مشاهد متناقضة وردود فعل متباينة حول جنازة مثيرة للجدل

الآلاف يصطفون في شوارع لندن.. ولكن لأسباب مختلفة

TT

معظم الطرقات المؤدية إلى وسط لندن كانت مقفلة صباح أمس، وتم تحويل السير إلى مداخل أخرى، الشوارع عند وقت الذروة من صباح أمس كان يكتنفها سكون غريب رغم التحذيرات من المظاهرات، ووجود الآلاف من أنصار وأعداء سياسة المرأة الحديدية التي لا تزال تثير الانقسام بين البريطانيين في الطرقات.

بدأت التحضيرات الأمنية مساء أول من أمس، لتستقبل طرقات لندن صباح أمس آلاف البريطانيين والزوار والسياح، بدءا من ويستمنستر حيث كان يرقد جثمان البارونة مارغريت ثاتشر مرورا بمحيط مبنى البرلمان وساحة الطرف الأغر، عبر شارع ستراند وشارع الصحافة «فليت ستريت»، وصولا إلى كاتدرائية «سان بول».

لا يمكن وصف المشهد العام إلا بالتناقض، فرغم تهديدات مناهضي رئيسة الوزراء السابقة الراحلة، لم تسجل أحداث شغب تذكر، لا بل إن اللافت هو التناغم ما بين المحبين والمعارضين، فرفعت لافتات كتب عليها عبارة «منحتي الملايين الأمل والحرية والطموح» وعلى مقربة من تلك العبارة، تجد رجلا يحمل لافتة كتب عليها «ادفنوا الثاتشرية»، أي سياسات ثاتشر.

لحظة وصول موكب الجنازة في ويستمنستر توقفت ساعة بيغ بن الشهيرة عن دق الأجراس، ليزيد المشهد سكونا وترقبا، خاصة أنه كانت هناك مخاوف وتحذيرات أمنية كثيرة أدت إلى انتشار أكثر من 4 آلاف عنصر من الشرطة الذين كانوا في حالة تأهب قصوى لدرجة أن عدد أفراد الشرطة كانت تزيد عن عدد المصطفين وراء الحواجز الحديدية لمنع المصطفين من التقدم.

الحضور كان كثيفا عند محيط ساحة الطرف الأغر وستراند. ورصدت «الشرق الأوسط» آراء بعض من المشاركين بالجنازة، فتباينت وجهات نظرهم تجاه ثاتشر. كانت هناك لافتة عملاقة وضعت عليها صور رؤساء وزراء بريطانيا السابقين بمن فيهم ثاتشر وصولا إلى رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون وعلقت قطع نقدية للجنيه الإسترليني على اللافتة التي كتب عليها «لم يتغير أي شيء لا بل يكلفون الشعب أكثر» وقال دومينيك فراغن كاتب اللافتة الذي حضر إلى شارع «ستراند» للتعبير عن وجهة نظره «أنا أرفض دفع مبلغ أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني (15 مليون دولار أميركي) على جنازة امرأة لا تستحق ذلك، فهذا مال الشعب ولا يجوز أن ينفق على جنازة خاصة في ظروف اقتصادية متردية».

في حين كان لأندرو ماكنتاير وجهة نظر مختلفة حيث قال: «أي تغيير من المجتمع يلاقي الإيجابية والسلبية ولكن لا يمكن أن ننكر بأن ثاتشر غيرت بريطانيا وجعلتنا نحن البريطانيين أقوى».

وكان من بين الحضور عدد من المشردين الذين عبروا هم أيضا عن سخطهم ورأيهم بثاتشر، وصرخت امرأة مشردة خسرت منزلها بسبب فقدانها وظيفتها وعدم تمكنها من سداد ثمن الإيجار: «كنت أتمنى لو أنها ماتت في تفجيرات برايتون» بالإشارة إلى محاولة اغتيالها في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984.

حمل البعض باقات الزهور وحمل بعضهم الأسى في عبارات كتبت على لافتات تعبر عن وجهات نظر لا تخلو من الكراهية من بينها «دينغ دونغ.. أهلا بكم إلى مدينة الخنازير» ووضع حاملها قناع خنزير حول رقبته ولكنه كان هادئا ولم ينطق بكلمة واحدة.

