السفير الإسرائيلي في القاهرة يتقدم مشيعي جنازة رئيسة الطائفة اليهودية بمصر

خليفتها قالت: آمل أن أسلم تراث اليهود إلى الشعب المصري

السفير الإسرائيلي في القاهرة يعقوب أميتاي، يلقي كلمة خلال مراسم تشييع رئيسة الطائفة اليهودية في البلاد، كارمن وينشتاين (أ.ف.ب)
TT

جرت أمس في مصر مراسم تشييع رئيسة الطائفة اليهودية في البلاد، كارمن وينشتاين، وذلك من المعبد اليهودي المعروف باسم «بوابة السماء» بوسط القاهرة، إلى مثواها الأخير في مقابر اليهود في البساتين جنوب شرقي العاصمة المصرية، بعد أن وافتها المنية في منزلها بحي الزمالك، لتتحقق وصيتها بأن تدفن في تراب مصر التي نشأت وتعلمت فيها، ورفضت أن تهاجر إلى إسرائيل بعد تأسيسها عام 1948، وتمسكت بالحياة بين المصريين طوال 82 عاما، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة قبل يومين. وأعادت جنازة وينشتاين إلى الأذهان الحياة الحافلة التي شارك خلالها اليهود المصريون في الحياة المصرية سياسيا واقتصاديا وفنيا حتى الحرب العالمية الثانية والإعلان عن قيام دولة إسرائيل، حيث هاجر مئات الألوف إلى الدولة الجديدة أو إلى خارج مصر، بسبب التضييق على من تبقى منهم في مصر، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ورأس صلاة جنازة وينشتاين، أمس، الحاخام مارك الفاسي، وهو حاخام فرنسي من أصل مغربي قدم خصيصا إلى مصر لرئاسة الصلاة، في حضور سفراء فرنسا وكندا وإسرائيل في القاهرة وأعضاء السلك الدبلوماسي لعدد من السفارات المعتمدة، بينما كان على رأس مستقبلي مشيعي الجنازة ماجدة هارون الرئيسة الجديدة للطائفة اليهودية بمصر وشقيقتها نادية نائبة الطائفة.

وتأتي ماجدة هارون لتكون ثالث سيدة تترأس الطائفة بالقاهرة بعد إيستر وينشتاين وابنتها كارمن وينشتاين. وقالت ماجدة، البالغة من العمر 61 سنة، لـ«الشرق الأوسط» ضاحكة: «تم اختياري باعتباري الأصغر سنا».

ولم يتبق من أعضاء الطائفة اليهودية في القاهرة إلا نحو 21 سيدة، بينما يظل عدد الرجال مجهولا، ويرجح أنه لا يتجاوز ثلاثة مصريين، بينما يترأس طائفة يهود الإسكندرية حاليا يوسف بن جاوون، الذي يعد أصغرهم في مصر ويبلغ من العمر 58 سنة. وكان عدد يهود مصر يبلغ في عام 1944 نحو 80 ألفا، لكن معظمهم هاجر إلى أميركا وكندا وأستراليا وأوروبا بعد قرارات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم الكثير من المشاريع الخاصة التي كان اليهود يمتلكون الكثير منها.

وقالت مصادر حضرت جنازة أمس، إنه رغم رفض أعضاء الجالية اليهودية بالقاهرة حضور حاخام إسرائيلي لإقامة صلاة الجنازة، فإن حضور يعقوب أميتاي سفير إسرائيل لدى مصر كان لافتا، حيث رافقته حراسة مشددة ارتدى أفرادها القبعة اليهودية الشهيرة (الكيباه)، كما حضر بعض اليهود المصريين الذين هاجروا من مصر في القرن الماضي لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان كارمن وينشتاين، وكان من اللافت حضور الكثير من الصحافيين المصريين والقنوات المصرية والعربية، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وبكثير من الحزن، نعت الرئيسة الجديدة للطائفة اليهودية بمصر، ماجدة هارون، الرئيسة السابقة قائلة: «أوجه الشكر لكل من حضر لمواساتنا في مصابنا، وأخص بالشكر السادة الصحافيين والإعلاميين، حيث لم أر في حياتي هذا الكم من الصحافيين في معبد (بوابة السماء)، وآمل ألا تكون المرة الأخيرة». وأضافت هارون: «أعد أعضاء الطائفة بأنني سأفعل ما في وسعي لرعايتهم والعناية بهم، وسأحاول أن أشرح وجهة نظري لمستقبل طائفتنا التي هي في طريقها للاندثار».

