السباق الانتخابي في باكستان ينحصر بين عمران خان ونواز شريف

محللون يرصدون تراجع حزب الشعب بسبب الفقر وتدهور الأمن ومشكلات الطاقة

TT

هل سيتمكن مضرب الكريكت من ترويض الأسد؟ يشكل هذا السؤال لب السباق الانتخابي في الدائرة 56 من انتخابات المجلس التشريعي الباكستاني، ليرسم لوحة سياسية حضرية ضمن مشهد يقف فيه مستقبل الزعامة في باكستان على المحك.

علا الرمزان الانتخابيان للحزبين السياسيين المعروفين - الأسد والمضرب الخشبي المقوس - أعمدة الإنارة والأشجار والمتاجر في روالبندي وخارجها، استعدادا للانتخابات الوطنية التاريخية المزمع إجراؤها الشهر المقبل.

يقف خلف المضرب عمران خان، بطل الكريكت الذي تحول إلى السياسة ويحظى بقبول واسع من الباكستانيين ومحط أنظار وسائل الإعلام الغربية. أما الأسد - أو النمر في بعض الأحيان، بحسب واضع اللافتة - فيمثل نواز شريف، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترتين والذي يتوقع كثير من المحللين عودته لرئاسة الوزراء مرة أخرى بعد 14 عاما، بفضل ماكينة الدعاية السياسية القوية التي تناصره.

ويتوقع محللون انحصار المنافسة في الانتخابات، التي ستجلب أول تبادل للسلطة بين حكومتين منتخبتين في تاريخ باكستان منذ 65 عاما، بين شريف وخان، نتيجة لتراجع شعبية حزب الشعب الباكستاني بعد خمس سنوات في الحكم، أسفرت برأي كثير من الباكستانيين عن عجز اقتصادي وتفشي الفقر والإخفاق في حل مشكلات الطاقة والقصور الأمني الذي تشهده البلاد.

ستجرى الانتخابات في الحادي عشر من مايو (أيار) وسط تصاعد لهجمات على السياسيين، ومتابعة واشنطن السباق عن كثب، إذ تمثل باكستان، حليفها المتقلب، لاعبا أساسيا في محادثات السلام مع طالبان في أفغانستان، وكذلك ما تتمتع به من روابط وثيقة مع إيران والصين، ناهيك عن ترسانتها النووية.

شهدت باكستان، التي تعاني من غياب الاستقرار السياسي، ثلاثة انقلابات عسكرية منذ تأسيسها - كان آخرها انقلاب عام 1999 والذي أقصى بموجبه شريف، زعيم حزبه الرابطة الإسلامية المعارضة خلال حكم حزب الشعب. لا يزال الجيش يمارس نفوذا كبيرا وراء الكواليس، لكنه أثبت عدم رغبته في إدارة الحكومة وتعهد بحماية الناخبين.

يقود خان، الذي يرأس حزبه، «حركة الإنصاف» الذي لم يحظ بأكثر من مقعد واحد في البرلمان، خطا إصلاحيا محترما أثبت جدارته. ومن بين المقاعد الأربعة التي يترشح عنها خان - التي تسمح بها القواعد الانتخابية - الدائرة «NA-56» حيث ينافس حنيف عباسي، أحد الموالين لشريف، وصاحب مصانع للدواء، والذي فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وردد عباسي (48 عاما) الهتافات المؤيدة لنواز في مؤتمره الانتخابي الذي عقده عشية يوم الجمعة وحضره مئات الأشخاص الذين شاركوا في مسيرة عطلت حركة المرور على الطريق السريع، الذي استغل عباسي نفوذ حزبه لإنشائه - في إطار خطة تطوير المرور في روالبندي، التي تشهد فيها المسارات التجارية انسدادا متكررا.

وكان مؤتمر عباسي يتشابه إلى حد بعيد مع المؤتمرات الانتخابية الأميركية من حيث الوعود التي يقطعها المرشحون بمكافأة الدوائر الانتخابية بمشروعات ممولة من القطاع العام. وأشار عباسي إلى أنه خلال وجوده في البرلمان قدم لدائرته الانتخابية مستشفيات للمسالك البولية والقلب ومدارس ثانوية وطرقا. ويعد الآن بمزيد من منشآت الرعاية الصحية واستادات الكريكت، بل وملعب للهوكي بعشب صناعي.

وعلى الرغم من الشعبية التي يتمتع بها خان في الدائرة «NA-56»، فإنه لا يستطيع التباهي بأي مغريات مماثلة، فرسالته قصيرة، ومفادها أن الوقت حان لنبذ الأحزاب والنخبة التي جمعت الثروات من خلال نظام فاسد تخلى عن المواطن العادي.

