الانتخابات خلفت انقساما حادا في الحياة اليومية للفنزويليين

مادورو يؤدي القسم اليوم وسط حالة استقطاب وانتشار للعنف ومشاعر الكراهية

مؤيدون لمادورو يتظاهرون ضد زعيم المعارضة كابريليس في لوس تيكيس بولاية ميراندا الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

بصق الزبائن على بعضهم البعض في قسم بيع اللحوم، وتحتم منع سيدة من قذف مشروب غازي على أخرى تقف في صف انتظار دفع ثمن المشتريات. نفد صبر صاحب متجر البقالة، الذي يدعى خوسيه دوارتي، في نهاية المطاف، عندما أقدم عميل على توبيخ مشتر يرتدي زيا عسكريا لخدمته لحساب الحكومة الاشتراكية، التي تقوم اليوم الجمعة بتنصيب الزعيم المؤقت للبلاد، نيكولاس مادورو، رئيسا، فيما يخطط خصومه لتنظيم مظاهرات.

وضع دوارتي، الذي ظل على مدى 28 عاما مالكا لمتجر «لي كار تش»، لافتة قبل بضعة أسابيع نصها كالتالي «الحديث عن السياسة محظور في هذا المكان». وفيما يتمثل الهدف في إبقاء متجره آمنا، فإنه كان يهدف لتوصيل مقصد أكبر: ألا يمكننا أن نحاول فقط المضي قدما؟.. ولكن منذ الانتخابات الرئاسية التي أثير حولها جدل حاد يوم الأحد، والتي تقول الحكومة إن مادورو فاز فيها بفارق ضئيل جدا، يبدو أن انقسام الفنزويليين يزداد بدرجة أكبر.

لقد أصبحت الدولة التي تملك ثروة نفطية، بوصفها موردا مهما للنفط الخام للولايات المتحدة، مع كونها في الوقت نفسه ألد أعداء واشنطن في المنطقة، بمثابة دولتين فعلا - متعارضتين بشكل قاس وغاضب وأحيانا عنيف. ومنذ أن رفض زعيم المعارضة هنريكي كابريليس التنازل عن السلطة لمادورو، ظهرت فنزويلا في حالة انقسام بصورة مماثلة لما كانت عليه منذ بدء حقبة شافيز في عام 1999.

يقول دوارتي، بعد أن أخذ لحظة من صف الانتظار أمام الخزينة «هناك حالة انقسام نابعة من الكراهية. كراهية بين هؤلاء الذين يملكون وهؤلاء الذين لا يملكون. كراهية بين من هم داخل الحكومة ومن هم خارجها. هناك مشاعر كراهية سائدة في كل مكان».

ومع غرق فنزويلا في أزمة سياسية ومظاهرات في الشارع منذ يوم الاثنين، والتي يقول مسؤولون إنها خلفت ثمانية قتلى، يستجمع الطرفان في المشهد الدرامي الذي يمر به هذا البلد قواهما من أجل مزيد من المواجهات، من منطلق قناعة بأنهما على حق.

يقول كابريليس (40 عاما)، محام وحاكم لولاية ميراندا صاحبة النفوذ الاقتصادي «هنا، لا توجد أغلبية، هناك نصفان لدولة. وعندما ننظر إلى الأرقام نجد أننا نتحدث عن طرفين متكافئين من الناحية العملية، وعدديا، طرفان لهما الحجم نفسه».

في هذا الجانب، يلقي مادورو باللوم على كابريليس في أحداث العنف. ويقول «هذا الجانب من المعارضة يعمل كما لو كان ليس بوسعه اتخاذ أي إجراء مع من يقف وراء العنف».

لقد كانت حالة الاستقطاب واضحة على مر السنين، إذ إنها كانت استراتيجية محورية لهوغو شافيز، الذي حكم على مدى 14 عاما حتى وفاته الشهر المنصرم. غير أن كثيرين يقولون إن حالة الانقسام هائلة الآن إلى حد أن أي تصعيد للعنف يمكن أن يشكل عقبات لا تقهر تقف في طريق الوصول لحل لحالة الانقسام.