وقالت أيضا: «أريد أن أكسر الحواجز التي أقيمت بين المصريين بسبب اختلافهم في الدين أو العقيدة، كما أعد بأن أحافظ قدر المستطاع على تراث يهود مصر لنسلمه للشعب المصري، راجية أن تعتنوا به من بعدنا، وأن تتذكروا أن مصر كان فيها يهود وكانوا مندمجين في كل أوجه الحياة»، وقالت: «الدين لله والوطن للجميع».

كما ألقى روجيه بيلبول، رئيس «منظمة النبي دانيال»، وهو يهودي مصري ولد بالإسكندرية وهاجر إلى بريطانيا في الخمسينات من القرن الماضي، كلمة أشاد فيها برئيسة الطائفة اليهودية الراحلة، وقال: «عندما أسسنا (منظمة النبي دانيال) كان هدفنا الحفاظ على التراث اليهودي في مصر وهو تراث يتعدى المباني والمعابد، وكانت كارمن وينشتاين محورية في تحقيق هذا الهدف».

ووجه السفير الإسرائيلي في القاهرة، يعقوب أميتاي، التحية إلى روح رئيسة الطائفة اليهودية الراحلة، ووصفها بأنها كانت صديقة مقربة منه واستطاعت أن تدير الطائفة وترعى أعضاءها بنجاح. ونعى الرئيس محمد مرسي، في تصريحات نقلتها عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وينشتاين، قائلا: «إنها كانت من المصريين المتفانين الذين عملوا بلا كلل للحفاظ على التراث اليهودي المصري، وقبل كل شيء، عاشت وماتت في بلدها، مصر». كما نعت آن باترسون، السفيرة الأميركية في القاهرة، وينشاتين قائلة إنها «عملت بجد حتى وفاتها للحفاظ على الميراث اليهودي في مصر لصالح جميع المصريين، نحن نتمنى الشجاعة لمن سيكمل عملها المهم». وولدت كارمن وينشتاين عام 1931 بالعاصمة المصرية، وتخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة عام 1954. ورفضت جهود جمعية يهودية في الخارج لنقل التراث اليهودي وكتب الصلاة وما يعرف بـ«أوراق الجنيزا» الخاصة باليهود المصريين للخارج للحفاظ عليها، وقال مقربون منها إنها حاربت بكل طاقتها لجعل ذلك التراث ملكا للمصريين فقط بكل فئاتهم. كما حاربت كارمن وينشتاين من أجل الحفاظ على مقبرة البساتين اليهودية التي تعتبر من أقدم مقابر اليهود في العالم، وهي مقبرة كان قد أهداها أحمد بن طولون لليهود المصريين في القرن التاسع الميلادي. وحتى قبيل وفاتها بساعات، كانت كارمن تتابع التجديدات التي تتم في معبد «يشيفا» بالمعادي.

واختارت الطائفة اليهودية بمصر ماجدة هارون رئيسة لها بالإجماع في اجتماع غير عادي عقد يوم الاثنين الماضي، وتم اختيار شقيقتها المحامية نادية هارون نائبة لها. وولدت ماجدة هارون في الإسكندرية عام 1952، ودرست بمدرسة الليسيه بباب اللوق، وتخرجت في كلية الفنون التطبيقية بجامعة القاهرة، وهي أم لبنتين وتجيد العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية.

وماجدة هي إحدى بنات المحامي اليساري شحاتة هارون ذي الأصول الشامية، وعاش وطنيا مصريا لدرجة كبيرة، وكان معروفا بعدائه لإسرائيل وقيامها كدولة، وبات من أشهر اليهود المصريين الذين رفضوا الهجرة إلى إسرائيل.

وحول معايير اختيار رئيس الطائفة التي تعتبر مجهولة لأغلب المصريين، قالت رئيسة الطائفة ماجدة هارون لـ«الشرق الأوسط» إنه لا توجد معايير محددة لرئاسة الطائفة وإنما يتم اختيار من هو أقدر على رعاية مصالح أفراد الجالية وممتلكاتهم والحفاظ على التراث المصري اليهودي، وفي الوقت الحالي ونظرا لتضاؤل عدد أفراد الجالية فإنه يتم اختيار من يستطيع توفير الرعاية الصحية والاجتماعية لأفراد الجالية الذين هم من المسنين.