وقال أسعد عمر، منسق حملة خان على مستوى باكستان «يشعر ثمانون إلى تسعون في المائة من المواطنين الباكستانيين بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. فبناء نظام للصرف الصحي أو طريق جيد لا يعوض البطالة أو غياب الأمن والعدالة. ولا يحمل ابنك إلى المدرسة».

ورغم الحملة الشرسة الدائرة منذ عامين للفوز برئاسة الوزراء، لا يزال خان يعتبر رهانا محفوفا بالمخاطر، فقد لا يجمع حزبه سوى 30 إلى 40 مقعدا. ويؤكد كثير من المحللين على أنه سيستنزف الأصوات من شريف، مما يعزز من فرص حزب الشعب في العودة مرة أخرى إلى سدة الحكم.

ووصف عمر هذه التوقعات بـ«غير المعقولة»، مشيرا إلى أن مؤيدي خان هم الشباب حديثو السن الذين أضيفوا مؤخرا إلى القوائم الانتخابية، أو السياسيون الصاعدون الذين تخلوا عن التصويت لصالح الأحزاب التقليدية.

تقع روالبندي في إقليم البنجاب، أكثر أقاليم باكستان من حيث الكثافة السكانية، ويمثل ناخبوه ركيزة أساسية في تحديد نتيجة الانتخابات. ففي انتخابات عام 2008 فاز مرشحو حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) في ست دوائر من بين سبعة مقاعد مخصصة لها في المجلس الوطني الباكستاني، الغرفة الثانية في البرلمان.

ويحظى رئيس الوزراء الباكستاني بسلطات أوسع من الرئيس، لكن سيطرة الرئيس آصف علي زرداري على حزب الشعب - الأكبر في البلاد - جعلته يمارس نفوذا أكبرا على السياسة المحلية (السياسة الخارجية تتم صياغتها بإشراف دقيق من الجيش).

لا يعتبر حزب الشعب الباكستاني لاعبا قويا في الدائرة 56، فلافتاته نادرة في هذه المنطقة. ويبدو الحزب العلماني، الذي يقوده زرداري وابنه غير المتمرس، بيلاوال بوتو زرداري (24 عاما)، متعثرا لافتقاده إلى شخصية كاريزمية تعبر به الانتخابات. وقد أرجأ الحزب مسيرته الانتخابية هذا الشهر بعد تهديدات من حركة طالبان الباكستانية، التي تعهدت بقتل السياسيين العلمانيين. وزعمت طالبان الأسبوع الماضي مسؤوليتها عن اغتيال مرشح عن حزب «حركة متحدة» القومي في كراتشي تحالف مع حزب الشعب مؤخرا. كما قتل مقاتلون في «القاعدة» وأصابوا أيضا العديد من قادة شريك آخر في التحالف، حزب عوامي الوطني، اللاعب المهيمن في شمال غربي باكستان، والمؤيد للولايات المتحدة. وبدا واضحا استثناء طالبان لخان وشريف، اللذين دعم كلاهما محادثات السلام مع متمردين باكستانيين يحاولون إسقاط الحكومة وإقامة حكم إسلامي.

وفي روالبندي، معقل شريف التقليدي، من السهل العثور على مؤيدي خان في الشوارع التجارية التي زينت بلافتات حزب شريف، فيقول محمد يعقوب (35 عاما)، مالك متجر للملابس «لو سألت أي شخص هنا لأخبرك بأننا كلنا نريد عمران خان»، وأشار نحو واجهات متجر صغيرة تمتد بطول الشارع، كانت نابضة بالحياة بالباعة الجائلين وبائعي الآيس كريم.

لكن ربما لا يكون هذا رأي الجميع. ففي منتصف الشارع وصلت سيارة صغيرة تحمل لعبة على شكل نمر على سقفها. وكان الرجال الأربعة بداخلها يرددون العبارات المؤيدة لحزب الرابطة الباكستانية (جناح نواز) من مكبرات الصوت. ويقول أحدهم، حماد سليم، عامل مطعم (34 عاما)، يعمل في مكة بالمملكة العربية السعودية «أنا لا أعمل لصالح الحزب»، لكنه حضر لدعم نواز شريف. وقال سليم بسعادة «نحن نحبه، ونفعل ذلك من تلقاء أنفسنا».

دخل بائع فاكهة متجول شاحب المشهد واستغرق في الضحك عندما سئل ما إذا كان سيشارك في التصويت أم لا، وقال أمين جان (70 عاما) «أنا لا أحب السياسيين لأنهم جميعا لا يلتزمون بوعودهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»