصر الشعب» صباح اليوم، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل دفنه بـ«مربع الشهداء» في «مقبرة العالية» بالضاحية الشرقية للعاصمة، حيث توجد مقابر كبار المسؤولين في الدولة.

وارتبط اسم كافي بمرحلتين هامتين في تاريخ الجزائر. الأولى حرب التحرير من الاستعمار (1954 - 1962) حيث كان مجاهدا بارزا. والثانية مرحلة الأزمة الأمنية التي اندلعت عندما تدخل الجيش لوقف زحف الإسلاميين نحو السلطة، وكان ذلك مطلع 1992. ولد كافي في 17 أكتوبر 1928، بقرية في ولاية سكيكدة (600 كلم شرق العاصمة). درس القرآن بمدرسة الكتانية بقسنطينة (500 كلم شرق) حيث تحصل على شهادة «الأهلية» (اللغة العربية) قبل أن يسجل بجامع الزيتونة بتونس. وانضم كافي لـ«حزب الشعب الجزائري» في سن مبكرة، وبفضل نضاله في الميدان تقلد مسؤوليات في الحزب بشرق البلاد. فتمت ترقيته من مسؤول خلية إلى مسؤول مجموعة. وعين من طرف مسؤولي «حزب الشعب الجزائري» كمعلم بمدرسة حرة بسكيكدة سنة 1953. وناضل كافي في سكيكدة أولا ثم التحق بصفوف جيش التحرير بالشمال القسنطيني (بحسب تنظيم الثورة). وشارك علي كافي في هجومات 20 أغسطس (آب) 1955 الشهيرة، على مواقع العدو الفرنسي، بقيادة رمز الثورة يوسف زيغود، التي كانت منعطفا حاسما في حرب التحرير.

وفي مايو (أيار) 1959 استدعي كافي إلى تونس ليصبح أحد «العقداء العشرة»، الذين أعادوا تنظيم الهيئات القيادية للثورة (الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والمجلس الوطني للثورة الجزائرية). وغداة الاستقلال عين كافي سفيرا لدى الكثير من البلدان هي سوريا ولبنان وليبيا وتونس ومصر والعراق وإيطاليا. كما عين أمينا عاما لـ«المنظمة الوطنية للمجاهدين» سنة 1990.

ولم يعرف لكافي طول هذه الفترة أي نشاط سياسي لافت. فقد ظل مغمورا إلى أن قذفت به الأحداث إلى واجهة البلاد مطلع 1992، وبالتحديد بعد 11 يناير (كانون الثاني) عندما أعلن الرئيس الشاذلي بن جديد (توفي في خريف العام الماضي) استقالته، تحت ضغط كبار قادة الجيش الذين أجبروه على التنحي على أساس أنه مسؤول عن «نكسة» الانتصار الساحق الذي حققته «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، في أول انتخابات برلمانية تعددية تعرفها البلاد (26 ديسمبر/ كانون الأول).

وكانت «الجبهة» متجهة نحو تعزيز فوزها في الدور الثاني من الانتخابات، غير أن الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك الجنرال خالد نزار، حل البرلمان وأنشأ «المجلس الأعلى للدولة» كهيئة تستخلف الرئاسة. ودخلت البلاد في فراغ مؤسساتي غير مسبوق.

وأحضر قادة الجيش رجل الثورة محمد بوضياف، من منفاه الاختياري بالمغرب لرئاسة «المجلس». وبعد ستة أشهر من عودته إلى البلاد اغتيل على أيدي ضابط في القوات الخاصة (29 يونيو/ حزيران 1992). وخلفه كافي الذي كان عضوا في الهيئة المتكونة من خمس شخصيات بارزة، من بينها الجنرال نزار. وترأس كافي «المجلس» لمدة عام ونصف العام، وتم حله بعد اتفاق «أصحاب القرار» على الجنرال اليمين زروال ليكون رئيسا للدولة مطلع 1994، ثم أصبح رئيسا للجمهورية بعد انتخابه في العام الموالي. واللافت أن كافي قاد البلاد دون أن ينتخب، لذلك احتفظ بلقب «رئيس الدولة» وليس «رئيس الجمهورية».

وانسحب كافي نهائيا من الحياة السياسية بعد حل «المجلس الأعلى»، رافضا إعطاء رأيه في كل القضايا التي عرفتها البلاد. وأقام كافي طيلة السنوات الماضية في منتجع «سيدي فرج» غربي العاصمة، ولم يظهر إلا في أعياد الاستقلال وثورة التحرير عندما كان يدعوه الرئيس بوتفليقة لحضورها.