الاضطرابات السياسية والاجتماعية تنعكس سلبا على إيرادات السياحة في تونس

سياح أجانب اشتكوا من تغير طباع عمال المؤسسات السياحية

TT

يعيش القطاع السياحي في تونس على وقع تأثير عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وعدم وضوح خارطة سياسية نهائية. ولا تزال الوجهة السياحية التونسية محفوفة بالمخاطر على الرغم من التراجع بشكل لافت لحالات الاعتصامات والإضرابات عن العمل ومظاهر الفوضى وقطع الطرقات خلال الأشهر الماضية. إلا أن التحسن النسبي للأوضاع الأمنية، لم يمنع الديوان التونسي للسياحة من الإعلان عن تراجع إيرادات السياحة من الأول من يناير (كانون الثاني) من السنة الجارية إلى حدود الأول من أبريل (نيسان) الجاري بنسبة 4.2 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. وأشارت مصادر من مكتب الإعلام بوزارة السياحة التونسية إلى أن عدد السياح الوافدين على تونس قد عرف بدوره تراجعا بنسبة 5 في المائة وقدرت المداخيل السياحية بنحو 491.5 مليون دينار تونسي (ما يعادل نحو 237 مليون يورو) وبلغ عدد السياح نحو مليون و53.424 سائحا، وجاء أكثر من نصفهم من ليبيا بحسب إحصاءات أعدها ديوان السياحة.

وعن الموسم السياحي الحالي ومدى تأثره بالأوضاع الأمنية قال الهادي الحمدي مدير الإعلام بالجامعة التونسية لوكالات الأسفار لـ«الشرق الأوسط»، إن تخوفا كبيرا يسود القطاع بشأن السوق السياحية الفرنسية التي تراجعت بشكل لافت للانتباه بسبب توتر الأوضاع السياسية والأمنية. وأضاف أن السوق الروسية قد تفتح آفاقا جديدة أمام السياحة التونسية مع استرجاع السوق الألمانية والإنجليزية البعض من إمكاناتها، إلا أنه استدرك ليلاحظ أن أي عملية توتر أمني على غرار اغتيال شكري بلعيد أو مواجهات عنيفة أخرى في المناطق السياحية الأكثر أهمية (نابل والحمامات وسوسة وجربة) قد تكون نتائجها وخيمة للغاية على السوق السياحية التونسية.

وقال إن من بين شكاوى السياح القادمين إلى تونس نجد تغير تصرف العمال وأعوان المؤسسات السياحية مع السياح القادمين إلى تونس، وذكر أن البعض منهم اشتكى من غياب حفاوة الاستقبال في النزل التونسية، معتبرا أن الأمر يعود إلى فهم خاطئ للثورة من قبل الناشطين في القطاع السياحي.

وأشارت وزارة الشؤون الاجتماعية من ناحيتها في إحصاءات نشرتها أول من أمس عبر الصحف المحلية إلى انخفاض عدد الإضرابات عن العمل خلال كامل سنة 2012 بنسبة 8 في المائة مقارنة مع سنة 2011 كما انخفض عدد العمال المشاركين في الإضرابات بنسبة 22 في المائة. إلا أن كل ما تم التسويق له من عودة للاستقرار وتراجع الانفلات الأمني قد لا يكون كافيا لإعادة رصيد الثقة في السياحة التونسية خلال الفترة القادمة التي ستعرف انطلاق حملات انتخابية قبل التوجه لصناديق الاقتراع وتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية السنة الجارية. وقال محمد الصايم المسؤول الجهوي عن السياحة في توزر (أهم قطب للسياحة الصحراوية) في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن حجوزات من الأسواق السياحية الأجنبية تم إلغاؤها خاصة من الأسواق الفرنسية والبلجيكية والكندية خلال شهر مارس (آذار) الماضي بعد عودة التوتر الأمني إلى تونس على خلفية اغتيال شكري بلعيد القيادي السياسي. ولاحظ أن الإلغاء التام عمق الوضع الضبابي للنشاط السياحي في الجهة خلال ذروة الموسم السياحي.

