بريطانيا تودع ثاتشر بـهدوء.. بعد «عاصفة وجهات النظر» حولها

ممثلون عن 170 دولة شاركوا في تشييع مهيب * أسقف لندن قال إن وفاة زوجها كانت أكبر من خسارة المنصب

TT

ودعت بريطانيا أمس أول سيدة تصبح رئيسة للوزراء وأبرز الشخصيات السياسية التي أثرت على المملكة المتحدة.

وحصلت مارغريت ثاتشر، التي توفيت عن عمر يناهز 87 عاما، على تشييع لائق بزعيمة ما زالت سياساتها تؤثر على المملكة المتحدة، وإرثها مدونا في البلاد، رغم اختلاف وجهات النظر حولها.

وفي مشهد مهيب في كاتدرائية سان بولس وسط لندن أمس، تقدمت الملكة إليزابيث الثانية المعزين الذين مثلوا 170 دولة لتوديع «المرأة الحديدية». وشارك أكثر من 2300 شخصية في تشييع الجنازة، من بينها 11 رئيس وزراء حاليا من أنحاء العالم، وجميع أعضاء الحكومة البريطانية، ورئيسان، و17 وزير خارجية. ومن أبرز الشخصيات التي تغيب عن الجنازة: الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، ونانسي ريجان أرملة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان؛ أبرز حليف لثاتشر، وذلك لضعف صحتيهما.

وبناء على طلب ثاتشر، لم تكن هناك خطابات مطولة في الحفل الرسمي الذي استمر ساعة فقط، وكان أسقف لندن ريتشارد تشارترس الوحيد الذي تكلم عنها بشكل شخصي. وقال الأسقف إن «عاصفة وجهات النظر المختلفة والمتركزة على السيدة ثاتشر التي أصبحت شخصية رمزية.. ولكن اليوم تبقى مارغريت هيلدا ثاتشر الحقيقية في حفل جنازتها». وأضاف: «هناك مكان مهم لمناقشة السياسات والإرث، ولكن ليس هذا الوقت أو المكان لذلك».

ورغم مرور 23 عاما منذ مغادرتها المنصب، فإن ثاتشر ما زالت تثير مشاعر قوية في بريطانيا بين مؤيدين ومعارضين، وحاول أسقف لندن أن يقلل من حدة تلك الخلافات. وبدأ حفل التأبين القس ديفيد إيسون، كاهن كاتدرائية سان بولس، الذي أشاد بـ«شجاعة» ثاتشر و«كرامتها» و«قلقها الشخصي على وضع الأفراد». وبعد القس إيسون، قرأت حفيدة ثاتشر أماندا دعاء من الإنجيل، ليليها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بمقطع آخر من الإنجيل.

وحضر كاميرون العزاء، بينما جلس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور إلى جانب سامانثا كاميرون، زوجة رئيس الوزراء الحالي. وبناء على الطلبات التفصيلية لثاتشر، قامت القوات المسلحة بدور بارز في جنازتها التي استغرقت نحو ساعتين صباح أمس. ويذكر أن بريطانيا لم تشهد تأبينا مهيبا مثل هذا منذ وفاة الملكة الأم، والدة الملكة الحالية، عام 2002.

وقال أسقف لندن: «بعد عاصفة حياة في حرارة الإثارة السياسية، هناك هدوء عظيم»، لافتا إلى التابوت المغطى بالعلم البريطاني، «وهي ترقد هنا، واحدة منا ومكتوب لها مصير كل البشر». وتحدث عن ثاتشر كإنسانة بعيدا عن السياسة، قائلا إنه «رغم صعوبة تركها المنصب، فإن خسارة (زوجها) دنيس كانت ضربة شديدة جدا، ومن بعدها الصراع مع الضعف المتزايد الذي تحررت منه الآن»، في إشارة إلى تراجع صحتها.

وكان نعش ثاتشر قد حمل على عربة مدفع تجرها خيول في بداية رحلته الأخيرة صباح أمس من مبنى البرلمان أمام آلاف من محبيها الذين اصطفوا في شوارع لندن لتوديع «المرأة الحديدية». وحمل 10 جنود النعش عند الوصول إلى كاتدرائية سان بولس في لندن، وصعدوا به درج الكاتدرائية؛ لتبدأ المراسم الجنائزية بالداخل بحضور الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، ومجموعة من كبار الشخصيات السياسية البريطانية ومن كبار الشخصيات في العالم. وأطلقت المدفعية في برج لندن طلقة لتحية ثاتشر في كل دقيقة في حين توقفت دقات ساعة بيغ بن. وعزفت فرق الموسيقى العسكرية مقطوعات لبيتهوفن وميندلسون وشوبان لمصاحبة الجنازة المهيبة وهي الكبرى لسياسي بريطاني منذ جنازة بطلها وينستون تشرشل في عام 1965.

وصرح كاميرون لراديو هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»: «هي أول رئيسة وزراء، وشغلت المنصب لفترة أطول من أي شخص آخر منذ 150 عاما، وأنجزت أشياء استثنائية في حياتها».

وقال رافضا بواعث قلق بعض منتقدي ثاتشر بشأن التكلفة والبذخ: «أعتقد أن ما يحدث اليوم ملائم تماما وسليم». وصفق أنصار أبرز رئيسة وزراء بريطانية منذ تشرشل لنعش ثاتشر ملفوفا بعلم بريطانيا أثناء نقله إلى عربة المدفع التي تجوب شوارع لندن من قصر وستمنستر إلى كاتدرائية سان بولس في حي المال في لندن.

وثاتشر التي تولت رئاسة وزراء بريطانيا في الفترة من 1979 إلى 1990، توفيت بعد إصابتها بسكتة دماغية في الثامن من أبريل (نيسان) الجاري، وتم حرق جثمانها قبل دفنها إلى جوار زوجها دنيس.