خلال الساعات العشر التي تلت إعلان لجنة الانتخابات فوز مادورو، على منافسه كابريليس بنسبة تقل عن 2 في المائة، وقعت مصادمات بين المعارضة والحرس الوطني. وأخذ مواطنون مناهضون للحكومة يكسرون الآنية الخزفية والأوعية في الشوارع طوال الليل. ووصف كابريليس مادورو بـ«غير الشرعي» واتهمه بتلقي الأوامر من الشقيقين فيدل وراؤول كاسترو في كوبا، أقرب حليف لفنزويلا. وقال مادورو، ابن الحزب الشيوعي البالغ من العمر 50 عاما، الذي نكث عهده بإعادة الفرز، إنه لن يعترف بخصمه كحاكم لولاية ميراندا. ومع طلب المعارضة إعادة فرز الأصوات بدقة، رد مادورو بمنع الاحتجاجات في وسط العاصمة كاراكاس مهددا باتخاذ مزيد من الإجراءات في مواجهة المعارضة. وأوضح قائلا «سنضرب بيد من حديد في مواجهة الفاشية وأعداء الديمقراطية».

يمكن أن نرى هذا المأزق المر في الشوارع والجامعات وغرف المعيشة بمنازل المواطنين التي قاطع فيها أفراد الأسر بعضهم البعض لدعم كل منهما فريقا سياسيا مختلفا. ويقول لويس توريس (66 عاما) «لقد امتنعت عن زيارة عائلتي تجنبا للمشكلات. ونكتفي بالتحدث في الهاتف منذ نحو عامين».

الاختلافات والانقسامات محتدمة بشكل خاص في مجلس الشعب، فقد تم قذف ويليام دافيلا، أحد نواب المعارضة، بشيء يوم الأربعاء، مما أدى إلى إصابته بجرح استلزم تقطيبه بثماني قطب. وبعدما قالت ماريا كورينا ماكادو، أحد نواب المعارضة، إنه على الحكومة أن تطلب إذن الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، لإعادة فرز الأصوات، تعالت أصوات وهتافات نواب الحزب الحاكم يقولون «فاشية، فاشية، فاشية». وقالت تانيا دياز، عضو مجلس الشعب من حزب مادورو الاشتراكي «إن هذا هو وجه الفاشية». وقالت موجهة حديثها لماريا «إنك جبانة وغير مسؤولة ومجرمة ونذلة».

ومنع رئيس مجلس الشعب، ديوسدادو كابيللو، إحدى الشخصيات البارزة في الحزب الحاكم، نواب المعارضة من الحديث عقابا لهم على عدم الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد.

وبالنسبة لأنصار شافيز، الذي رحل بعد صراع طويل مع مرض السرطان، فإن المعارضة ليست سوى دمى أميركية لا تهتم إلا بنهب البلاد واستمرار الفقر. وقال إزمير موتا، وهو ناشط موال للنظام «لقد قال شافيز إننا أصبحنا جميعا واحدا، وهكذا بدأ الاستقطاب. من يملكون المال من رجال أعمال وأقطاب الصناعات يكونون أصدقاء للفقراء فقط إذا كانوا يخدمونهم».

نجد هذا المناخ الملوث أيضا في الخس وقطع اللحم في السوق، حيث يرى جيمي بونس، بائع الجبن البالغ من العمر 40 عاما، أناسا يتجادلون بصوت مرتفع جدا، بل ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى التشابك بالأيدي. ويقول بونس «لقد تم اتهام أحدهم بأنه كوبي وكان على الناس التفريق بين الطرفين. وبصقت عليه امرأة، فضربها قبل أن يتدخل الناس ويفضوا المشاجرة وترحل المرأة». وبينما تشتري يليتزا ألفاريز (41 عاما) اللحم قالت إنها ببساطة لن تتكلم مع شخص لا تعرفه. وأوضحت قائلة «عندما تزداد الأمور سخونة أحاول أن أبقى على الحياد. الستار على العقول ثقيل، لذا لا تحاول تغيير رأي أحدهم. إنه لن يحب ذلك». لذا لا تواجه يليتزا مشكلة مع اللافتات التي تمنع المناقشات السياسية في الممرات. على الجانب الآخر، ترى سوريا كوستا (50 عاما)، التي كانت تتسوق لشراء الفاكهة، هذا كانتهاك لحرية التعبير. وتوضح قائلة «إنهم يريدون أن يكمموا الأفواه. لا يمكن لأحد أن يخرسني».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»