ولوحظ وجود عدد كبير جدا من السياح الذين حضروا إلى لندن للمشاركة بالجنازة التي تعتبر حدثا تاريخيا، غالبية السياح جاءوا من اليابان والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا. وتقول جينفراكا التي جاءت من صقلية في إيطاليا: «لم أكن مولودة عندما كانت البارونة ثاتشر تدير رئاسة الحكومة في بريطانيا، إلا أنني أردت أن أكون حاضرة في جنازتها المهيبة التي تعتبر حدثا تاريخيا لا يمكن أن يتكرر».

وعند وصول الجنازة إلى كاتدرائية سان بول، تم التصفيق بحرارة. إلا أن عددا قليلا من الحضور (لا يتعدى عددهم الـ25 شخصا) أداروا ظهورهم تعبيرا عن معارضتهم لسياسة ثاتشر وتاريخها، وتعالت صيحات البعض الاستهجانية. ولكن وبنفس الوقت تعالت الصيحات الإيجابية وألقى الحضور الزهور على نعش ثاتشر الذي كان محمولا على نعش عربة مدفع. وسلطت عدسات الكاميرات وكاميرات الهواتف المحمولة على مدخل الكاتدرائية والتقطت آلاف الصور للحظة دخول النعش والصلاة عليه بحضور الملكة إليزابيث الثانية.

وقال الآيرلندي باتريك ماك غراث إنه حضر من آيرلندا للمشاركة في جنازة البارونة ثاتشر وقال: «لقد استطاعت تغيير صورة بريطانيا ولعبت دورا مهما في اتفاقية الجمعة العظيمة في آيرلندا، ولو أنها كانت قاسية وقوية ولم ترق لعدد كبير من الشعب البريطاني إلا أنها امرأة ورئيسة وزراء لم ولن يعرف العالم مثيلا لها على الإطلاق». وعبرت موجي، وعمرها 18 عاما، وهي بريطانية من أصول أفريقية عن غضبها من إنفاق الحكومة مبلغا طائلا على جنازة في حين أن المستشفيات في بريطانيا تعاني من نقص في الخدمة.

ولفت معارض لسياسة ثاتشر انتباه الحضور بتعبيره عن رأيه من خلال كتاباته الحية على لافتات صغيرة من دون التكلم وكان من بين العبارات التي كتبها: «ماتت من أجل الأغنياء ولكنها قتلت الفقراء».

وفي محيط الكاتدرائية تجمع عدد كبير من موظفي البنوك في المركز المالي للندن، وكانت فرصة للبعض للمشاركة بالجنازة عن بعد لمجرد تواجدهم في المنطقة.

وفي تمام الساعة 12 ظهرا فتحت أبواب الكاتدرائية العملاقة، وبمجرد ظهور نعش ثاتشر، أطلق التصفيق واختلطت الهتافات المناهضة بأخرى موالية وتغرغرت عيون البعض بالدموع في حين لم يتأثر البعض الآخر من الحضور الذين أطلقوا عبارات ساخرة، من بينها «مضيعة للمال» و«إعلام سياسي ومسيس للحزب» (بالإشارة إلى حزب المحافظين). وقال أنتوني بروك «أنا هنا لأن الحكومة حولت الجنازة إلى مناسبة عامة، واستخدموا مالي ومال الشعب في كلفتها المالية، فهذه جنازة ملكية بالواقع».

وكان يحمل أفراد الشرطة بطاقات صفراء أعطيت لهم لتدوين أسمائهم ومكان تواجدهم عليها. وقال أحد عناصر الشرطة: «الجنازة مرت بسلام وهدوء ولم تسجل حوادث شغب تذكر، ولكن كانت هناك حوادث إغماء قام أفراد (سان جون امبولانس) بمعالجتها».

وكان هناك من استفاد من الجنازة مثل المقاهي الصغيرة المنتشرة على جانبي الطريق، ووزعت قسائم شراء تخول حاملها الحصول على خصم 20%، وكان هناك عدد من المراهقين الذين لم يواكبوا ثاتشر ولا يعرفون الكثير عنها وكان هناك أيضا من خسروا وظائفهم ومن يعتبرون أن ثاتشر كانت سبب ما آلت إليه الظروف الاقتصادية الراهنة في البلاد وكان هناك السياح الذين تسحرهم لندن والعائلة المالكة وتاريخ المملكة العظيم وإتقان البريطانيين تنظيم المناسبات الكبرى. وكان هناك من يعتبر أن ثاتشر امرأة حديدية غيرت وجه بريطانيا إلى الأبد وجاء لتقديم التحية، ولكن كان هناك من تصادف مروره من هناك ولا يأبه لثاتشر أو غيرها.