جنوب السودان في امتحان سياسي بعد تفجر الصراع بين الرئيس سلفا كير ونائبه مشار

وزير الإعلام الجنوبي لـ«الشرق الأوسط»: مشار ما زال نائبا للرئيس.. والتنافس حول الرئاسة يتم وفق دستور الحزب

TT

نفى مسؤول كبير في جوبا إعفاء نائب رئيس جمهورية جنوب السودان الدكتور رياك مشار من منصبه، على خلفية القرار الذي أصدره رئيس الدولة سلفا كير ميارديت بسحب بعض الصلاحيات منه، الأمر الذي أدخل البلاد في امتحان سياسي عسير عاشته طوال اليومين الماضيين كاد يدخلها في صراع.

وعقد مجلس الوزراء اجتماعا طارئا برئاسة سلفا كير، مساء أول من أمس، بحضور نائبه رياك مشار الذي واصل عمله بشكل روتيني من داخل مكتبه وعقد اجتماعات عديدة كانت مدرجة ضمن جدول أعماله. وقال وزير الإعلام والبث الإذاعي في جنوب السودان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة الدكتور برنابا مريال بنجامين لـ«الشرق الأوسط» إن مجلس الوزراء خصص جلسة طارئة لمناقشة قرار رئيس الجمهورية سلفا كير ميارديت سحب بعض صلاحيات نائبه الدكتور رياك مشار، وأضاف «ليس صحيحا أن القرار تمهيد لإعفاء مشار، كما لم يتم سحب الصلاحيات التي منحها له الدستور الانتقالي كنائب للرئيس». وقال «القرار هو أن الرئيس لديه سلطات فوضها إلى نائبه مشار، والآن أعاد سلفا كير ذلك التفويض ضمن مسؤولياته الممنوحة له في الدستور، ومشار يواصل عمله المعتاد». وأضاف أن نائب الرئيس رياك مشار سيترأس جانب دولته في اللجنة المشتركة العليا مع السودان والتي تم تشكيلها يوم الجمعة الماضي بين الرئيسين سلفا كير وعمر البشير، معتبرا أن الشائعات التي انطلقت داخل وخارج البلاد حول القرار وإبعاد مشار ليست مبررة.

وقال بنجامين إن الترشيحات إلى رئاسة الحركة الشعبية، الحزب الحاكم، لم يتم حسمها. وأضاف أن دستور الحزب بعد أن تتم إجازته في المؤتمر العام الذي لم يحدد موعده هو الذي سيوضح كيفية الترشيح إلى رئاسة الجمهورية. وكشف عن مناقشات بأن باقان أموم سيترشح وغيره من القيادات، وتابع «هناك من لديهم رغبات بمن فيهم باقان أموم، ودستور الحزب سيضع أسس الترشيح».

وعزا مراقبون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» صدور قرار سلفا كير في هذا الوقت إلى أن مشار كان قد صرح أكثر من مرة بأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2015، في حين أن آخرين ربطوا تلك الإجراءات بالاتفاق الأخير الذي تم بين سلفا كير ونظيره السوداني عمر البشير في اللقاء الذي جمعهما مؤخرا في جوبا بتشكيل لجنة مشتركة برئاسة نائبيهما، وتوقع المراقبون أن يستمر الصراع حول السلطة أكثر قوة مع قرب انعقاد المؤتمر العام للحزب مع توقعات بعدم انعقاده في حال استمرار الاستقطاب بين أطراف الصراع داخل قيادة الحزب والدولة التي لم يمر عامان على ميلادها، وقال المراقبون «إنه صراع دولة ما بعد الثورة».

ورفض المستشار القانوني لمؤسسة الرئاسة تيلار رينق دينق التعليق لـ«الشرق الأوسط»، وقال إن القرار صدر من سلفا كير، وإنه لا يعلق في مثل هذه القرارات. وأضاف «لا يمكن أن نتحدث إلى الإعلام في مثل هذه القرارات في الوقت الراهن». وتعتقد مصادر أن دينق هو الذي يقف وراء القرار إلى جانب مستشارين آخرين مقربين إلى سلفا كير. فيما قال مسؤول في مكتب الدكتور رياك مشار، فضل حجب اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن مشار يؤدي عمله بصورة اعتيادية، وإن الأمور عادية وليس هناك أي تعكير، مشيرا إلى أنه عقد اجتماعات مع وزراء خلال متابعته اليومية للدولة في إطار اختصاصاته.

وقدم المحلل السياسي والقيادي السابق في الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان أقوك ماكور، لـ«الشرق الأوسط»، عدة تفسيرات حول خلفية صدور القرار الرئاسي الذي وصفه بالخطير، وحذر من تبعاته على مستوى الدولة والحزب الحاكم إذا كانت هناك أي تدخلات قبلية، وقال إن واحدة من خلفيات القرار شعور سلفا كير بمنافسة كبيرة من نائبه مشار حول السلطة في المستقبل القريب، وأوضح أن بعض الصلاحيات الممنوحة لنائب الرئيس تتمثل في ترأسه اللجنة الأمنية، ورأى أن سلفا كير كان مدفوعا من بعض مستشاريه في القصر لكي يتخذ مثل هذا القرار، وأضاف «إنها بداية معركة حول السلطة بين الرجلين إلى جانب آخرين أبرزهم باقان أموم الأمين العام للحركة الذي طرح هو الآخر نفسه لقيادة الحزب والدولة».

وقال ماكور، وهو من المقربين إلى نائب رئيس جنوب السودان الدكتور رياك مشار، إن الرجل أعلن أكثر من مرة أنه يمكن أن يترشح لقيادة الحزب ومن ثم يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2015، مشيرا إلى أن الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم أيضا طرح نفسه للترشح، وقال «من هم حول الرئيس سلفا أوعزوا له بأن كرسيه سيهتز منذ الآن من قبل رياك مشار وعليه سحب تلك الصلاحيات من نائبه»، وتابع «لقد تم سحب كل الصلاحيات بما فيها اللجنة العليا المشتركة مع نائب الرئيس السوداني علي عثمان، وقد شكلها سلفا والبشير بعد زيارة الأخير لجوبا الأسبوع الماضي».

وكان نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار، وهو من قبيلة النوير ثاني كبرى قبائل جنوب السودان، قد انضم إلى الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 1984 خلال الحرب الأهلية بين المتمردين الجنوبيين بقيادة جون قرنق، قبل التوصل إلى اتفاق سلام في عام 2005، والذي أفضى إلى إجراء الاستفتاء في عام 2011، لكن خلال مسيرته مع الحركة كان قد قاد انقساما في عام 1991، وعقد اتفاقا مع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير في عام 1997، لكنه عاد وانضم إلى قرنق مرة أخرى في عام 2000، وأصبح أحد نوابه، وبعد الاتفاقية ومقتل قرنق صعد مشار وأصبح نائبا للرئيس الحالي سلفا كير ميارديت في الدولة والحزب.

وأشار عدد منهم إلى أن مشار ظل يستند إلى أسطورة تعود إلى قبيلته النوير، وهي ثاني أكبر قبيلة في البلاد تقول إن جنوب السودان بعد استقلاله سيحكمه أحد أبناء القبيلة (أفلج الأسنان) في إشارة إليه، وسيتمكن من إحضار العصا التي حملها المستعمر البريطاني إلى أرض الجدود وهي عصا السلطة، وكان مشار قد أعاد العصا قبل ثلاثة أعوام إلى موطنه في ولاية الوحدة الغنية بالنفط.