ولم يخف المندوب الجهوي للسياحة قلقه من انعكاسات ركود النشاط السياحي على المناخ الاجتماعي بالوحدات الفندقية التي أصيب البعض منها بحالة إحباط بعد أن عرف القطاع تحسنا نسبيا خلال السنة الماضية. وأبدى الصايم على الرغم من تلك الصعوبات ثقة أهل القطاع في عودة النشاط السياحي إلى سابق فاعليته بمجرد استقرار الأوضاع الأمنية والاجتماعية.

وأطلقت مختلف هياكل وزارة السياحة التونسية حملة للترويج للسياحة تمتد طوال شهري أبريل الجاري ومايو (أيار) القادم بنية إعادة تسويق الوجهة السياحية التونسية ونشر صورة مغايرة عما ينشر من تقارير إعلامية حول الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي. وخلفت عملية اقتحام السفارة الأميركية في تونس في 14 سبتمبر (أيلول) 2012 واغتيال شكري بلعيد المناضل اليساري يوم 6 فبراير (شباط) 2013 تساؤلات جدية وعميقة حول مدى الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تحظى به تونس مقارنة مع وجهات سياحية مماثلة. كما أن عدم حسم ملف التعامل مع التيارات الدينية المتشددة (التيار السلفي على وجه الخصوص) وانفلاتاته المتكررة واعتماده مبدأ المواجهة عوضا عن التحاور والإقناع قد يكون من الملفات المؤثرة على الواقع السياحي التونسي.

وتؤثر بعض الأنباء المتداولة حول مهاجمة قوات الأمن ومراكز الشرطة بشكل سلبي مباشر على الحجوزات السياحية التي غالبا ما تتم قبل أشهر من التنقل الفعلي إلى البلد السياحي.. فمهاجمة مجموعة مكونة من 150 شخصا من العناصر المتشددة دينيا مساء يوم الخميس 12 أبريل الجاري مركز الأمن الوطني بهرقلة من مدينة سوسة السياحية (140 كلم جنوب العاصمة التونسية) والتقارير التي تروي قصصا عن مرور الأسلحة من تونس إلى بلدان أخرى والكشف بين الفترة والأخرى عن مخازن أسلحة متطورة (قذائف آر بي جي وأسلحة مضادة للطائرات) لا تطمئن السائح وتعيد الأسئلة التقليدية حول هشاشة القطاع السياحي وارتباطه بمزاج السائح قبل كل شيء، إلى الواجهة.

وخلال عام 2012 ارتفعت إيرادات السياحة التونسية بنسبة 30 في المائة مقارنة بسنة 2011 إلا أنها بقيت أقل بنسبة 10 في المائة مقارنة بما سجله القطاع سنة 2010. ويرجع المسؤولون عن القطاع تراجع النشاط السياحي خلال سنة 2012 وبداية سنة 2013 إلى عدم توفر الاستقرار السياسي والاجتماعي الكافي وغياب عنصر الأمن في العديد من المناطق التونسية ذات التأثير الكبير على الأرقام المسجلة في القطاع السياحي.

وأشار الحبيب عمار المدير العام للديوان الوطني للسياحة التونسية في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى أن أزمة القطاع السياحي خلفت وراءها إغلاق 17 وحدة فندقية وهو ما يعني فقدان ثلاثة آلاف موطن شغل مباشر، فضلا عن «التخلي عن إحداث» نحو 20 ألف موطن شغل موسمي.

وفي هذا الشأن، قال سعد بومخلة الخبير الاقتصادي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن أزمة القطاع السياحي التونسي لا تبقى في حدود القطاع نفسه بل لها امتداد وتأثيرات سلبية على العديد من القطاعات الأخرى من بينها النقل الجوي ووكالات الأسفار والصناعة والصناعات التقليدية وغيرها من أنشطة الخدمات، وهو ما يجب الانتباه إليه، على حد قوله.